حب في زمن التكتك بقلم:عبد الجبار الحمدي
تاريخ النشر : 2019-11-27
حب في زمن التكتك

دفعت به النخوة لأن يكون اول الذين دخلوا ساحة التحرير بعد أن أنتفض الشباب تحت شعار أريد حقي... تجرع هو كغيره طفح الفساد الذي استشرى بحكومة داعرة لم يثنها او يقف رادعا لها بأنها أسلامية بإمتياز اختاطوا الوهم منابر للشعب طائفية منذ سقوط الصنم، شارك هو ومن معه الموت موائد عزاء التي عقدت صلح الحديبة مع كل بيت ما ان أمنوا له حتى خان بهم بزبانيته الذين أطلقوا على أنفسهم حكاما وأولي أمر... سادت حياته السواد ضاقت به السبل بعد ان تخرج من معهد الفنون الجميلة، عشق فن الرسم كي يرسم عالمه الافتراضي بعيدا عن واقع الفساد المخزي، غير أن بوابة التعيين مغلقة فقط لابناء الحاشية والجاثمين على المصالح والتحزبات... بصعوبة اشترى التكتك ليجني قوت يومه والعائلة التي تكفلها بعد ان راح والده أثر إنفجار سيارة مفخخة أما أخاه فقد قتل في مجزرة سبايكر... تلك المجزرة التي صنعتها الاحزاب ثم بكت على اطلالها بخيانة رؤوس وشخوص لم يخجلوا من تقديم العزاء الى ذوي الشهداء... عالم من الدياثة والدنس تلك هي السلطة التي تحكمت بالوطن الذي تمنى أن يكون أحد عناصر التغيير بإزاحتهم واسقاطهم بما يمكنه طموحه.... ثارت الآلاف من الشباب زحفت حيث ما يشعرها بالحرية صرخت رغم زنابير الموت التي تأز حولهم تلدغ كل من يصرخ أريد وطن.... لم تعي السلطة أنها ثورة كعادتها أسقطت نفسها القاضي والجلاد فأمرت بقتل كل من يخرج على حكم العدالة في الدولة، إنها دولة اسلامية تقضي بالمعروف وتنهى عن المنكر... ذلك المعروف والمنكر الذي يتحاصصونه ليل نها على ارداف نساء لبسن ثياب الرقص بحجاب اسلامي... تحت قبة برلمان، أما البقية فيلعقون بقايا طمت وجيف منتنة بدستور يعمد إليه رئيس مجلس كي يطرق لهم على قوانين تشرع بعائدات نهب وسرقة....  

هاهو حمزه يطير بطموحه حيث ساحة التحرير مع كل من رفع شعار أريد وطن... أريد حقي.. كان عرسا مهولا يزف ولأول مرة على أيدي شباب لبس السلمية حرية تعبير.. خرجوا جميعا دون فرقة أو طائفية، خرجوا حيث الموت الذي كان يتربص بهم كعادته جبان يخفي معالم وجهه مثل أسياده الذي سارعو الى خضراءهم واندسوا ومنهم من هرب خلسة حيث مكان لجوءه، سياسيي الصدفة وسياسيي برايمر الأحمق الذي أنجب حثالات من أحزاب رافقته حتى أعلن أنه المنتصر والفارس الاوحد... تبرقعوا تبرثوا وأوغلوا في بطن الوطن حتى بقروها... وهي تحمل الأمل الذي قتلوه بطائفيتهم... أمتدت اصابع الى رحم الوطن واجتثته كي تضمن أن لا ولادة لعقيم في مستقبل... غير أن الله اراد ان يكون للوطن ولادات إنها معجزة العصر جاءت ثورة تشرين ولادة فتية رفعوها حيث السماء ليطلقوا عليها اسم التغيير.. سارع حمزه ومن معه دون ان يكون هناك من يقودهم سوى مشاعرهم وهمومهم معاناتهم دموعهم آمالهم هي من ترسم لهم... رغم من يرقبهم في الزوايا يرمي لهم شباك الموت برصاص قناص... أثخن فيهم القتل اطاح برؤوس وأجساد طهر أبرياء كي يُخيفهم إن السلطة التي جاءت من الخارج لديها زبانية أبناء زنات لقطاء لديهم القدرة على القتل... إنهم يدافعون عن الخنزير الاكبر الذي يلغون معه في مستنقع الرذيلة محاصصة لا حرمة بينهم...

