رواية الأزهري والجماعة (11)بقلم:سيد سليم
تاريخ النشر : 2019-12-09
رواية الأزهري والجماعة (11)بقلم:سيد سليم


39

ـ ثم تم اعتقالهم جميعا

إن هؤلاء الشباب المغالين دخلوا إلى الدعوة من أسوأ أبوابها؛ فكان جزاؤهم النفور منهم والرفض لهم، إنهم ارتكبوا حماقات آذت الجميع حكاماً ومحكومين! إنهم خرجوا عن المعقول والمألوف؛ فنالوا ما نالوا حيث تم القبض عليهم والزج بهم في غياهب السجون والمعتقلات فما بكى عليهم ـ بأشخاصهم وسلوكهم ـ أحد من أهل العلم والفكر والرأي إلا شفقة على حدوث ذلك في المجتمع الآمن والوطن المحبوب وحزنا على ما جرى ويجري في مصر التي هي رمز السماحة في تدين أهلها!.

وفي النهاية نقول: أن هؤلاء الشباب قد ضلوا أيما ضلال وتخطفتهم أفكار الغلاة وأيدي تجار الدين الملوثة السامة؛ فكان ما كان منهم وقد نالوا جزاء طيشهم.

إن العلماء المعتدلين جميعاً رفضوا منذ بدايتهم سلوكهم الشاذ وطريق دعوتهم الأحمق، إنه طريق منحرف وصل بهم إلى التحفظ عليهم وإبعادهم عن المجتمع، ولكن أ ليس هؤلاء الشباب أبناء مصر؟ بلى إنهم أبناء مصر التي عاشت السماحة واليسر في شتى العصور والتي نصرت الإسلام في جميع البلاد والأقطار، مصر التي لم تعرف التعصب الأعمى ولا التطرف الأحمق إذن من أين جاءنا هذا الفكر؟! إنه الفكر الوهابي المستورد المسموم.

**

40

ـ تحقيقي لبعض نصوص التكفير المستوردة

قلتها وأقولها صريحة: إنه الفكر الوافد وللأسف من بلاد عربية وإسلامية صدرته لنا عن طريق الكتب المسمومة والأشرطة الملغومة التي تتهم مصر علانية بالشرك والخنا والفجور وتتناسى الصورة المشرقة الجميلة الطيبة كما صدرته لنا عن طريق البث المباشر فى نفوس العاملين بتلك البلاد فكانت النتيجة ظاهرة واضحة تطرف وغلو وخروج عن السماحة واليسر إن الغرب لم يصنع بنا ولم يضع لنا هذا المنهج الغريب الشاذ عن المبادئ الإسلامية كلها، إنما يشجع الغرب تلك التيارات بعد وجودها وأراد تغذيتها وتنميتها للضغط علينا وتشتيت قوتنا لننشغل داخلياً عن قضايانا وقضايا أمتنا الخارجية ولدينا الكثير والكثير في تلك المجالات التي حققناها وعلمناها وما هي من الباحثين الصرحاء ببعيدة.

حدثني أحد الزملاء العاملين في المملكة العربية السعودية ـ وكان متأثراً شيئا ما بهذا الفكر المتطرف ـ حدثني عن كتاب اسمه (دمعة على التوحيد) وما فيه من اتهامات بالكفر والشرك للبلاد والعباد ولزوار أضرحة السادة أهل البيت، والصالحين من عباد الله، ووصفهم للزوار بأنهم: قبوريون (أي: يعبدون تلك القبور التي يزورونها) وغير ذلك من الاتهامات التي يشقون بها القلوب، ويبحثون عن السرائر؛ فطلبت من الزميل إحضاره معه بعد سفره والعودة بسلامة الله، وعاد الزميل ولم يحضر معه الكتاب؛ خوفاً من سلطات التفتيش، وألححت عليه في إحضاره في المرة القادمة، وقلت له لا تخف، وإن كنت متخوفاً من شيء؛ فضعه في مظروف واكتب عليه اسمي فإن كان هناك حساب؛ فسيقع عليَّ، وأحضر الزميل الكتاب بطريقة ما.

ومن خلال قراءتي رأيت عجباً!! فقلت وأقول: إن كتابات ومحاضرات متطرفي الوهابية مليئة بتكفير، وتشريك، وتبديع المسلمين، ولم يكتفوا بتكفير الأفراد والفئات المختلفة، إنما ذهبوا إلى أبعد من ذلك؛ حيث امتدت شظايا تكفيرهم لتشمل الدول كذلك، ومن أغرب ما قرأت لهم أنهم يقولون بعدم تكفير المسلمين، وكذلك قولهم بأنهم لا يُكَفِّرون معيناً، وللأسف فإن كتبهم طافحة بتكفير المسلمين بلاداً وعباداً.

41

ـ نموذج مستورد لتكفير مصر من خلال كتاب واحد!!

