هَذِبوا العِقاب في التعليم بقلم: ياسمين ناصر أبو العون
تاريخ النشر : 2019-12-02
هَذِبوا العِقاب في التعليم

مقال/ بقلم ياسمين ناصر أبو العون

تُعتبر المدرسة من أهم المؤسسات التي توكلها المجتمعات الإنسانية مهمة تربية الأفراد وتكوين شخصياتهم, لذا تضع المهمة كبيرة على عاتق المعلم, إذ أن مُهمته لا تقتصر على حشو الأذهان بالمعرفة والمعلومات, بل وأيضاً في تكوين شخصية الطلاب, فلا تزال صورة المعلم النمطيّة مرتبطة في أذهاننا بالعصا التي يحملها وهو بذلك يمثل رمزاً للسلطة التربوية في المدارس، سواء في العهد القديم أو الحديث, فعادةً ما يلجأ المعلم إلى أساليب عدة بحجة فرض النظام والانضباط داخل الصف ومن الأساليب الشائعة في معظم المؤسسات التربوية التعليمية, أسلوب العقاب بنوعية الجسمي و المعنوي.

ولعل العقاب البدني في التعليم المدرسي خاصة في الآونة الأخيرة أصبح من القضايا الهامة، والتي تبعث على التساؤل عند الأوساط التعليمية، وأيضاً لدى اولياء الأمور وتظهر المشكلة بوضوح من خلال اختلاف الآراء، وتناقضها حول قضية العقاب فيرى البعض أنه يجب إلغاء العقاب في المدارس، لكونه يترك اثار نفسية شديدة التأثير على التلاميذ، والتعلم والتعليم من جهة أخرى ومن جهة اخرى أكد البعض على استخدام العقاب ضرورة حتمية لسير العملية التعليمية، فقد صدرت في خلال السنوات الماضية تعميمات متكررة من المسؤولين في التعليم بعدم استخدام العقاب البدني في التعليم المدرسي، بكل صوره وأشكاله باعتبار العقاب عمل مخالف لأصول المهنة التعليمة، يقتضى المسائلة والمحاسبة، قد يصل أحياناً بفصل المعلم من عمله.

العديد من الدول في وقتنا الحالي تسمح باستخدام العقاب البدني في المدارس، وتعطيه الشرعية القانوينة مثل الباهاماس، تشيلي، فرنسا، لبنان، ماليزيا، المغرب، النيجر، المملكة العربية السعودية، وفي 20 ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك يستخدم العقاب البدني أيضاً بشكل كبير في الدول والمدارس التي تحظر وتمنع استخدامه بموجب القانون. وقد أعلنت الأكاديمية الأمريكية للطب النسي للأطفال والمراهقين معارضتها لاستخدام العقاب، ودعهما للتشريعات التي تحظر استخدام العقاب، ويعتبر العقاب البدني من الأساليب الثلاثة الأكثر استخداماً لضبط الطلبة في المدارس ولا توجد احصاءات رسمية حول نسبة استخدام العقاب البدني في المدارس( العجمى والعتل،2018م )

هناك أثار للعقاب البدني خاصة منها القلق المعمم، الانزواء، العناد، العدوان، الخوف من التحدث أمام الناس... الخوف ، ولا ينصح باستخدام المعالج والمشد باستخدام هذا الأسلوب، كونه يسبب ألم نفسياً بينه وبين الطلبة ، وقد ورد عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه أن قال: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعت صوتاً من خلفي ( أعلم أبا مسعود) فلم أفهم صوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو يقول : أعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال: أما لولم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار .رواه مسلم وغيره.(أبو أسعد،2011م، ص 212)

تعريف العقاب :

ويعرف العقاب المدرسي بأنه" مقياس أو جزاء يتخذه المعلم أو المدرسة بحق طالب أو مجموعة من الطلاب، في مواجهة انحرافاتهم أو مخالفاتهم لتعليمات ، ونظم، وتقاليد، ولوائح المدرسة، وذلك بقصد الردع والإصلاح، وحفظ الكيان المدرسي وزيادة كفاءتها في تأدية وظيفتها، وتحقيق أهدافها.(نبهان، 2015م).

