"الأب مانويل مسلم" أيقونة وطن بقلم:مصطفى أبو السعود
تاريخ النشر : 2019-12-02
" الأب مانويل مسلم " أيقونة وطن

مصطفى أبو السعود

قبل فترة دعاني الدكتور أحمد يوسف لحضور حفل توقيع كتابه   بعنوان " الأب مانويل مسلم أيقونة وطن " في جمعية الشباب المسيحية في مدينة غزة، فذهبت، اعجبتني الفكرة والتنفيذ والاخراج.

والذي أعجبني أكثر أن رجلاً مسلماً يكتب بإيجابية عن رجلٍ غير مسلمٍ، وهذا يعكس الثقافة الواسعة التي يتمتع بها أصحاب الأفق الواسع والتي يجب أن نتمتع بها جميعاً ،حيث إن الاختلاف في الدين أو الرأي السياسي وغير ذلك من أوجه الاختلاف لا يجب أن يكون حاجزاً بين الانسان وبين قول الحق والحقيقة وانصاف الآخر وذكر مزاياه ، وهذا نهج قرآني حيث قال الله عزوجل " لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ "  ، ولنا في هرقل حين سأل أبو لهب عن رأيه في سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فذكر ايجابياته، رغم ما بينهما من اختلافات وصلت للعداوة.

قرأت الكتاب، وأتفق مع ما كتبه " البطريرك ميشيل صباح" بطريرك القدس سابقاً يصف الكتاب " " أن قراءته سهلة وممتعة من حيث الصيغة والمضمون"

وفي مقدمته يذكر الكاتب قصة تعارفه مع "الأب مانويل " وانطباعاته عنه وعن اعجابه الشديد بشخصيته الوطنية الجامعة، ومن جميل ما أعجبني" أنه شخصية وازنة واسعة الثقافة والمعرفة وهي صلابتها ومواقفها الوطنية لا يشق لها غبار وهو رمز ديني بمشاعر واحاسيس إنسانية راقية  كما أنه ايقونة وطنية نعتز بها كفلسطيني وتفتخر به طائفته".

في الكتاب تأكيد  على عمق العلاقة بين المسلمين والمسيحين ، ويروي الكاتب قصة رواها له أحد أصدقاءه  من حي الزيتون بأن المطران" بيونيت خير" كان يمر على كل جيرانه من المسلمين للسلام عليهم في أعيادهم الدينية وأيضا في المناسبات الاجتماعية وكانوا هم يبادلونه الزيارة كذلك للتهنئة والتبريك". 

تطرق الكاتب لعلاقة "الأب مانويل " بالرئيس "ياسر عرفات "حيث ذكر ما كتبه مانويل عن عرفات "لقد ارتقت وطنية أبي عمار فوق الحزبية والعرقية والطائفية الدينية".

تحدت الكاتب عن الاشاعات التي انتشرت بعد فوز حماس 2006 في الانتخابات تتنبئي بمصير الطائفة المسيحية، وأن حالة من الخوف والهلع عمت الطائفة المسيحية وربما يشهد قطاع غزة هجرة باتجاه الخارج، لكنه (الكاتب) أدرك ذلك مسبقاً  فنشر مقالاً باللغة الانجليزية  حول المسيحين  بغزة وعلاقتهم القوية بحماس .

لم يفت الكاتب التعريج على ما قاله "الأب مانويل " إبان حرب 2014  للمسلمين " إذا هدموا مساجدكم  ارفعوا الاذان من كنائسنا، وللمقاومة في قطاع غزة احفروا الانفاق وتقدموا يجب على كل الفلسطينيين  الدفاع عن حماس لأنها فصيل مقاوم".

من جميل ما رأيته في الكتاب هو رغبة احمد يوسف في اظهار اراء اصحاب اهل الرأي في شخصية "الأب مانويل" فضمن الكتاب شهادات لساسة وكتاب ومفكرين وشعراء وعلماء دين مسلمين ومسيحين عرفوا "الأب مانويل " سواء معرفة مباشرة أو غير مباشرة، ووجدتهم اتفقوا على أنه " رجل وطني بامتياز وصاحب حضور ويتمتع بمستوى عالٍ من الثقافة " .

يذكر الكاتبُ مدللاً على عمق العلاقة بين المسلمين والمسيحين " إن المسيحين الفلسطينيين اسهموا اسهاماً كبيراً في الحياة السياسية والثقافية لفلسطين، فالطباعة  والصحافة كانت _إلى حد كبير_ بين أيديهم وكانوا رواداً في تأسيس الصحف ولمع بين مشاهير فلسطين الكثير من المسيحين  منهم خليل السكاكيني،  ادوارد سعيد، إميل حبيبي، خليل بيد، بل إن أحد أبرز مساعدي الحاج  المفتي أمين الحسيني  هو اميل الغوري  المسيحي، ومن أبرز الذين عملوا معه مباشرة عزت طنوس وعيسى نخلة ، وهما مسيحيان، كما أن الحزب العربي الفلسطيني الذي أسه المفتي بنفسه وتولى قيادته جمال الحسيني كان موقع نائب الرئيس فيه مرصوداً للوطني الفلسطيني المسيحي " ألفرد روك".

في الكتاب معلومات قيمة وجب علينا جميعا معرفتها ،ففي القدس يوجد 15 ألف مسيحي بينهم 6 آلاف يعيشون داخل أسوار البلدة القديمة، و 6الآف آخرين في مناطق بيت  حنينا وبيت فاجي وجبل الزيتون ، بينما يقيم قرابة 3 آلاف خارج الجدار العازل في الضفة الغربية، وأن نصف المسيحين في القدس  يحتفلون بعيد المجيد بحسب التقويم الغربي، والنصف الاخر حسب التقويم الشرقي.