إليكم بعض النصوص التكفيرية المستوردة من خلال كتاب واحد، ووصل غيره وقبله وبعده أطنان؛ ففي سلسلة (كتاب المنتدى الإسلامي) عدد1419هـ، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر صدر كتاب(المنتدى الإسلامي) عنوانه: (دمعة على التوحيد.. حقيقة القبورية وآثارها في واقع الأمة) وفي الصفحة الخامسة والخمسين، وتحت عنوان(من لهذه الوثنية المتعددة) كتب الشيخ: إسماعيل بن سعد بن عتيق ما يلي: "كتب الله لي أن ازور كثيراً من عواصم العالم الإسلامي، ورأيت في كل صقع من أصقاعه من يتهافت على تلك الأوثان: حباً وتعظيما وخشية وإنابة وتضرعاً وافتقاراً، ولا حرج في التمثيل وذكر بعض الأمثلة لتلك الدول التي تبنت الإسلام شعاراً لا عقيدة. ومع الأسف فهي محسوبة على الإسلام!! والله المستعان.

وأترك أسماء المدن لفطنة القارئ؛ ليستنتج مواقع هذه الأوثان ومواطنها.

1ـ قبر مزعوم للحسين يحج له الناس، ويتقربون إليه بالنذر والقربات، وتجاوزوا ذلك إلى الطواف به، والاستشفاء، وطلب قضاء الحاجات عند الملمات.

2ـ السيد البدوي له مواسم في السنة أشبه بالحج الأكبر، يقصده الناس من خارج البلاد وداخلها، سنة وشيعة ..

وهذان نموذجان في دولة واحدة من أقدم الدول العربية والإسلامية في التعليم النظامي، وفيها أكبر مؤسسة تعليمية نظامية منذ القرن الثالث الهجري، والتي كان لدعاتها وعلمائها الأثر الطيب في نشر الإسلام والدعوة إليه، ولكن كما قيل:

كالعيس في البيداء يقتلها الظما = والماء فوق ظهورها محمول".

انتهى كلام الشيخ ابن عتيق عن مصر طبعاً، والتي ذكر فيها سيدنا الإمام الحسين وسيدنا السيد أحمد البدوي ـ رضي الله عنهما ـ وهذا الأمر لا يحتاج إلى الفطنة التي تركها للقارئ، وكلام ابن عتيق هنا موجز إلا أنه يحمل الكثير من معالم التكفير، ولولا محاولة إظهار حقيقة المتطرفين، وبيان مدى نظرتهم إلى المجتمع؛ ما حللنا هذا الكلام الذي لا يصدر إلا عن زيغٍ، وجهل.

ومن النظر في عنوان الكتاب؛ نجد ما يفيد البكاء على التوحيد الذي أصيب أو مات كما يزعم العنوان غير الموفق للكتاب، كما يوحي كذلك بأن المتطرفين الوهابيين هم من يبكي على التوحيد؛ خوفاً وحزناً، كما أن عنوان مقال ابن عتيق الذي اختاره (من لهذه الوثنية المتعددة)؟ يوحي بالتكفير حيث (الوثنية المتعددة والوثنية) نسبة للوثن (الصنم) ويوحي كذلك بأن الزائرين يتقربون بعبادة تلك الأوثان، والدليل من كلام ابن عتيق على عبادة هذه الأوثان؛ إطلاقه بعض الألفاظ التي لا تليق ولا تكون إلا لله عز وجل حيث قال: "من يتهافت على تلك الأوثان: حباً وتعظيما وخشية وإنابة وتضرعاً وافتقاراً".

ربما قالوا هذا ليس تكفيرا؛ إذن فما معنى أن يقول شيخكم هذا عن دولة مثل مصر: "ولا حرج في التمثيل وذكر بعض الأمثلة لتلك الدول التي تبنت الإسلام شعاراً لا عقيدة. ومع الأسف فهي محسوبة على الإسلام!!" أ ليس هذا الكلام تكفيراً صريحاً لمصر، ووصفها بأنها: (تبنت الإسلام شعاراً لا عقيدة) والشعار هنا مخالف للعقيدة حيث أثبت الإسلام شعاراً ومظهرا، ونفاه عقيدة وجوهرا، ثم ما معنى قوله، وتعجبه: (ومع الأسف فهي محسوبة على الإسلام!!). وهل يريد ابن عتيق ألا تحسب مصر على الإسلام؟!! ولننظر إلى اعترافه في نهاية نصيب مصر من التكفير بأن مصر: (من أقدم الدول العربية والإسلامية في التعليم النظامي، وفيها أكبر مؤسسة تعليمية نظامية منذ القرن الثالث الهجري، والتي كان لدعاتها وعلمائها الأثر الطيب في نشر الإسلام والدعوة إليه). أ ليس في هذا تناقض منه؟ أم أن مصر كانت كذلك قديماً، وزال عنها هذا حديثاً، وكفرت بعد إيمانها؟!.

