لنبدأ من جديد قبل أن يضيع منا المستقبل!بقلم:د.إبراهيم فؤاد عباس
تاريخ النشر : 2019-12-11
لنبدأ من جديد قبل أن يضيع منا المستقبل!

د.إبراهيم فؤاد عباس

لأنني واقعي وأحب أن أؤكد كلامي بالدليل والمنطق فإن حسبة بسيطة لإنجازات مسيرتنا النضالية منذ ستينيات القرن الماضي تثبت اننا فشلنا في معركة تحرير الأرض والانسان الفلسطيني.. فقد انتصرت جميع حركات المقاومة في البلدان التي كانت مستعمرة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية .. لكننا لم ننتصر ولم نتحرر مع اننا دفعنا فاتورة أكبر من دماءنا وضحينا بشهداء أكثر .. وعندما بدأنا ثورتنا المسلحة أواسط الستينيات كانت الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة أراض فلسطينية غير محتلة.. لننظر الى وضعنا الحالي بعد تلك المسيرة (النضالية) الطويلة.. ضاعت القدس والضفة وغزة (لا أحد يسألني كيف ضاعت ومن المسؤول عن ضياعها ولماذا لم تعلن الدولة الفلسطينية عام 1948 .. ولماذا قبلنا بالتخلي عن الضفة للأردن وغزة لمصر؟)..وعندما تبنينا شعار "السلام خيارنا الوحيد".. وعندما وقعنا أوسلو وبدأنا المفاوضات مع المحتل خسرنا المزيد .. باختصار نحن نتقدم إلى الخلف .. وما زلنا نمجد ونكرم ونهتف لأصنام الثورة وندعي انتصارات وهمية ، فيما أن خطابنا السياسي والإعلامي لم يتغير منذ زمن الشقيري . اليوم لابد وأن نتحلى بالشجاعة والصدقية والواقعية ونسأل أنفسنا: أين الخلل؟ هل هي أزمة قيادة ؟.. أم رتابة أم فساد أم سوء إدارة وتخطيط؟.. لماذا لا نتقدم إلى الأمام؟.. لماذا هذا البطء الشديد في الإصلاح والهيكلة والتفعيل؟..هل كان تخلينا عن سلاح المقاومة خطأنا الأكبر؟.. أم انه التنسيق الأمني؟.. كيف ننهض من جديد؟.. هل مصيبتنا الكبرى في الانقسام؟.. وكيف ننهيه؟.. وإذا كانت بعض القيادة- أو الغالبية- فاشلة ولم تحقق شيئًا يذكر لشعبها فلماذا تستمر؟..

أعتقد أن الوقت قد حان للمراجعة والتقييم والنقد الذاتي والتخطيط .. لابد من تقييم تجربتنا النضالية ومعرفة سبب الفشل..وهل شعبنا الفلسطيني يتحمل جزءًا من هذا الفشل ؟.. أعتقد انه لابد من العمل وفق استراتيجية مدروسة ومخطط لها بعناية قبل أن يضيع منا المستقبل ويختفي من عيوننا حلم الدولة وأمل  العودة. لا أعتقد أنه ينبغي أن يكون هناك مبررات لهذا الفشل الذي تراكم مع مرور السنين مثل تفوق إسرائيل في السلاح والعتاد .. ولا داع للتذرع بالفيتو الأمريكي .. ولا ينبغي أن يكون همنا الوحيد أن نحوذ على رضى المجتمع الدولي وأن لا نتهم بالإرهاب لأننا نقاوم المحتل وندافع عن حقنا في الوجود وفي استرداد حقوقنا التي اغتصبها الصهاينة ..كنا في الستينيات (خاصة بعد معركة الكرامة) أقوى من السبعينيات .. وكنا في السبعينيات (خاصة بعد معارك الجنوب عامي 1977 و1978) أقوى من الثمانينيات، وبعد عام 1982 أخذنا نفقد كل شىء بدءًا من البنية العسكرية ..ثم خسرنا الكثير في حرب الخليج الثانية.. ثم خسرنا حرب المفاوضات التي انتصرت فيها إسرائيل إستراتيجيًا وأمنيًا وسياسيًا بالانسحاب من غزة الذي يعتبر البداية الحقيقية للانقسام الفلسطيني .. المهزلة هي أن إسرائيل ظلت تستفيد من المفاوضات من جانب واحد على مدى 22 عامًا وعريقات مستمر في التفاوض!.. أعتقد أن المفاوضات أكبر انتصار حققته إسرائيل منذ قيامها عام 1948، فهي لم تحقق لها الأمن الذي كانت تحلم فيه فقط، وإنما أعطتها الفرصة والوقت الكافيين لابتلاع ما تبقى من الأرض الفلسطينية ولتهويد القدس.

لا نريد أن يموت شهداؤنا بالمجان.. لا نريد مزيدًا من الصفعات التي يكيلها لنا نتنياهو فنخجل من الرد الذي يليق بنا كشعب الشهداء.. لابد من العودة أقوياء فالعالم - خاصة في هذا الوقت - لا يحترم إلا الأقوياء..

أعلم أنها جرعة مريرة من الألم .. لكنني أحاول تطهير جرحنا الدائم من بكتيريا الفساد والفشل والهزيمة.. ولأنني فلسطيني محب لوطني غيور على ترابه ومقدساته فإنني أدق هنا ناقوس الخطر.. وأنا متأكد أن ترامب لو فاز لفترة رئاسية ثانية فإنه يضع في أولوياته إلغاء قراري التقسيم وحق العودة..