الذكرى الثانية والثلاثون لانتفاضة الحجارة .. حسرة على ضياع الأمل بقلم : حماد صبح
تاريخ النشر : 2019-12-09
الذكرى الثانية والثلاثون لانتفاضة الحجارة .. حسرة على ضياع الأمل بقلم : حماد صبح
في الذكرى الثانية والثلاثين لانتفاضة الحجارة ؛ يتأمل الفلسطينيون حالهم بحزن وحسرة على ضياع أمل التحرر الذي بشرت به تلك الانتفاضة التي انفجرت في 7 ديسمبر 1987 إثر دهس شاحنة إسرائيلية لسيارة فلسطينية وقتل ركابها الأربعة الذين كانوا جميعا من بلدة جباليا . كانت حادثة الدهس شرارة الانفجار المنتظرة بعد أن تردت الأحوال كافة في غزة في جو احتلال صارم مقيت مضى عليه يومئذ 20 عاما . وقبل انفجار اانتفاضة بشهر ، زار البرلماني البريطاني جورج جلاوى غزة ، وعاد إلى بلاده ، وأعلن هناك أن الانفجار قادم . وحدث الانفجار ، وهاجم المواطنون في جباليا ثكنة عسكرية إسرائيلية . واتسعت دائرة الانتفاضة ، وامتدت إلى الضفة ، وجنت إسرائيل . لا تصدق أن الذين سيطرت عليهم عشرين عاما قد يتجرؤون على تحدي سيطرتها الباطشة . وكانت تحكم غزة بعدد صغير من الشرطة والجنود الذين يقيمون في مراكز الشرطة وفي المستوطنات ، وأملت أن توقف الانتفاضة بالشرطة وبأولئك الجنود ، وخاب تقديرها ، فتدفقت قواتها العسكرية على غزة حتى انتهت إلى 10 آلاف جندي ساحوا في معظم مناطقها . وتتواصل الانتفاضة ، ويكتشف العالم أن هناك شعبا فلسطينيا محتلا مضطهدا في غزة والضفة ، وأن القضية الفلسطينية لم تكن صراعا وراء الحدود بين إسرائيل وبين منظمة التحرير الفلسطينية التي أقصيت في 1982 إلى تونس بعد غزو إسرائيل للبنان صيف ذلك العام . واقتحمت أصداء الانتفاضة الداخل الإسرائيلي ، وسمعت لأول مرة أصوات فيه تتحدث عن وجود الفلسطينيين والإسرائيليين تحت سقف واحد ، وأنه لا مفر من حل يلائم الطرفين ، وسجلت حالات تمرد بين الجنود الإسرائيليين العاملين في غزة ، وفي يوم ، فر من الخدمة في المنطقة الوسطى 16 جنديا ، وبدأ أهل الجنود الإسرائيليين الذاهبين إلى غزة يودعونهم بالدموع . قد يعود ابنهم مقتولا أو مصابا . وتعاظم شعور الشعب الفلسطيني بنفسه ، وفي عين عدوه ، وكتب ضابط إسرائيلي إنه يتحدى أن يفعل أي إسرائيلي ما فعله صبي فلسطيني حين رفع علم فلسطين فوق عمود كهرباء في عاصفة ممطرة واحتمال أن يطلق عيه الجنود الإسرائيليون النار مثلما كانوا يفعلون مع كل من يرفع العلم الفلسطيني . وفي كل انتفاضة أو ثورة تظهر سلبيات سلوكية من سرقة وإشاعة مخدرات ونزاعات بين الناس ، وحدث شيء من هذا في الانتفاضة ، فظهرت ردا عليه جماعات الملثمين ، فأعادت الأمن المجتمعي ، وقمعت كل سلوك شائن يستثمر أصحابه اضطراب الأحوال واختفاء سلطة القانون العامة ، وامتدح الرئيس مبارك قضاء الملثمين على ظاهرة المخدرات في غزة خلال حديثه مع ضباط مكافحة المخدرات في الداخلية المصرية متعجبا من فشلهم في مهمتهم في حين أن " شوية عيال في غزة " نجحوا فيها . وتقبحت صورة إسرائيل في الخارج ، وبكى شارون لاتساع تقبحها ، واتهم منظمة التحرير الفلسطينية بأنها سبب هذا التقبح متهربا من حقيقة أن جرائم دولته وجيشه في الضفة وغزة السبب الأوحد له . ومن طرائف إسرائيل في مقاومتها لتيارات الانتفاضة المتصاعدة الملتهبة تأليف وزارة الدفاع الإسرائيلية معجما عربيا صغيرا هو الأول ، ولا ريب الأخير ، من نوعه في تاريخ المعاجم : كل مفرداته وجمله سباب وبذاءات ليستخدمها جنودها عند الاصطدام بالمنتفضين الذين كانوا صبيانا وشبانا . ويروي جندي إسرائيلي أنه طارد صبيا ، وفجأة استدار الصبي نحوه وتوقف ، وانهال عليه سبابا فاحشا بالعبرية ، فتوقف الجندي بدوره مبهوتا مذهولا . ومع تدفق الانتفاضة عاصفة متوقدة ، واتساع دائرة اليأس في قلب القيادة الإسرائيلية من وقفها ؛ اجتمع أركان القيادة العسكرية الجنوبية ،ثم توجهوا إلى الحكومة الإسرائيلية بخلاصة ما أجمعوا عليه ، وهو الحتمية المطلقة للانسحاب من غزة .
ودارت عجلة الدبلوماسية : مؤتمر مدريد في 1991 ، ومباحثات أوسلو السرية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية خلف ظهر وفد مدريد من فلسطينيي الداخل ، وآلت المباحثات إلى اتفاق أوسلو بين إسرائيل والمنظمة في سبتمبر 1993 وتطبيقه في مايو 1994 في أريحا وغزة . والإجماع منعقد على أن منظمة التحرير الفلسطينية أساءت استثمار الانتفاضة إساءة قاتلة للشعب الفلسطيني والحق الفلسطيني ، وفاجأت حتى الإسرائيليين في تساهلها إزاء هذا الحق ، وها نحن اليوم في ما نحن فيه من تمزق صف وطني ، وتراجع مخيف لقضيتنا في ميزان القضايا والمشكلات الدولية ، وهاهم صناع أوسلو يتابعون دربه المدمر ، ويحلمون بأن ينتخبهم الشعب ليقطعوا فيه مسافات أطول حتى نهاية كل شيء فلسطيني أرضا وشعبا .