32 عام على الانتفاضة الشعبية.. تجارب كفاحية و دروس نضالية بقلم:نبيل دياب
تاريخ النشر : 2019-12-09
32 عام على الانتفاضة الشعبية.. تجارب كفاحية و دروس نضالية بقلم:نبيل دياب


32 عام على الانتفاضة الشعبية ... تجارب كفاحية و دروس نضالية
بقلم / نبيل دياب القيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية المفوض الإعلامي للجنة الشعبية للاجئين بمخيم جباليا

الانتفاضة الشعبية التي اندلعت قبل 32 عام و تحديدا من مخيم جباليا في صباح  يوم الأربعاء 9/12/1987 بمسيرة انطلقت من مدرسة الفالوجا الثانوية للبنين عقب ليلة عنيفة من المواجهات مع جيش الاحتلال أثناء تشييع عدد من العمال الذين استشهدوا جراء تعمد أحد المستوطنين دهسهم و هم عائدين من أماكن عملهم إلى غزة
ثار المخيم عن بكرة أبيه و مثلما انتشرت النار في الهشيم انتشر خبر استشهاد الشاب حاتم السيسي 16 عام لتمتد المواجهات لجميع أنحاء قطاع غزة و قد تواصلت لأيام و أسابيع دون توقف إلى أن امتدت إلى الضفة مدنها قراها و مخيماتها و تعاظم شأنها و أخذت في تنظيم صفوفها فأسس الوطنيون المخلصون القيادة الوطنية الموحدة و شكلوا لها اذرعا عرفت باسم اللجان الشعبية و القوات الضاربة التي انطوى فيها عدد كبير من الشباب الثائر و النساء الماجدات و قد اخذت على عاتقها تسيير الحياة اليومية للناس و كذلك امور الانتفاضة وفق خطة كفاحية ممنهجة تلتزم بها بمسؤولية عالية بما يتضمنه البيان الذي كان يصدر عن تلك القيادة مطلع كل شهر و لم يغب عن المشاركة في الفعل اليومي للانتفاضة اي فئة  كيف لا و قد شاركت النساء الى جانب الرجال و الشباب و الفتية و الاطفال و العمال و الفلاحين و المهنيين فالكل مارس دوره بطريقة ابداعية خلاقة حظيت بتأييد عالمي واسع و قد شهدت عواصم عربية و عالمية مسيرات الدعم و التأييد لها و دوى صدى الانتفاضة فأصبحت اسما معروفا في القاموس السياسي العالمي غير قابل للترجمة و بهذه التسمية أعادت الاعتبار للهوية الكفاحية الفلسطينية .
إن الانتفاضة الشعبية التي استمرت لست سنوات متواصلة تجلى خلالها الوجه الحقيقي للإنسان الفلسطيني التواق للحرية الرافض للذل و الهوان فمضت و حققت العديد من الإنجازات العظيمة على مختلف الاصعدة  فاستطاعت إعادة تفعيل القضية الفلسطينية في المحافل الدولية و تسليط الضوء على معاناة شعبنا من عنصرية و فاشية الاحتلال إضافة إلى أنها بددت وهم الاحتلال بأن شعبنا قد قبل التدجين و الاحتواء و قطعت الطريق أمام سياساته الخبيثة بأنه استطاع مسح القضية من ذاكرة الشعب الفلسطيني و تحديدا شبابه المنتفض كذلك جسدت حالة متعاظمة من التماسك و التعاضد و التكافل الاجتماعي بين مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني و ساهمت الانتفاضة بشكل كبير في ارباك الحسابات السياسية و الامنية في دولة الاحتلال الذي وقف عاجزا امام الشعب الفلسطيني المنتفض من رفح حتى جنين و في ارجاء المعمورة فلم تفلح فاشيته و عنصريته  التي انتهجها بسياسة تكسير العظام في ثني زنود الشباب عن مواصلة الفعل الكفاحي اليومي و لا الزج بالآلاف منهم في سجونه و معتقلاته و عزلهم في صحراء النقب و لا سياسة القمع و القتل و التنكيل و منع التجول و العقاب الجماعي بإحكام الاغلاق على الضفة و غزة و محاولة عزلهما عن العالم و قد أثبتت الانتفاضة بهذا التحدي أن الكف تلاطم المخرز و تستطيع كسره .
و هنا لابد بل من الضرورة التوقف عند أهمية الثقافة التي انتجتها الانتفاضة و الاستفادة منها بتعميمها في الجامعات و المدارس و في كل تجمع من التجمعات الفلسطينية لاسيما الشبابية .
و اليوم تأتي هذه الذكرى في أوج المخاطر التي تهدد قضيتنا العادلة بمحاولة شطبها و خلق الحلول المجتزأة و المنقوصة و ما علينا إلا استقاء الدروس من تجربة الانتفاضة التي لم تحقق خلاصا كاملا من الاحتلال بل انها اماطت اللثام عن وجهه العدواني الاجرامي و تحدت تعسفه و عنجهيته و اظهرت قدرة الشعب الفلسطيني على المواجهة لانتزاع حقوقه المشروعة ؛ علينا استقاء التجارب في العديد من المستويات أولها كيفية التلاحم الوحدوي في وحدة وطنية كفاحية و القدرة على تعزيز الصمود الوطني كي نستطيع استنهاض طاقات الجماهير لتأخذ زمام المبادرة من جديد لمواجهة تلك المخاطر سيما و أن حال الاحتلال لم يتغير بل ازداد امعانا و شراسة و اجراما و عدوانية على شعبنا و أرضنا و أسرانا ،  و مع تلك النجاحات التي حققتها الانتفاضة كيف لنا ان نجدد تلك التجربة النضالية كأحد ابرز وسائل المقاومة الشعبية و الجماهيرية آخذين بالاعتبار التحولات و التغيرات على كافة الاصعدة .
إن الوفاء للتضحيات الجسام التي قدمها شعبنا على مدار سنوات الانتفاضة يجب أن يتجسد في استعادة جادة للوحدة الوطنية و السعي الحثيث لتحقيقها فتجربة العمل الموحد أثبتت قدرة كبيرة على تحقيق الانجازات إضافة لأهمية تضمين الموروث الثقافي الذي أنتجته الانتفاضة للمنهاج الوطني الفلسطيني و عدم الاكتفاء بإحياء المناسبة مرة في كل عام ؛ بل كيفية غرس تلك الثقافة الوطنية في النشء و الأجيال الصاعدة ، و التركيز على أهمية الحاجة للدعم و التأييد الدولي لنضالنا المشروع لاسترداد حقوقنا
فلم تكن الانتفاضة الشعبية انتفاضة الحجارة نهاية المطاف ؛ بل أنها واحدة من أبرز المحطات النضالية التي صنعتها الإرادة الشعبية الباسلة لتحقيق الانتصار على الاحتلال و الخلاص منه و تحقيق حرية و استقلال شعبنا .