رواية الأزهري والجماعة (5)بقلم:سيد سليم
تاريخ النشر : 2019-12-02
رواية الأزهري والجماعة (5)بقلم:سيد سليم


15

وساطة للصلح والحوار

تمت قطيعة طويلة بيني وبينهم منذ رفضهم الاعتذار العلني ورفضي قبول اعتذارهم السري، وقد علم بما وقعوا فيه من مأزق الشقيق الأكبر لأحدهم ـ من سكان القاهرة، وهو ضمن مدرستهم ويمثل حضوره لبعض المناسبات وزيارة الأهل نوعا من الدعم المعنوي لهم ـ وعندما قابلني لم يكلمني مباشرة إنما رحب بي كثيراً وقال: إن الإخوة يثنون عليك وعلي علمك وعلى مواقفك خيراً (يقصد بعض المواقف التي كانت تعجبهم) وقد كلم هذا الضيف القاهري قاهرياً مثله صديقا له من أهلي وأقاربي؛ فحدثني قريبي بشأنهم فوجد مني غلظة عليهم بسبب أنهم كذبة وقلت له: إن المؤمن لا يكذب، كما ورد في الحديث الشريف وفي ذات ليلة مررت على قريبي الضيف ـ الذي هو عضو هام في جماعة أنصار السنة ـ قبل صلاة العشاء وفوجئت منه ومن قريب ثانٍ يمسكان بي ويقسمان أن أصلي معهم في آخر مسجد قد أستولوا عليه بعد رفضهم وطردهم من الجميع وقبلت الذهاب معهما على مضض وخاصة أن أحد قريبَيّ يكبرني سناً وقلت سأذهب مكرهاً ورجاني ألا أنفعل عند لقائي بهم وفعلاً ذهبت وفى نيتي عدم الانفعال وبعد الصلاة التقينا خارج المسجد وتصافحنا وتحدث القاهري الوسيط والقاهري قريبي وقال القاهري الوسيط: يا أخ سيد الأخوة أسمعوني عنك كل خير إلا أنك تقف ضدهم، فقلت إن إخوتك هؤلاء لي عندهم سؤال ويجب أن يجيبوا بصراحة ووضوح، فقال: تفضل واسألهم فقلت: من الذي أشاع عنى كذبا أنى قد طلبت من العمدة الإبلاغ عنهم؟ وأنا مستعد الآن أن نذهب جميعا إلى العمدة؛ لتعرف ويعرفوا ما حدث في لقائي به وإلا فهم كذبة جميعاً بصفتهم مشاركين وساكتين عن هذا الكاذب وأردت بذلك أن أحرجهم أمام هذا القاهري أستاذهم فإذا بأحد الكذبة المصرين منهم يقول: إننا قد رأيناك جالساً عند العمدة فقلت: عجبا لكم ولتدينكم وسوء ظنكم وعدم تبينكم، ثم سألت: هل كل من يجلس عند العمدة يصير مبلغا عنكم؟! ثم إن العمدة كان يعلم بتصرفاتكم منذ فترة وهو الذي أرسل إلينا شيخ الخفراء لردكم عما أنتم فيه من إثارة المشاكل في المساجد ونصحناكم كثيرا، ويعلم الله إنني طلبت من العمدة عكس ما اتهمتموني به! وهل ظنكم هذا يعتمد على أكثر من كونه ظناً كاذباً؟ وشتمت قائلاً: إننيسأأأ آسف أن لبيت دعوة الضيفين لأجل سماع عيال كذابين وانصرفت غضبا، فأقسم الضيفان أن أعود بعد أن لحقا بي، وعدت وقد أُلجِموا وأُلجم الكاذب. وبدأ الثناء على شخصي من أغلبهم ثم انتهت الجلسة على أن أصلي معهم العصر في اليوم التالي في المسجد نفسه. وقلبت ذلك بعد إلحاح وإقناع من قريبَيَ والضيف، وقالوا هم إخوتك يريدون محاورتك وقلنا جميعاً ـ إن شاء الله تعالى ـ وقالوا نريد محاورتك عن الجمعية الخيرية وبعض كتب النادي الثقافي وأسلوب إمام مسجد سيدي جلال الدين السيوطي العنيف ضدناـ هو شيخنا وأستاذنا جميعا وأحد أهم شيوخ الأوقاف في المحافظة ـ فقلت وأنا على أتم الاستعداد لكم.

