خيبة النخبة في أربعون دقيقة بقلم:أ‌.رامي أبو زبيدة
تاريخ النشر : 2019-12-02
بعد أن شاهدت ما كشفته قناة الجزيرة في برنامج "ما خفي أعظم" للإعلامي الناجح تامر المسحال من صور وأدلة حصرية كشف النقاب عنها لأول مرة، تتعلق بتفاصيل عملية التسلل التي قامت بها الوحدة الإسرائيلية الخاصة سيرت متكال قبل عام في غزة، توضحت أمامنا بعضاً من ملامح حرب الاستخبارات المحتدمة بين المقاومة والاحتلال على أوسع نطاق، وأن شبكة اتصالات المقاومة بما تعنيه من معلومات هامة والخطط والقرارات الاستراتيجية وخطة الحرب والعمليات أصابت الاحتلال بعمى استخباري، بل تبين أن هذه الحرب الخفية هي الأساس والمنطلق لأي حرب أخرى، بل وأبعد من ذلك، فإن (إسرائيل) ترمي بكل ثقلها الاستخباري التجسسي ضد المقاومة في غزة، لغايات التحضير لعدوان واسع النطاق تحسم فيه (إسرائيل) حربها مرة واحدة وإلى الأبد كما يخططون.

أربعون دقيقة كشفت خيبة وهشاشة الاستخبارات الإسرائيلية عمليا وميدانيا في قطاع غزة أثناء عملية حد السيف وما بعدها، بسبب إخفاق عملياتي في إعداد وتنفيذ العملية، بالإضافة إلى السلوك التكتيكي الخاطئ على الأرض، وأظهر برنامج الجزيرة كيف أصيبت (إسرائيل) بجنرالاتها ومحلليها وكبار باحثيها بالذهول، ولم يستفيقوا من هول الخيبة الإسرائيلية بعد.

أوضحت الأربعون دقيقة قدرة القسام على التعامل مع مخططات العدو والتهديد الأمني بشكل فوري سواء في العمل العسكري الميداني أو الاستخباري والأمني، من خلال تقدير سريع ودقيق للموقف ولنوع الخطر والهدف ولمنع العدو من الإفلات أو من ارتكاب جريمته، شرق خان يونس قبل عام، حيث اعتمدت وحدة المتكال على مجموعات صغيرة للتسلل داخل الكثافة السكانية وذات طبيعة مناسبة لمسرح العملية وذات تخصصات معينة للتعايش داخل مكان التنفيذ، ثم الذوبان بين أهالي القطاع، حتى اتخذت قيادة القسام قرارا بالرد بعد إفشال القوة الإسرائيلية الخاصة وقتل قائدها وأعطى القائد العام إشارة بدء التنفيذ باستهداف هدف مأهول.

من خلال مسرح العمليات الذي مرغ فيه نور بركة ورفاقه هيبة وأنف نخبة النخبة في الاستخبارات الإسرائيلية السيرت متكال بدأ القسام نشاطه الاستخباري بقصد البحث عن كل آثر خلفته وحدة النخبة في مسرح العمليات والتي تعد بمثابة الشاهد الصامت، وسارت بخطوات متسلسلة هي المراقبة الأمنية والعمليات والتحقيق والتغذية العكسية والإحكام.

واتخذت المقاومة عبر أجهزتها المتنوعة العسكرية والأمنية كافة إجراءات الأمن الاحترازي كالسيطرة السريعة المفاجئة والتفتيش وغلق المناطق والتدقيق والأمن المعلوماتي ومداهمة الأوكار والاعتقال، فكلها إجراءات أمنية وعمليات تمت للسيطرة على الميدان وإفشال خطط العدو، ورصد نشاط شبكات التجسس ومقدمي خدمة العمليات الاستخبارية للوحدات الخاصة، فحصلت على منظومة تجسس متطورة زرعت على خط الاتصال السري للقسام بالزوايدة.

واكتشفت القسام العديد من أدوات ووسائل العدو الاستخبارية في قطاع غزة، فاستطاع مهندسوها اختراق وحدة سرييت متكال الصهيونية والولوج لمعلوماتها الخاصة، وواصلت العمل المستمر برفقة أجهزة الأمن على تحجيم وضرب قدرات العدو، كل ذلك يرجع لتميز استخبارات المقاومة وأجهزتها الفنية التي تتشكل بصورة تتلاءم مع متطلباتها كفصائل مقاومة.

كل ذلك تم ضمن صمت استخباري للمقاومة لتحقيق معادلة الموازنة بين المهم والأهم، وهي مهمة دقيقة للغاية وتتطلب ضبط الأعصاب ودقة التقييم، وتفكيك شيفرا وخيوط العملية وإنتاج المعلومة الاستخبارية الموجهة للعدو لإرباكه والتدليس عليه وإيهامه وفضحه وكسر هيبته، وتحصين الحاضنة الشعبية، عملية حد السيف برهنت على براعة عقول القسام الاستخبارية وتمتعها بقدرات واسعة ومعرفة بعلم النفس وطبيعة العدو الداخلية.

إن فضح وكشف القوات الخاصة الصهيونية وما تبع ذلك من جهد أمني من شأنه تقويض الشبكات الإسرائيلية التي كانت تجمع المعلومات عن المقاومة، ومما لا شك فيه ان خسارة هذا الكنز الاستخباراتي سيجعل من الصعب على إسرائيل التعامل مع ما تعده المقاومة من خطط وجهد عسكري ضدها في الداخل والخارج، وفق ما تكشف عنه في عملية حد السيف من فشل وإخفاق استخباري إسرائيلي، قاد القسام إلى تحقيق إنجازات ونجاحات متعددة على غير صعيد، وكان من أهم ما فجره البرنامج كشفه النقاب عن ذلك السر الأمني الكبير المتعلق بنجاح القسام في التسلل إلى أجهزة العدو الإلكترونية، والتقاط موجات وسحب معلومات واتصالات الوحدة الخاصة .

إن الافصاح المتقن والموجه – كما أريد توظيفه من القسام- خلال الأربعين دقيقة لا يندرج في سياق الاستهلاك الكلامي والخطابي والشعاري، وإنما هو فن من فنون الحرب التي بات القسام يتقنه باقتدار وله فيه مآرب عديدة، وينشد غير غاية ووجهة، ليس الردع إلا واحدة منها، البرنامج باغت العدو من خلال الكشف عن نقاط ضعفه وبعض أسراره، وكذلك القول لقيادة العدو إننا قادرون عن كشف مخططاتك وإفشالها ومنعك من مباغتتنا، ولمح للحجم الكبير من المعلومات المؤكدة التي حازتها القسام عن العدو ونواياه مما يمكنها من إحباط مخططاته ومن أجل تحديد الوضع والزمان والمكان المناسبين لمباغتته بما لا يتوقعه.

في إطار هذا التفوق الاستخباري للمقاومة، وفي إطار خيبة النخبة الإسرائيلية، سيتجدد تساؤل الإسرائيليون: كيف حدث ذلك؟ ولماذا لم تنجز نخبة النخبة مهماتها؟ ما العمل مع القسام الذي تحول إلى تهديد رادع لـ"إسرائيل"؟

ما العمل مع مقاومة باتت تحظى بمصداقية لا نظير لها شعبياً، بل وإسرائيليا إلى حد كبير؟ كيف يمكن التخلص من المقاومة؟ وغير ذلك من الأسئلة الكبيرة التي ستبقى تقض مضاجع المؤسسة العسكرية الأمنية الاستخبارية والسياسية الإسرائيلية.