يوجد في القدس 13 مؤسسة كنسية معترفا بها من السلطة الفلسطينية ل133 مؤسسة دينية ،وسبعون كنيسة ودير  داخل   اسوار البلدة القديمة وستون خارجها.

 وعن توزيع المسيحين يشير الكاتب إلى  انهم يتوزعون على النحو التالي :

الروم الارثوذكس 51% ، اللاثتين (الكاثوليك )33%، الروم الكاثوليك  6%، البروتسانت 5%، السريان والارمن الأرثوذكس 3%لكل منهما، الاقباط والاحباش والموارنة وغيرهم من المسيحين 2%، ويصل عدد المسيحين العرب داخل الخط الاخضر إلى 117ألفا ينتمون للروم الارثوذكس، بينما ينتمي نحو ستة آلاف منهم للبروتسانت.

لو تطرقنا للكتاب من ناحية فنية شكلية ، فهو كتاب  حمل غلافه صورة " الأب مانويل " وخلفه صور المسجد الاقصى والكنائس، وهذا دليل على التآخي بين المسلمين والمسيحين، ويقع الكتاب في ثمانية اقسام، يسبقها مقدمات  كتب أولها البطريرك "ميشيل صباح " بطريرك القدس سابقاً،  وتفرد بالثانية الاستاذ "خالد مشعل " رئيس المكتب السياسي لحماس سابقا، و كانت الثالثة من نصيب الدكتور "حسن الصيفي " وكيل وزارة الاوقاف والشئون الدينية سابقا.

فالقسم الاول تناول " فلسطين مهد الديانة المسيحية" ، بينما الثاني تناول " السيرة الذاتية " للأب مانويل "  وتحدث الثالث  عن عمل "الأب مانويل " في الاردن، والرابع خصصه الكاتب للحديث عن تحديات "الأب مانويل " للعمل والاحتلال، وسمى الكاتب القسم الخامس " الأب مانويل رجل الاجماع المسيحي_ الاسلامي"، أما القسم  السادس حمل اسم " الأب مانويل ، تجليات انسان،، والقسم السابع   كان بعنوان " الأب مانويل شهود وشهادات"،  ويختم الكاتب كتابه بوثائق عبارة عن كلمات "الأب مانويل " مانويل مسلم يعزي باستشهاد الشيخ احمد ياسين ورسالة للرئيس  محمود عباس، وكلمة مانويل مسلم للشباب، وإلى مؤتمر الاسلام والغرب، ثم  صورتجسد بعضاً من حياة "الأب مانويل " في المناسبات الرسمية والشعبية.

كما أن الكلمات مشكلة تشكيلاً جميلاً بالفتحة والضمة والكسرة، وكل العلامات الجميلة وهذا يشعر القارئ انه يقرأ كتاباً نوعياً ،وكما نقول بالعامية " متعوب عليه".

لقد استمتعت جداً بقراءة الكتاب، خاصة الجزء الذي يتحدث فيه " الأب مانويل " عن سيرته الذاتية ، عرفت كيف عاش المعاناة ككل الفلسطينيين .

علمت منه  أن "جفنا " تبعد عن بير زيت مسافةكم2، وحينما قرأت " جفنا " والشيء بالشيء يذكر ، فإن أبي رحمه الله، وامي أمد الله في عمرها ،حدثانا عن بدايات الهجرة من فلسطين وخروجهم من صرفند العمار1948 ،أنهم مروا ب" جفنة" ، وتشاور كبار العائلة ما بين البقاء بجفنة وبين التحرك لغزة، فاستقر الامر نحو التحرك لغزة، ثم  إن ذكرتني "جفنا "  بزميلة لي اسمها " جولين" كانت في الجامعة في جامعة محمد الخامس بالرباط ما بين 1999_2003 كانت مسيحية من قرية "جفنا"  هي الفتاة المسيحية بيننا ،كانت مسيحية الدين إسلامية السلوك ،لا تفطر رمضان امامنا.

تعرفت من سيرة "الأب مانويل" على فكرة "المناولة" وهي الكشف للطفل بعد سن سبع سنوات عن سر من اسرار الكنيسة، وعلى معانٍ جديدةٍ وطقوسٍ جديدة، ولم اشعر بغربة في اللغة ومفرداتها، بل ارجعتني مفردات عديدة لزمن الصبا  حينما قرأت " الشديدة " المطاطة التي تستخدم في صيد العصافير.

تعلمت منه أن الإنسانية ليست حكراً على تاريخ أو جغرافيا أو ديانة أو فصيل، وأن التألم لآلام الآخرين الضعفاء والبسطاء والباحثين عن الحياة هو  قمة الإنسانية، وأن الضمير الذاتي أقوى من كل الدساتير  والقوانين الخارجية.

أختم  : أنه على الانسان كي يعيش انساناً أن ينفتح على الآخر، يفهمه ويتعايش معه في منطقة القواسم وليس القواصم، ولا يحكم عليه بآراء معدة سلفاً في دهاليز العادات والتقاليد، حتى وإن اختلف الإخوان في الطول والعرض فعليهما أن يتذكرا أنهما أبناء ام واحدة.

فشكرا للأب / مانويل حنا شحادة مسلّم
وشكرا للدكتور احمد يوسف.