انفجر الشعب اللبناني.. فهل هبت رياح التغيير؟ بقلم:عبد معروف
تاريخ النشر : 2019-12-02
انفجر الشعب اللبناني.. فهل هبت رياح التغيير؟ بقلم:عبد معروف


انفجر الشعب اللبناني ... فهل هبت رياح التغيير؟
بيروت - عبد معروف
انفجر الشعب اللبناني غضبا ، وأعلن رفضه المطلق للطبقة السياسية الحاكمة والمسيطرة في لبنان ، بعد أن انتشر الفقر وارتفعت نسبة البطالة ، وعم النهب والفساد ، وأصبح الوطن على شفير الهاوية .
طبعا ليست هي المرة الأولى التي ينتفض فيها الشعب اللبناني في وجه السلطة السياسية والدينية والمالية التي تسيطر على مفاصل الحكم ، فقد انتفض هذا الشعب العظيم خلال السنوات لأكثر من مرة ، معبرا عن رفضه وغضبه .
• لماذا انتفض الشعب اللبناني ؟
لقد توفر في الوضع اللبناني ، كل أسباب الثورة ، وتوفر كل ما يدفع إلى الانتفاض ، (فقر ، فساد ، بطالة ، نهب ، امتيازات ومحسوبيات)... لذلك انتفض الشعب اللبناني في خطوة نحو الثورة ، بسبب الحالة الاجتماعية المتردية التي عمت لبنان خلال العقود واستفحلت خلال السنوات القليلة الماضية ، وبسبب عجز وعدم استعداد السلطة الحاكمة بشكل جاد ، لمعالجة الأزمات المعيشية التي يتعرض لها الشعب وتراكمت مع حالة الفساد والاهمال خلال سنوات طويلة ، وصلت اليوم إلى مرحلة لم يعد فيها الشعب يحتمل المحسوبيات وسيطرت الأزلام والمحازبين و"القبضايات" ، ولم يعد يحتمل الاذلال و تقبيل يد الزعيم ومن حوله من اجل العلاج وفاتورة دواء ومقعد الدراسي وتأمين وظيفة ولقمة العيش .
انتفض الشعب اللبناني ، بعد أن وصل إلى مرحلة من التردي الاجتماعي لم يعد بمقدوره تحملها ، وإلى حالة من الفساد والتسلط لم يعد في مقدوره التعايش معها بعد أن سقطت كل الشعارات والأقنعة وانتهت مبررات الصمت .
كثيرة هي الأسباب التي قادت الشعب إلى الثورة ، وكثيرة هي الأسباب التي دفعت الشعب إلى الشارع ليعبر عن سخطه وغضبه من طبقة سياسية حاكمة منذ سنوات ، ولم تفعل شيئا ، سوى الاثراء واستغلال الموقع والفساد والرشوة والصفقات .
انتفض الشعب اللبناني لأكثر من مرة خلال السنوات القليلة ، لكن انتفاضته هذه المرة لها معالم خاصة ، تمنحها الزخم والقوة ، وتمدها بدافع الاستمرار حتى تحقيق المطالب العادلة ، بسلطة عادلة ، ووطن آمن إجتماعيا ، واقتصاديا ، ووقف النهب والفساد ، وإعادة الأموال التي نهبت من الدولة وجيوب المواطنين لسنوات طويلة .
فقد عمت الانتفاضة الشعبية اللبنانية كافة المناطق والمدن والمحافظات ، وكسرت حاجز الرهبة والخوف ، وتجاوزت الزعامات وكانت عابرة للطوائف والمذاهب التي سيطرت على عقول وثقافة المجتمع ، واستطاعت غسل دماغه لمرحلة من الزمن تحت شعارات التخويف والحماية والتوظيف ، فكان إثراء الطوائف من جيب الوطن ، ليدفع المواطن أو إبنه او حفيده ما نهبته الطائفة من حساب الوطن .
ولاشك بأن أمام هذه الانتفاضة عراقيل وعقبات ليست سهلة ، ومن راكم الفساد والنهب عقود ، لا يمكن إزالته بأيام ، كما أن سيطرة الطائفية والمذهبية التي تهمش عقول ومشاعر قطاع واسع من الشعب ، يمنع هذا القطاع من الحراك ،ليشارك في التغيير .
كما أن قوة السلطة السياسية والطائفية والمالية والقوى والتيارات التي تسيطر عليها ، قادرة على القمع والتشويه والسحق والتعسف والتخريب ، وبالتالي فإن هذه السلطة مازال في مقدورها أن تعمل من أجل إجهاض الحراك أو حرفه عن مساره ، ولديها قطاع من المثقفين والمنظرين والفلاسفة الذين باستطاعتهم تشويه الثورة.