لم يعي أنه معرض للموت في أي لحظة لكن صورة والده وأخيه يراها في كل لحظة وهم يتدافعون أمام ملك الموت ليدرؤا عنه يده... سارع الى حمل من أمتدت يد الموت الى رأسه سقط الى جانب تكتكه... رفعه وبعض من الشباب منطلقا حيث الخيم الطبية التي تسابقوا إليه لإسعاف من جاء به.. دماء ثائر تلطخ وجهه وثيابه لم يدري كيف وجد نفسه بين يدي فتاة تمسح الدم عن وجهه وهي تقول له من خلف كمامة... أين أصبت هيا قل لي هل تسمعني؟ ما هو اسمك...؟؟

بهت!! لكنه امسك بيدها وقد أصابتهما رعشة... لست أنا من اصبت إنه صديقي... هناك أنا حمزه هذا هو اسمي

لا عليك إنه بأيدي أمينة.. أنطلقت حيث مصاب آخر كانت يد الرحمة كالملاك، تحط دون كلل عند كل مصاب تفعل ما في وسعها لإنقاذه ميدانيا ثم نقله الى المستشفى او على الاقل تسعفهم من جراء غاز مسيل للدموع منتهي الصلاحية ... تلعن وهي تعالج من يقع بين يديها حكومة غير شرعية فاسدة ضجت الأرض من ولاءاتهم وعمالتهم... إنهم تربوا بعيدا عن حب العراق حب الوطن.. إنهم المجرمون الذي ذكرهم الله في عزيز كتابه.... تصنعوا الإسلام فكانوا ساقطين للشيطان ...

خطفت قلبه دون أن يدري، غير أن من يسقط من الشهداء جعله يعود حيث حبه الاول العراق ذلك الذي تواكبت على شجره ونخله غربان سوداء تنعق ليل نهار همها ان تنال من كبرياءه... لكن شباب بعضهم لم يبلغ الحلم خرج يردد اريد وطن أرهبوا السلطة والموت... أسمعوا الاصم وجعلوا العالم الأعمى ينظر الى غيرتهم العراقية التي فاقت كل تصور... رغم أن الحظيرة العربية كعادتها في الخيانة تدير موجة المذياع حيث ما يحفلون له الرقص والطبل والزمن... لا يهم قال لها بعد ان سنحت الفرصة لأكثر من مرة لأن يتسامر بالحديث معها إنها تشعر بالخوف أحيانا.. ألسنا على الحق يا أمال؟ تلك هي عبارة سيدي على الاكبر لمولادي الحسين عليه السلام وهما يسيران الى واقعة كربلاء فأجابه نعم... إذا أقول لك كما قاله بإيمان.. لا تخافي لا يهم إن وقعنا على الموت او الموت وقع علينا... إننا نريد الحياة ومن يريد الحياة والحرية والخلود لابد له من ثمن... صدقيني لو كان الثمن حياتي الآن لوهبته على طبق من ذهب وأبعدت شبح الشياطين الفاسدين... إننا يا آمال نتطلع للعراق الجديد الذي لا يفصلنا عن الوصول سوى جسر وزمن... إننا نحب الحياة لذا ترين نفسك والكثير مثلنا بل الآلاف يطالبون بسلمية.. رغم المندسين من تلك الاحزاب الفاسدة ورغم ما جرموا فينا من قتل وتخريب...

هيا يا آمال أركبي معي التكتك دعينا نبحث عن الحياة في إسعاف جريح أو حمل جثة شهيد مباركة... هيا فلا هدنة لمقاتل في ساحة التحرير...

تحب تنصت له فصوته يشعرها بالطمأنينة والسلام، أما أنامله فتسحرها حين تخط على قصاصات ورقية صور خزنها قلبه قبل عقله ليرسمها.. احبت حسه المرهف طموحاته التي حدثها عنها، عن حبيبة عمر يتمناها في حياة المستقبل عدة مرات أرادت أن تبوح له بإنجذابه إليه شعورها بالفراغ حين يبتعد عنها...  شعورها في الحاجة إليه تقول لنفسها إني أحبه... انتهزتها فرصة كي تركب معه أمال الطبيبة التي ذاع صيتها وهي تتنقل كالنحلة تضمد مصاب وتنقذ جريح... طار كم يحلق بعيدا حيث سماء الحرية.. تطلع الى الجبل الذي أمتشقه الشباب ليدرؤا قناص لئيم من الالتفاف رفعوا اعلام العراق بأهازيج ضجت ساحة التحرير بمن فيها... إنه عرس الثورات الذي تمنت أن تزف الى من شعرت أنه الشاب الذي تحب ان تقضي حياته معه... 

تراقص التكتك على أهازيج فرح صرخت هي حمزه اريد أن اخبرك بشيء .. ينظر إليها وهو يضحك وأنا كذلك حبيبتي.... بصراحة أنا احبج كلش هواي آمال..

حمزه... وانا أحبك همين... 

مئات من التُكتكات حاضرة حين كان مهرجان عرس حمزه وآمال... كانت زفة عُرس لم يشهدها تأريخ ساحة التحرير إنها الحياة التي تبعث من جراحات وطن... إنه الحب في زمن التكتك.     
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي