رواية الأزهري والجماعة (12)بقلم:سيد سليم
تاريخ النشر : 2019-12-10
رواية الأزهري والجماعة (12)بقلم:سيد سليم


44

ـ وجاءت مبادرتهم لوقف العنف

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم! شاء الله تبارك وتعالي أن يحقق ما كنت قد تمنيه من توبتهم وعودتهم للسلوك السوي، وقد طالبت بذلك كثيرا، والحمد لله قد سمعنا ورأينا وقرأنا عن المبادرة التي أطلقها قيادات الجماعة الإسلامية من داخل السجون وخارجها في مصر وخارج مصر، وتتمثل المبادرة في وقف العنف نهائياً والتوبة منه والرجوع عنه وتطايرت أخبار المبادرة والمبادرات إلى مختلف وسائل الإعلام وجرى حولها أكثر من حوار في التلفاز وعلي صفحات الجرائد والمجلات ما بين مؤيد لها ومعترض عليها وكنت من المؤيدين لها والمنادين بها قبل حدوثها وفرحت سروراً بتلك المبادرة وقلت لعل فيها الخير للجميع، فيها خير للدولة حيث سينخرط هؤلاء الشباب في المجتمع يمارسون حياتهم وأعمالهم مما يزيد من دخلهم ودخل أسرهم ودخل الدولة مما يوفر على الدولة الكثير والكثير، وفيها خير لأهلهم حيث أن أهلهم قد حرموا منهم وعودتهم إليهم تشعرهم بالراحة والأمان وتوفر عليهم كثيراً من الأموال التي ينفقونها عليهم في زياراتهم لهم، كما أنهم سيكفون أولادهم وأزواجهم شر التشرد والتسول والانحراف، وفيها خير للمجتمع حيث يعودون كأعضاء نافعين فيه وكما سبق أن قلت وأقول: إن تجربة الاعتقال وطول مدته ونبذ العلماء لهم وكراهية أهليهم وذويهم لأفعالهم ولتطرفهم كل هذه الأمور ستجعلهم يفكرون كثيراً كثيراً وبجدية تامة في التبرؤ من تلك النزاعات التي لا ترضي الله ورسوله. نعم إنهم أجرموا في حق أنفسهم وحق المجتمع وإن ما ذاقوه ورأوه من رفض المجتمع لهم سيجعل منهم أفرادَ يعيشون حياتهم كسائر أفراد المجتمع كما أن الشروط التي ستؤخذ عليهم والعهود التي سيبرمونها؛ ستلزمهم دينياً وأخلاقياً بعدم الخروج على الدولة أو المجتمع تارة أخرى، وإني وإن كنت من المؤيدين لأي انفراجة تعيد هؤلاء الشباب إلى الرشد والصواب قبل العودة إلى مواقعهم في المجتمع أود أن أعذر الذين يرفضون المبادرة لأنهم قد ذاقوا بالتأكيد ورأوا كيف ضرب هؤلاء الشباب الدين والوطن في مقتل وكيف تجرؤوا على هيبة الدولة وسلطانها وكيف نازعوا الأمر أهله وكيف رَوَّعوا الآمنين واعتدوا على رجال الشرطة والسياح وكيف اعتدوا على مخالفيهم في الرأي وكيف اتخذوا من علماء الأزهر أعداءَ لهم وجعلوا كل من خالفهم أو أنكر عليهم من العلماء عالمَ سلطة أو عالم شرطة. إن الذين رأوا كل هذه الأفعال والتصرفات لمعذورون في رفضهم لهم، ولكن هناك بعض الرافضين لمجرد الرفض من الذين لا يريدون استقرار المجتمع والله أعلم بالنيات وأتمنى خروج هؤلاء الشباب إلى المجتمع بشروط التوبة المعروفة.

45

ـ ودار الجدل حول توبتهم

من المعلوم أن العودة إلى الحق أولى من التمادي في الباطل، والإنسان معرض في حياته للصواب والخطأ كما أن في تكوينه وفى طبيعة نفسه قبول الأمرين المتناقضين كالخير والشر والطاعة والمعصية والتطرف والاعتدال والخروج عن الجماعة والعودة إلى الصواب، وهكذا يقبل الإنسان جميع المتناقضات وهذا هو سر التكليف والاختبار وقد أشار القرآن الكريم في قول الله تعالى: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}7ــ10 الشمس. فقد يطمح المرء إلى الطاعة فيعيش في خير وفلاح، وقد يجنح إلى المعصية فيعيش في شر وخيبة، نسأل الله الفوز بكل خير والبعد عن كل شر بفضله ورحمته؛ فالانحراف الفكري وارد وقديم. وهذا الذي مارسه هؤلاء الشباب وقياداتهم نوع من الانحراف الفكري الذي يمكن الإقلاع عنه والتوبة إلى الله منه يقول الله عز وجل: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم} (39ـ المائدة). وهؤلاء قد ظلموا أنفسهم وأهلهم ودينهم ومجتمعهم ودولتهم، ولكنهم أرادوا التوبة وتعهدوا بالإصلاح واعترفوا بالخطأ، فهم بذلك قد تابوا إلى الله، والله كريم عفو غفور يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، فلماذا لا نقبل عودتهم عن أفكارهم! ولماذا الخوف منهم وهم الذين بادروا بالرجوع إلى الرشد والصواب، ألا يكفي ما حدث لهم ولأسرهم من مصائب ومصاعب؟! فلنقبل ذلك منهم ولنضعهم تحت الاختبار فمن شذ بعد ذلك فإنما يشذ إلى الهاوية ولن يجد من يبكيه أو يترحم عليه، أظن إنهم عرفوا الحقيقة واتضحت لديهم المعالم وتأكدت لديهم الرؤية الثاقبة للخروج من هذا المستنقع المتطرف الذي وقعوا وتوحلوا فيه إلى آذانهم، والمبادرة عهد والعهود لها منزلتها عند الله يقول الله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون}91 النحل. ويقول سبحانه وتعالى: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً} (10ـ الفتح). إن حب الوطن من الإيمان والحفاظ عليه واجب ديني وقومي ومن خان الوطن فقد خان دينه وأهله، ومصر لها منزلتها عند الله ورسوله وهي حامية حمى الإسلام على مر التاريخ وهي تقبل أولادها إذا عادوا إلى حضنها.