إن أمثال هذا الشيخ هم من دعاة الفتنة والتفريق بين أهل الإسلام، ولا أدري كيف سمحت المملكة العربية السعودية بطباعة مثل تلك الكتب المُكَفِّرة للعباد والبلاد؟!! ومن العجب كذلك أن يدخل هذا الكتاب فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية!! وأن يكون ضمن سلسلة (المنتدى الإسلامي) جمعاً ونقلاً عن ثلاثة أعدادٍ من مجلة (البيان) كما جاء في المقدمة. فكلام ابن عتيق بهذا قد اتخذ وسيلتين أو أكثر من وسائل النشر الرسمية في المملكة هما: مجلة (البيان) التي نقل عنها جامع الكتاب هذه المقالات المتطرفة في التكفير، ثم ظهور هذا الكتاب الأشد تطرفاً في عنوانه ومضمونه: (دمعة على التوحيد) في تلك الصورة، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

**

إنهم أبناء مصر مهما كان منهم

أهل مصر هم أهل تدين صافٍ نقي بحق؛ يحبون الاعتدال ويبغضون التطرف، والعالم يشهد بذلك وبأننا أهل وسطية، ومعروف عنا وسطية المؤسسة الرسمية (الأزهر الشريف) نحب السماحة ونكره العنف، صدرنا صحيح العلم للعالم، ولكنه الابتلاء بالفكر المستورد المسموم.

إن هؤلاء الشباب قد تم التغرير بهم من جبابرة استيراد الفكر الوهابي الذي يتخذ التكفير منهاجا والتشريك سبيلا والتبديع رفيقا؛ لحصد الغنائم النفطية المحرقة والريالات المفخخة ولو على حساب ضياع الشباب.

إنني أطالب الجميع وخاصة السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس الوزراء والإمام الأكبر شيخ الأزهر والسيد وزير الداخلية والسيد وزير التربية والتعليم والسيد وزير الإعلام والسيد وزير الثقافة والسيد وزير الشباب بما حملهم الله من أمانه وما أعطاهم من مكانة وبفضله عليهم وإكرامه لهم أطالبهم بالمناقشة الجادة لأفكار الأبناء واتخاذ قرار فوري بالعفو عنهم بعد إقرارهم، وأخذ المواثيق عليهم بالرجوع عن أفكارهم ليعيشوا بين أفراد المجتمع كأفراد عاديين لا معتدين، وأعتقد أن تجربة السجون قد دفعتهم إلى التفكير جدياً في مستقبل حياتهم ومستقبل أسرهم،

إن هؤلاء الغلاة لهم أسر كرهت سلوكهم ولكنها تنتظر رجوعهم إنهم شذوا عن الصواب، ولكن يمكن أن يعودوا لرشدهم وإذا صدقت نواياهم وصفت سرائرهم ولجئوا إلى الله طالبين التغيير فإن الله كريم لا يرد من قصده ما دام قد غيَّر ما بنفسه وقد وعد الله من صدق في نية التغيير بالاستجابة له، يقول تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

ـ أيها القادة المسئولون الآباء

إني ومعظم الذين عايشوهم نتمنى راجين منكم ونأمل فيكم النظرة الرحيمة الواعية لهؤلاء المعتقلين الذين جنوا على أنفسهم أولاً وعلى أهلهم وذويهم ثانياً ثم نالوا جزاءهم وكفاهم عقاباً نبذ المجتمع والعلماء والأهل لهم ولسلوكهم أولاً، ثم ما ذاقوه من عزل عن المجتمع والأهل والأقارب ثانياً.

إنهم مرضي فكر ومريض الفكر لابد من السعي في علاجه ليعيش عضواً نافعاً في بلده ومجتمعه ونفسه وأهله.

ـ أيها الآباء الرحماء: للمرضى هؤلاء بيوت افتقدتهم وإنها تحتاج لرعايتهم، ولهم أطفال قد شردوا وأهينوا اجتماعيا، وزوجات شبه أرامل فالرحمةَ الرحمةَ بالجميع.

ـ السيد الرئيس مبارك، الحمد لله على نجاتك ولا أصابك الله بسوء أبداً ونتمنى لك المزيد من النجاح والتوفيق في مشروعاتك العملاقة وها نحن مقبلون على استفتاء رئاسة جديدة متعك الله بها وأعانك عليها فأجعل شكرك لربك قراراً رحيماً وحكيماً بالإفراج عن هؤلاء الأبناء رحمةً بأسرهم المهمومة منهم وبهم، والحمد لله مصر ولادة وسباقة إلى كل خير وسنحاول جميعاً جاهدين دفع كل ما يمسها بسوء أو يخل بأمنها فكلنا جنود مصر، وجنود مصر خير أجناد الأرض؛ لأنهم وأهليهم في رباط إلى يوم القيامة كما أخبر المعصوم صلي الله عليه وسلم.