فدائي عتيق بقلم: مهند طلال الاخرس
تاريخ النشر : 2019-12-08
فدائي عتيق
بقلم مهند طلال الاخرس

اسم جميل لكتاب يتحدث عن سيرة فدائي من الزمن الجميل وهو يمثل الجزء الاول من سيرة المناضل عدنان ابو عياش او ماعرفناه باسمه الحركي عباس الاقاليم.

والكتاب بقلم زوجته ورفيقة دربه الكاتبة النشطة اسماء ناصر ابو عياش، والكتاب من الحجم المتوسط ويقع على متن ١٥٧ صفحة. والكتاب بدون دار نشر ويطلب من المؤلف مباشرة على الهاتف ٠٧٩٦٧٤٨١٦٠ وكون الكتاب بدون دار نشر وبطباعة مباشرة من السيدة الفاضلة ابو عياش فهو يشي بوجع كبير وصلنا اليه منذ فترة طويلة ومازال يسري ويتمدد حتى اصبح كالغول يطارد كل شيء جميل، وكأن هناك نهج وسلوك متعمد يحاول جاهدا ان يطمس كل شيء جميل فينا، وكأن من عاشوا على الهامش في طريق هذه الثورة والمستجدين منهم لايرون انفسهم إلا بتقزيم كل اؤلئك الذين صنعوا الزمن الجميل زمن الفدائي الذي صنع من الضياع والتشريد افقا وهوية، وبندقية ايضا، اوصلت صوتنا لآخر الدنيا واسمعت كلماتنا من كان به صمم.

معنى ان تقوم الكاتبة وهي نفسها الزوجة والرفيقة بطباعة الكتاب بهذا الشكل وبهذه الطريقة ما يفيد بانها تكفلت بنفقات الكتاب شخصيا وبأنها تركت وحيدة تحاول لملمة ذكرياتها المبعثرة في ساحات النضال والتي هي جزء من ذاكرتنا الجمعية محاولة جهدها كي لا نفقد الحكاية وكي لا يطوي سطورها النسيان، واعتقد انها تدرك هي ونحن كذلك ان هناك فعلا من يحاول جاهدا ان يطمس هذا التاريخ ويتركنا عرضة للتيه والنسيان، لكن عبثا يحاولون ...

الحديث عن الكتاب وفحواه لا ينفك عن الحديث عن الطريقة التي خرج وطبع بها الكتاب، فمعنى ان يترك ويهمش الشهداء والاسرى والقادة التاريخيين والكوادر الاوائل المؤسسين ومن ثم يتم اقصائهم او عزلهم او ابعادهم او تغييبهم، هذا كله لا يستقيم وفكرة اننا نحرر وطنا ونبني مؤسسات دولة ..

اين تلك المؤسسات واين تلك الدولة الموعودة التي صرف عدنان ابو عياش ورفاقه الانقياء الاتقياء اعمارهم لتعلوا راياتها ومداميكها، الا يعلم هؤلاء بان عدنان وامثاله لو انصرفوا الى طموحهم الشخصي لبنوا لانفسهم ولابنائهم من بعدهم امبراطوريات مالية ومشاريع شخصية عملاقة، ولكانت حينها كفيلة بأن تبقى سيرتهم على كل الالسن بالثناء ويلهج لها الجميع بالدعاء، لكن عدنان ورفاقه تنازلوا بصدر رحب عن ذلك الطموح وباعوا ارواحهم رخيصة فداءً لقضية اكبر هي قضية الحرية وامثال هؤلاء لا يعرفوا إلا ان يكونوا عبيدا وخارج سطور التاريخ.

عدنان وامثاله يعرفون جيدا دورهم في التاريخ، فهم صُنّاعه وهم حروفه ومن دمائهم واعمارهم يستقي التاريخ قلمه ومداده...

هناك حكمة قديمة تقول :" إن الوفاء للأسلاف لا يعني الحفاظ على رمادهم، وإنما حفظ اللّهب الذي أشعلوه وتوريثه شعالا متقدا وبكل الق إلى الأجيال المتلاحقة".

وفي هذا الصدد يقول مالكوم اكس:"لن يعرف احد ماهي هويتنا إذا لم نعرفها نحن، واذا لم نعرفها بقينا حيث نحن" .