46

ـ مفرج عنه يحكي قصة التوبة:

رغم حزني العام على ما أصاب الشباب والوطن وخوفي من الاشتباه في المتدينين المعتدلين بسبب هذا السلوك الشاذ من هؤلاء المتطرفين ورغم علمي بأن أغلب المعتقلين يستحقون الاعتقال إلا إني حزنت كثيرا على اثنين منهم، أحدهما شاب مثقف كان يميل للحوار والمناقشة ورغم تكفيرهم لي ونفورهم عني إلا أن هذا الشاب لازمني مدة كبيرة وحاورته أكثر وقد اقتنع بخطأ منهج الجماعة وعاهدني على ترك هذا المنهج وقال لي: إنني صمت أو سأصوم يوماً بديلاً لليوم الذي أفطرناه، وفرحت برجوعه إلى الصواب لأنه مثقف ولكني فوجئت بإلقاء القبض عليه واعتقاله بعد أن أغراه بعضهم لحضور أحد اللقاءات الهامة لديهم والذي تم فيه اعتقال جميع من حضر اللقاء ومضت السنوات ولم يفرج عنه إلى الآن وللشرطة عذرها لأنهم لا يعلمون عن توبته شيئاً كما أنه ضُبط ضمن المطلوبين، أما الشخص الآخر فهو إنسان ترددوا عليه أكثر من مرة كما أن بعض المنتفعين من وراء هؤلاء الجماعتين جر هذا الأخ الطيب إلى أن تم اعتقاله عن طريق المجاورة لا عن طريق الممارسة وعندما تم الإفراج عنه مؤخراً بعد قضاء ثمانية أعوام خلف الأسوار قمت بزيارته أكثر من مرة وقال لي أكثر من مرة: "لقد كنت على حق في حربك عليهم ومقاومتك إياهم". ولما سألته عن الأحوال وعن سبب الإفراج عن بعضهم قال: "لقد جاء إلينا جميع القادة المشهورين ومروا علي جميع المعتقلات بتنسيق مع الدولة وأعلنوا لنا أنهم كانوا على خطأ ونالوا الجزاء عليه، وكان العلماء على صواب عندما نصحوهم بالابتعاد عن هذا التيار المتطرف وقال: لقد دار أكثر من حوار بين المعتقلين وبين قادة التطرف وإني سألتهم أكثر من مرة  عن سبب التغرير بنا وبجميع الشباب المعتقلين فكان ردهم جميعاً متفقاً وجواب واحد وهو أنهم أخطأوا ونالوا جزاءهم وطلبوا من الجميع التوبة عن هذه الأفكار والرجوع عن كل تطرف وأعلنوا براءتهم من كل من يعود إلى العنف، ولما ثار بعض الشباب ضد القادة بسبب ما هم فيه من ضياع وما حدث لأهلهم وأطفالهم وزوجاتهم قالوا: كان هذا الأمر قدراً وقعنا فيه بجهلنا وكتبوا أربعة كتب، وناقشناهم فيها تحوي الأدلة على ما وقعوا فيه من جهل وخطأ وشددوا على البراءة مما كانوا عليه". نسأل الله القبول والتوفيق بعونه ورحمته وكرمه.

اللهم اغفر ذنوبنا وارحم ضعفنا واجعل الرحمة منك والسلام يعمان مصر والإنسانية جمعاء، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

**

47

ـ ختام بقصيدة في وصفهم

بعنوان (احذروا الإرهابَ)

هبوا جميعاً شيبكم وشبابا       =    متكاتفين لتبتروا الإرهابا

ولتحسموا الداء الخبيث وتقطعوا  =    جذراً له كي لا يمد شعابا

واستنهضوا الهمم الكوامن وابعثوا =   فكراً يهيض المارقين رقابا

ولتضربوا بيد العدالة معشرا      =    نبذوا السماحة سنة وكتابا

ظنوا التدين غلظةً وفظاظةً      =    نهلوا من الفكر السقيم شرابا

غرسوا جذور الحقد في أجوائنا  =    فنمت غصون أثمرت أوصابا

جلبوا على الدين المتاعب جمة  =    ولأجلهم صار القبيح صوابا

جعلوا اللحى منبوذةً بفعالهم     =    فغدت لجهلهم العنيف ضبابا

شقوا القلوب وأصدروا أحكامهم   =    فاسمع إليها واترك استغرابا

هذا على شركٍ وهذا كافرٌ       =    من دون ربك يعبد الأنصابا

والأغلبية فاسقون لأنهم         = لبسوا من البدع العظام ثيابا

والعالمون إذا أبانوا فكرهم       =    كانوا لكل حكومة أذنابا

والناصحون لهم بحكمة شرعنا   =  نالوا من القوم الجزاء سبابا

يا ويح معترضٍ على أسلوبهم =  قد حارب المولى وطاش صوابا

يا قادة الإرهاب كفوا واسمعوا    = للناصحين وفتحوا الألبابا

هل كان دين الله إلا رحمةٌ = وسعت جميع العالمين رحابا؟!!