آثار استخدام العقاب البدني في المدارس

تتعد آثار استخدام العقاب البدني في المدارس في عدة جوانب:

1. آثار جسدية: من اهم الآثار الجسدية التي قد يخلفها استخدام العقاب البدني في المدارس هي تعرض الطالب إلى اصابات تصل أحياناً إلى درجات بالغة، نتيجة استخدام أدوات في إلحاق العقاب للطالب بالعصي أو الحزام، خاصة إذا كانت وجهت الضربة إلى منطقة الرأس.
2. الآثار النفسية: العقاب البدني يولد لدى الطلب الشعور بالألم، والذل، والخوف، والاكتئاب، وقد يفشل في تطوير الثقة والعلاقات الآمنة مع الكبار، ويجعل الطلاب يخافون من العصا حتى لو لم يتم استخدامه.
3. الآثار السلوكية: تظهر لدى الطالب مشاكل سلوكية مثل: العدوانية، وأعمال تخريبية في المدرس، والعناد، ويظهر سلوك الانسحاب من الأنشطة المدرسية، ويؤدي العقاب البدني في مرحلة التعليم الأساسي إلى تسرب الطلاب من المدرسة، أو الانقطاع عنها
4. الآثار الاجتماعية: يقوم الطلبة باتخاذ سلوكيات المعلم السلبية نموذجاً لهن، فيمارسون العنف والعدوان فيما بينهم لاعتبارهم أن هذا هو الأسلوب الأمثل في معالجة المشكلات، إمكانية استخدام الطلبة لهذا السلوك ضد الآخرين أو مواجهة الطلبة للفشل في تطوير والمهارات لنسوية النزاعات. مما يتسبب في جعل الطالب أقل تعاوناً مع الآخرين.

( العجمى والعتل،2018م )
5. آثار أكاديمية: يؤدي استخدام العقاب البدني في المدارس إلى إضعاف القدرة على التعلم

( السورطي، 2003م) ويفقد الطالب احترامه للمعلم ويتوقف عن الاستماع إليه، يؤثر العقاب البدني على التحصيل الأكاديمي للطالب، وقد يحتاج الطالب إلى وقت طويل ليحسن أدائه التعليمي.

ومن هنا بيان مدى قسوة الآثار السلبية التي يخلفها استخدام العقاب البدني في المدارس على الطلاب الذين يتعرضون له بمختلف جوانبه، الآثار السلبية لاستخدام العقاب البدني في المدارس تؤثر على جميع الطلبة في تلك المدرسة، بما في ذلك الطلبة الذين لا يتعرضون للعقاب البدني، لأن العقاب البدني يخلق بيئة مدرسية فير صحية، وتضعف من أداء طلابها الأكاديمي.

حسنات العقاب:

1. الاستخدام المنظم للعقاب يساعد الفرد على التمييز بين ما هو مقبول وما هو غير مقبول.
2. يؤدي استخدام العقاب بشكل فعال إلى إيقاف أو تقليل السلوكيات غير الكيفية بسرعة مما يجعله محبباً أكثر للآباء و المعلمين.
3. يسهل في بعض الأحيان عملية التدريب و التعليم.
4. يقلل من احتمالية تقليل الاخرين.
5. إن معاقبة السلوك غير المرغوب يقلل من تقليد ذلك السلوك .

سيئات العقاب :

1. قد يولد العقاب خاصة إذا كان عنيف الحقد والعدوان والعنف بين المعلم و المتعلم .
2. العقاب يكبح سلوكيات غير مرغوبة ولا يولد سلوكيات جديدة .
3. يتولد عن العقاب انفعالات غير مرغوبة مثل الصراخ والبكاء وغيرها .
4. يكبح السلوك غير المرغوب به.

ومن أنواع العقاب:

أولاً: العقاب البدني :

إن العقاب البدني بمفهومه البسيط يُعرف بأنه سلوك يحتوي على عنف جسدي يقوم به المعلم تجاه الطالب بهدف تهذيب وتعديل سلوكه, فالعقاب البدني يشكل خطراً كبيراً على جميع عناصر العملية التعليمية؛ فالعقاب البدني يسبب التوتر لدى المعلم، ولن يمنح المُعلم إلا طفلاً مضطرباً نفسياً مما يسبب انعكاسات نفسية وجسدية واجتماعية عليه و كما بجانب ما يلحقه العقاب البدني من انعكاسات السلبية و قد يحول دون إيجاد علاقة حميمة بين المعلم والمتعلم؛ وقد يمتد لمراحل متقدمة من تعليم له, وهذا لا يؤدي بأي حال من الأحوال للنهوض بالعملية التعليمية .