16

انتقاداتهم لنا وللكتب

بتوفيق من الله تعالي صليت معهم العصر وكان أميرهم المصري موجودا وبعد الصلاة افتتح الجلسة طالبا أن يعرض الأخوة مطالبهم وما يريدون مناقشتي فيه فقلت: أود أن أعرفكم بأنني أتحدث في كل ما طلبتم وسأتحدث نيابة عن الجمعية الخيرية والنادي الثقافي وحتى عن إمام مسجد سيدي جلال ـ وكنت قد طلبت من رئيس مجلس الجمعية الحضور فأعتذر نظراً ليأسه منهم وقال لي فيك البركة ـ وقلت أعرضوا ما شئتم، فقال أحدهم: يا أخ سيد أنت تدخن السجائر ورئيس الجمعية يدخن الشيشة، فقلت: هذه ذنوبنا الخاصة نسأل الله أن يغفر لنا ويتوب علينا منها، فقالوا: الشيخ محمد سالم عنيف في حواره معنا، فقلت: أنتم تستفزون الشيخ وهو أستاذنا جميعاً وأعدكم بأنه سيعاملكم كأبناء وتلاميذ إذا أحسنتم النقاش معه وسأطلب منه اللين معكم ـ إن شاء الله تعالي ـ فقالوا: يا أخ سيد إن النادي الثقافي فيه بعض الكتب المخالفة للشريعة الإسلامية، فقلت: الكتب عبارة عن فكر وكل كتاب يحمل فكر صاحبه ولابد أن نقرأ كل الأفكار لنستبين الخبيث من الطيب والغث من السمين والطالح من الصالح وكل كتاب بَشَرِي يمكن أن يكون فيه الخطأ والصواب وعلى العموم إذا لم يعجبكم كتاب فاكتبوا لي تقريراً عنه وعن المواضع التي لا تروق لكم فيه ورقم الصفحات ووجهة نظركم وأنا مستعد لمناقشتكم في كل ذلك، فقال أحدهم: يا أخ سيد أنت صوفي فقلت: إنني أتمني أن أكون صوفياً، وأنا صوفي حباً وعلماً ولا أستطيع القول بأني صوفي سلوكا، فسلوك هؤلاء السادة أكبر من إمكانياتي بكثير، وما التصوف إلا تأديب النفس والرقي بها لتصير ملائكية روحية، والصوفية هم من أهل السنة والجماعة بل هم من سادتهم كالأئمة: الرفاعي والجيلاني والجنيد والعز بن عبد السلام قديما، والإمام الأكبر الأسبق شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود والدكتور أبو فرحة والإمام الشعراوي وغيرهم من أعلام عصرنا حديثاً، فقال كبيرهم: يجب أن نزن الرجال بميزان الإسلام ولا نزن الإسلام بميزان الرجال، فقلت: هذا حق وهل علمتم عن أحد من هؤلاء مروقا عن الإسلام أو خروجاً عن قواعده فسكتوا.

17

وقلت لهم مذكِّراً: إني (أعلم الغيب)!

وبعد صمت وحوارات جانبية بسيطة قلت: أظنكم قد قلتم ما عندكم وأجبت بما عندي وقبل انصرافنا أريد أن أسألكم سؤالاً: فقالوا تفضل. فقلت: ما رأيكم في أني أعلم الغيب؟!

فسكتوا مبهورين فقلت: يا فلان أنت وفلان وفلان ويا كل شهود المواقف السابقة أ لم أقل لكم منذ أكثر من عامين: إن أميركم السابق في قلبه زيغ وأقسمت لكم بالله على ذلك وقلت لكم: إنكم إن اتبعتموه، فلن تفلحوا إذن أبدا ثلاث مرات؟! ومنذ أيام جئتموني وأخبرتموني بأن الأمير صار لا يمثلكم وتم إبعاده، قالوا حدث هذا فقلت: إذن يجب أن تسمعوا كلامنا ويجب أن تفهموا جيداً إنني ما قصدت بقولي: (أعلم الغيب) حقيقة الغيب وإنما أردت أن أخاطبكم بأسلوبكم الظاهري فأنا قد أقسمت لكم على فشلكم إذا اتبعتم الأمير ذا القلب الزائغ الذي يتبع المتشابه، وهذا حكم الله الذي جعلني أتوقع هذا في الأمير ثم إنه من فضل الله عليَّ أن رزقني الصدق في فراستي لدرجة أنني أشم من كلام الزائغين رائحة ما يخفون وأرى في سيماهم وملامحهم ما تسكت عنه ألسنتهم وإلا فما الذي جعلني أقسم بالله على زيغ هذا الأمير المفصول الذي كنتم تقدسونه وقت قسمي منذ سنتين ويتحقق ما أقسمت عليه، وعلى أيديكم ومن ألسنتكم، وبعد حديثي اختتم كبيرهم الجلسة على ما اتفقنا عليه من مناقشة لموضوع الكتب التي لا تروقهم ومن عدم تعنيف أستاذنا الإمام المحاضر في الندوات وعدم تعرضي لهم وعدم تعرضهم للجمعية ومؤسساتها الثقافية وإثباتاً لحسن النية منهم وعدوني أن يصلوا معنا عصر الغد في مسجد الجمعية الخيرية وانصرفنا على هذا الاتفاق وفى نفس الليلة أبلغت رئيس مجلس الجمعية بما دار بيننا وموعد صلاتهم لعصر اليوم التالي معنا وبالفعل حضروا لصلاة العصر ولم يجدوا أحدا منا؛ لأني تأخرت فصليت العصر في الطريق معتمدا على وجود زميلي قريباً من المكان وبدوره أعتمد على حضوري فالتقينا في الجمعية متأخرين وكانوا هم قد صلوا ولما لم يجدوا أحدا انصرفوا، فقلت للزميل لابد أن نذهب إلي بيت الكبير تأديباً لنا على تأخرنا، وبالفعل ذهبنا إلى هناك وأمام منزله سمعنا أخاه وهم مقبلون نحونا يشتم وأردت الرد فطلب مني الزميل أن أصبر ودخلنا بيت الكبير ودار بيننا حوار كان حادا من ناحيتي بسبب أسلوب وهمز أخيه التائب الملتحي حديثا وعاد الهدوء إلى الحوار وقد وثقنا بهذا اللقاء ما تم الاتفاق بيني وبينهم في اليوم السابق وصار ذلك عهداً بيننا على أنهم إذا رأوا منا أو سمعوا عنا ما يمثل إهانة لهم أسرعوا بإبلاغنا وإذا حدث منهم شيء أبلغناهم وقد اختاروا أحد مثقفيهم ليكون وسيطاً بيننا وبينهم.


لم يمر على هذا الحوار والاتفاق سوي وقت قليل وإذا بوسيطهم مندوبهم يأتي إليَّ في مقر عملي ويبلغني بأن العهد بيننا وبينهم تم فسخه وهم في حل منه فقلت له: ما السبب وماذا حدث؟ فقال لي لا أعرف فقلت له: كيف وأنت أحد القيادات المثقفة! قال: إن الإخوة طلبوا مني أن أبلغكم ذلك فسألت الزميل هل حدث منك أي شيء يمسهم قال لا، قلت ولا أنا، وفكرت كثيرا ماذا حدث! وقلت لعل الحدث هو الفتوى التي أفتاها أستاذنا الشيخ الإمام في إحدى الندوات عن ختم الصلاة جهرا مما لا تتناسب مع أهوائهم، وكنت أتمنى مناقشة الشيخ ومناقشتنا حسب الاتفاق وانتظار الرد منا، ولكن كل ذلك لم يكن.
الكاتب والداعية الأزهري
سيد سليم