ثالثا : إن السلطة السياسية التي استطاعت خلال السنوات الماضية تصفية دور الاحزاب وعملت على تعهير النقابات والاتحادات ، يمكن لها اليوم أن تخترق الحراك بعد أن سيطرت على عقول قطاعات واسعة من الشعب ، وجعلت السلطة قادرة على الاختراق .
رابعا : إن القوى التي كانت خلال سنوات مضت تتميز بدفاعها عن مصلحة الشعب ، وتعتقد أنها قوى النخبة التي باستطاعتها الدفاع عن مصالح الشعب اللبناني ، أصبحت اليوم ، قوى مترهلة وضعيفة وتراجع دورها ، وتعيش أزمة وحدتها وبقائها ودورها ، لم يعد بمقدورها قيادة الشعب أو التأثير في وعيه ، وبالتالي فإن الشعب أكثر ما يحتاج اليوم لبناء قيادات وقوى وأدوات تغيير ونقابات تحضيرا لتوسيع الحراك ومواصلتها باتجاه الثورة .
أمام هذا الواقع بين انتفاضة شعب وفساد سلطة وأحزاب مترهلة ، لم يبق أمام الشعب إلا الانتفاض ، وكسر جدار الخوف ، مهما كانت قدرة الطبقة السائدة على القمع والتخويف والتشويه والاختراق ، لقناعته أن الحراك اليوم هو السبيل الوحيد لوقف حالة الانهيار التي تهدد لبنان .
انفجر الشعب اللبناني غضبا ، بعد أن عم الفقر والفساد والمحسوبيات والاثرياء ، بعد أن وجد الشعب نفسه فقيرا ومعدما لا يستطيع دفع أقساط المدارس لأولاده ، ولا ثمن الدواء ، ووجد ثروة الوطن بيد طبقة فاسدة ومتحكمة ، بيد حيتان المال ، وتعيش حياتها بتحد واضح حتى لمشاعر الناس ، وبالتالي ، أصبح الشعب وجه لوجه في ميدان الصراع مع الطبقة الحاكمة ، ورغم أن إرادة الشعب هي الأقوى ، إلا أنها ليست منظمة وليس لديها واعيا موحدا ، وبالتالي فهي مهددة بمحاولات السحق والتشويه والاختراق ، ورغم عظمة الحراك الشعبي اللبناني وعدالته ، لكن وبسبب تراكم وحجم الفساد لا يمكن له تحقيق أهداف ثورة عفوية أو انتفاضة جنينية ، وبثورة لا يتجاوز عمرها أيام ، فتراكم الفساد ، يتطلب تراكم النضال والصبر والتحمل والتراكم والحماية والوعي والتنظيم وبناء الأدوات والقيادات الواعية .
لاشك بأن التشكيك بالحراك ، قائم ، وأن عدم الثقة بقدرة الشعوب وخاصة قطاع الشباب على تحقيق أحلامه أمرا ليس مستغربا ، خاصة وكما ذكرت أن القوى القادرة ، لديها القدرة على الاختراق والتشويه والسحق والتعسف والبلطجة ، هذا مع العلم ، أن الذي انتفض هو الشعب كل الشعب ، منه المتخلف والجاهل والعاقل والمتعلم والمتخصص ، والمهمش والفقير والغني ، وليس ملائكة من السماء ، هذا هو الشعب لم يشيدوا له المصانع ، ولم يدعموا الزراعة والانتاج ، الشعب الذي سلبوا قوت العيش ودفعوه إلى المخدرات والتعصب الديني والجهل ، هذا الشعب جمعته لقمة العيش وما وصلت إليه الأوضاع من فساد ونهب ، جمعهم الخوف على مركب الوطن .وقد سادت الأقوال والتخويفات حول البديل والفراغ ، ذلك نوع من التخويف والترهيب ، فالوطن يغص بالخبراء والقادة والنخب والمتخصصين الذي هم خارج قيد الطوائف والاحزاب ، وبالتالي يجب أن تكون دائما ، التمسك بالأمن والدستور واللوائح والقوانين في مرحلة انتقالية تقوم أولا على محاسبة الفاسدين وإعادة الأموال المنهوبة ووقف سيطرة الأحزاب وقوى الأمر الواقع على السلطة ومقدرات الوطن ، حتى لا يبقى المواطن يقبل أيادي القبضايات والمسؤولين والنواب والوزراء لتأمين لقمة العيش أو وظيفة أو دواء او استشفاء .
بالنهاية ، لابد من القول ، ان هذا العصر هو عصر الشعوب ، بعد أن فشلت السلطة السياسية والدينية وحيتان المال من إدارة البلاد ، هذا عصر الشعوب ، بعد أن أفقرت الشعوب ونهبت ، وعم الفساد والجهل والاستبداد ، الشعب انتفض وأعلن ثورته ، وهذا الشعب العظيم لن يعود إلى البيت قبل تحقيق جزء أو كل أهدافه .