الجوكر الفلسطيني بقلم:رامي مهداوي
تاريخ النشر : 2019-12-02
الجوكر الفلسطيني بقلم:رامي مهداوي


كثيرة هي المواضيع التي تتصارع داخل عقلي للكتابة عنها، وهذا دليل على كمية وتنوع القضايا الفلسطينية التي نواجهها كشعب، لكن بعد مشاهدتي فيلما هو الأكثر إثارة للجدل هذا العام الجوكر «Joker»، من بطولة خواكين فينيكس وإخراج تود فيليبس، قررت أن أكتب عنه مباشرة دون تردد، ما جعلني أشاهده ثلاث مرات بأوقات متفرقة.
يصل فيلم الجوكر إلى دور السينما وسط الكثير من الجدل والقلق حول احتمال العنف المقلد، وهذا ما حدث في السابق مع نسخة فيلم الجوكر الماضية، إلى حد أن النقاش قد طغى على الفيلم نفسه إلى حد كبير. كان من الرائع مشاهدة النقاش الدائر حول تحول الفيلم من «هل نحتاج حقًا إلى قصة «Joker» أخرى بعد فترة وجيزة من الانتحار؟» إلى «هل «Joker» مليء بالأفكار الخطيرة التي ستحفز أسوأ معجبيه على القتل؟».
المخاوف الأولية حول «Joker» تفترض أن الفيلم سيكون غير ضروري، وتأثيره لا يكاد يذكر. الأسئلة الحالية تنسب إليها أهمية كبيرة، كما لو أنها قد تحرض على فوضى كاملة من قبل القائمة فقط.
استشعرت من الفيلم بأنه، كالمعتاد، في حالة قفز الناس إلى أقصى الحدود، لكن الحقيقة في مكان ما في المنتصف قد يجعل «الجوكر» وبعض الأشخاص الذين يشعرون بالتهميش يشعرون برؤية أكثر قوة وأكثر دافعية، وقد يتصرفون استجابة لذلك. وهذا ربما ما جعلني أكتب بالتحديد عن الفيلم اذا ما أسقطناه على حالتنا الفلسطينية ضمن مفهوم أن العالم أصبح قرية صغيرة.
أصبح الفلسطيني يعيش حالة الحب والكراهية في ذات الوقت، نؤمن بقضيتنا ونكفر بها وبمن أوصلنا لهذا الحال، أصبح كل فرد منا عبارة عن جوكر، كلٌ حسب مربعه أو دائرته التي وضع نفسه بها، أصبح المشهد الفلسطيني عبارة عن ذات فيلم الجوكر، الفيلم الذي يدور حول الخيال المغري للاضطهاد والراحة، واحتضان العدمية كوسيلة للهروب الكامل من عالم رهيب نعيشه حالياً في جميع جوانب الحياة الفلسطينية.
الجوكر الفلسطيني يعيش خيالاً للشفقة بالنفس، أصبحنا نصور العالم على أنه مكان مظلم كاريكاتوري غامق وغير مهذب، يتركنا نتعذب يومياً من الاحتلال الإسرائيلي، منتهكاً بشكل علني حقوق الإنسان، لكن العالم ينظر إلينا كأننا كرنفال كوميدي يكاد يكون فيه البطل لا يجد تلميحاً من الراحة أو الارتياح.
المشكلة هي أننا «الجوكر» أصبح حالنا محزناً لدرجة لا توصف. وهذا هو حال بطل الفيلم أصبح محرجاً بشكل مؤلم، وهو نوع من الأشخاص غير المؤهلين الذين يعانون من عدم الكفاءة الاجتماعية ويخجلون من الملأ في الأماكن العامة، لأن سلوكه الخاطئ يشعر بأنه قد يصبح خطيراً - أو على الأقل غير مريح بالنسبة لهم، وهذا هو حالنا لمن يشاهدنا من الخارج، الكثيرون يتخلون عنّا وما زلنا  ننتظر التصفيق منهم لنَصِف تصفيقهم بالإنجاز الدبلوماسي!!
أصبح «الجوكر» الفلسطيني أينما كان يبحث فقط عن التعاطف ...لا شيء سوى التعاطف معنا بالتصفيق والدولارات والخطابات في المؤتمرات الدولية واكتفينا بهذا الحد!! فكان ما أردنا من السهل على المشاهدين أن يتعاطفوا مع رغبتنا في أن يكونوا محبوبين، دون أن يحبونا بالضرورة!! برأيي أهم مقولة في الفيلم عندما يقول إنه يشعر بأنه غير مرئي؟!! هل هذا هو حالنا داخلياً كشعب؟؟ هل هكذا ينظر لنا من هم بعيدون عن القضية الفلسطينية بدافع اللامبالاة أو الانزعاج أو التعاطف في بعض الأحيان.
هذا التوتر بين التعاطف والاشمئزاز هو واحد من أكثر الأشياء صدقًا في فيلم الجوكر، والتي غالباً ما تخرج عن طريق جعل العالم مروعًا، علينا إذاً أن نتعاطف أولاً وأخيراً مع ذاتنا الفلسطينية بأسرع وقت وأن نحارب ظاهرة السوداوية والاشمئزاز... قبل أن نثور على ذاتنا وتعم الفوضى التي لا نتمناها.
للتواصل:
 [email protected]