لذا نجد من الخطأ من اعتقد أن العقاب البدني يفيد دائماً في العملية التعليمية, ففي أغلب الأحوال يكون ضرره أكبر من نفعه فالنفع الوحيد وراء هذا الأسلوب هو التنفيذ المؤقت للمطلوب, فمعظم النظريات النفسية تؤكد على التأثير السلبي للعقاب البدني و على المستوى التعليمي , فقد يُولد العقاب البدني العدوان، و العنف، والهجوم المضاد، وفقدان الثقة، وقد يصبح المعلم الذي يستخدم العقاب بكثرة في نهاية المطاف منفراً للطلاب، مما يؤثر بالسلب على المستوى التحصيلي لهم, لذا على المعلم ان يدير عملية التدريس بحكمة وهدوء، و يستخدم مجموعة من الإجراءات البديلة للعقاب البدني، كالنصح والإرشاد و الثبات الانفعالي و توضيح الخطأ وغيرها. لذا يجب أن تكون العقوبة هي الوسيلة الأخيرة التي نحتاج اللجوء إليها وبعد نفاذ جميع الوسائل والحلول والتي ربما أدت إلى تصحيح ذلك المسار الخاطئ.

ثانياً: العقاب النفسي:

لم يتوصل الباحثون الى تعريف للعقاب النفسي الذي يلجأ اليه المعلم و الأهل مع أطفالهم, ولكنها تتلخص بثلاث طرق تعنيف تؤثر على نفسية الطالب منها استخدام المعلم ألفاظ بذيئة امام زملاء الطالب، والإساءة الى المشاعر، والتخويف عن طريق العزل، والتهديد بالمعاقبة و الإقصاء مما يجعله يعيش في قلق و رعب وخوف و توتر .

ثالثاً: العقاب اللفظي:

هي تعبيرات لفظية توبيخية وتهديده لاذعة, ومؤلمة نفسياً, فتأثيرها أكبر من العقاب البدني, وإن أكثر ما يستخدم العقاب اللفظي في المواقف الحياتية المختلفة, بقصد تقليل ظهور أشكال السلوك غير السوي, وأكثر ما تكون هذه التعبيرات و الألفاظ مثل الإشعار بالخزي والعار، والسخرية أو الاستهزاء أو الشتم، واستخدام كلمات قاسية الامتناع عن تقديم المكافآت، وتكون هذه التعبيرات أكثر قسوةً و إيلاماً إذا ما ارتبطت بالعقاب البدني.

في نهاية الحديث نحن كمربين وأولياء أمور ومجتمع مسئولون أمام الله عن تربية النشء, لقول رسول الله صلى لله عليه وسلم ( كُلكم راعٍ و كُلكم مسؤول عن رعيته) وانطلاقاً من هذا المبدأ يجب أن نكون أهلاً لهذه الأمانة التي حمّلنا إياها رسولنا الكريم و ولأن أطفال اليوم هم رجال الغد علينا أن نهتم بهم و نحمل أمانتهم فوق رؤوسنا.

بدائل لاستخدام العقاب في المدارس:

تعتبر إحالة الطالب إلى مدير المدرسة من أكثر البدائل للعقاب البدني استخداما، وأكثرها فاعلية، وأيضاً استخدام التعزيز الإيجابي المختلفة النوعية مثل التعزيز اللفظي، والتعزيز المادي، حيث ومن المفيد أيضاً تكليف الطلاب بالقيام بمهمات إضافية، ومراجعة الطالب على انفراد وإفهامه مسلكه الذي قام به، و إرساله إلى المرشد التروي وخصم درجات( السعدي،1998).

ولعل البديل الأفضل أن يتحدث المعلم مع أولياء أمر الطالب، بحيث لا يحث اضرار مادية بحيث يتم الاتفاق بين المعلم وأولياء الأمر، بمشاركة الطالب على كيفية التعويض الادي عن هذه الأضرار، حتى يشعر الطالب بالمسؤولية ويضبط سلوكه العدواني، ويسيطر على غضبه(, ,jones (2015) davis,wayse).

المراجع:

أبو أسعد، أحمد(2011). تعديل السلوك الإنساني بين النظرية والتطبيق،دار المسيرة للنشر والتوزيع،ط1. عمان.

السعدي، برهان.1998. اتجاهات معلمى ومعلمات مرحلة التعليم الأساسي نحو العقاب البدني في مدارس محافظات شمال الضفة الغربية. رسالة ماجستير منشورة. جامعة النجاح، فلسطين

معدي العجمي، عمار العجمي، محمد العتل (2018). اتجاهات المعلمين نحو استخدام العقاب في العملية التعليمية دراسة في الكويت. مجلة العلوم التربوية. ع1،ج3. يناير

يحيى، نبهان(2015). أساليب تربوية في الثواب والعقاب. جهينة للنشر والتوزيع

d.davis, r.jones, p. and. rogers .(2015). Exploring education and childhood from current certainties to new visions. New york: third aveenue