وعند العودة لمضمون الكتاب نجده يتحدث بلسان راوي واحد واوحد، حيث قامت الكاتبة بهذا الدور بسلاسة وبلغة بسيطة بعيدة عن التكلف والتعقيد. يبدأ الكتاب بمقدمة جميلة لنبيل عمرو كان اجمل مافيها:"حواراتي معه ونحن على ارض الوطن وعلى مدى زمن طويل شهدنا فيه بداية تحقق الحلم ثم نهايته، كانت من النوع الغريب وربما الغير منطقي. لم اكن راغبا في ان يقتنع بما اقول، كنا نخلص الى قول عبارة ختامية لحواراتنا الممتدة، يا عدنان احتفظ بمبادئك فنحن بحاجة لها، وكان يقول لي واصل حساباتك فقد تفلح اخيرا، كنا رغم التناقض في منهج التفكير نتحد في الجذر الذي كان واحداً".

الكتاب يتحدث عن المولد والنشاة والتربية والدراسة لابوعياش ويتطرق لعائلته وجذورها، ويتطرق لتجربة الدراسة في المانيا باقتضاب ومن ثم يتحدث بشيء من التوسع عن الدورية العسكرية لمجموعة المانيا، ولا تغفل الكاتبة عن ذكر اسماء ورفاق درب ابو عياش عبر مسيرته الطويلة والممتدة في كل الساحات في فلسطين والاردن وسوريا ولبنان وتونس والمانيا واوروبا..

ولان الكاتبة استشعرت حجم الظلم الذي لحق بزوجها فقد اثرت فرد صفحات كثيرة من كتابها على لسان الحج غازي عبد القادر الحسيني وهو رفيق درب ابو عياش في اول دورية عسكرية الى الارض المحتلة، حتى ان الكاتبة ولشعورها بحجم الظلم الواقع على زوجها فقد سمحت للحج ابو منصور بالتمدد كيفما شاء بالحديث وعلى لسانه ولم تكتفي الكاتبة بذلك وحسب بل توسعت اكثر من ذلك وذهبت للحديث عن الحج غازي الحسيني واسرته وحتى عن نضال والده المجاهد الكبير عبد القادر الحسيني وزوجته وجيه وبحيث تحدثت عن نفيه وابعاده وظروف حياته...

الكاتبة وبكل التقدير عملت جهدها في هذا الكتاب، لكن ولطبيعة عمل ابو عياش التنظيمية والصامتة فقد علمت شيء وغابت عنها اشياء، وهذا ما كان يردده ابو عياش دائما:" مش كل اشي بينحكى" لكن ومع مضي الايام ونضوج التجارب اعتقد ان من الحري بنا وبكل مناضلينا الاوائل ان يعيدوا النظر بتلك القاعدة او على الاقل يستودعوا حكاياتهم واسرارهم لدى المقربين والغيورين او ابنائهم، المهم ان لا تضيع الحكاية..

قد لا يستقيم الامر وختم الحديث عن ابو عياش وهذا الكتاب دون ذكر تلك القصة الجميلة الواردة على الصفحة ١٥٥ من الكتاب:" كان عدنان عند عودته للوطن مسؤولا عن وزارة الاسكان والاراضي في السلطة الفلسطينية، وفي احد المرات كان لابد لعدنان من لقاء وفد اسرائيلي من ضباط الاحتلال والادارة المدنية لحل كثير من الاشكالات العالقة بخصوص الاراضي، تسلم عدنان زمام الحديث وقال للضابط الاسرائيلي مسؤول الوفد: احتل الرومان فلسطين،خرج الرومان وظلت فلسطين. واحتل الصليبيون فلسطين، وخرج الصليبيون وظلت فلسطين، وحكم العثمانيون فلسطين وخرجوا وظلت فلسطين، ثم احتلتها بريطانيا وجلت وظلت فلسطين، وجاء احتلالكم وسترحلون وتبقى فلسطين" ، طبعا غادر الضابط الاجتماع غاضبا وذهب بعض الوشاة والمداهنين الى ابو عمار واخبروه ان عدنان ابو عياش هو من تسبب بافشال الاجتماع. لاحقا استدعى ابو عمار عدنان ابو عياش وقال له بالحرف الواحد:"بنعتز فيك".

قالوا في قديم الزمان في المواقف تظهر معادن الرجال، وهذه حكاية واقعية بسيطة تلخص وتُعرف من هو عدنان ابو عياش او عباس الاقاليم، وهكذا هو عدنان اعتقادا وسلوكا ونهجا وطريقا..لروحك ايها الفدائي العتيق الرحمة ولذكراك البقاء ...