عزل الرئيس!بقلم:د. ناجى صادق شراب
تاريخ النشر : 2019-11-20
عزل الرئيس!بقلم:د. ناجى صادق شراب


                            عزل الرئيس!

من أبرز سمات السياسة الأمريكية الأمريكية الثنائية الحزبية والتي تحكم ولاء المواطن ألأمريكى ، وولاء أعضاء الكونجرس من الحزبين. هذه الثنائية قد تفسر العديد من التطورات وألأحداث السياسية التى تشهدها الساحة السياسية ، لكن في القوت ذاته لا يمكن الإقتصار في تفسير التطورات السياسية من المنظور الحزبى فقط ، بل هناك السياق الدستورى الصارم الذى يحكم عمل المؤسسات السياسية والعلاقة بينها، وكذا المنظور المجتمعى أو التركيبةالمجتمعية ، وأذكر هنا بقول الرئيس كيندى ان أمريكا أمة من المهاجرين، وبقوله عندما كنت عضوا في الكونجرس كنت واحدا من بين 535 ينظرون للرئيس، وعندما أصبحت رئيسا كنت واحدا ينظر لهذا العدد . هذا القول يوضح طبيعة العلاقة بين الرئاسة التي تمثل السلطة التنفيذيه فالرئيس وحسب الدستور الأمريكي كل السلطه التنفيذيه بيده ، فالحكومة والموظفون يتبعونه و، وهذا ما يفسر لنا ولاء أعضاء حكومته له، وألإقالات االتى يجريها لكن هؤلاء الموظفون يقسمون على الا يخالفوا الدستور الأمريكى..والرئيس يملك من الصلاحيات الدستورية ما يجعله محور إهتمام كل الشعب الأمريكي ، فالرئاسة هي الجائزة الكبرى التى يطمح لها الحزبان الجمهورى والديموقراطى . واما الكونجرس  فمجلس النواب يمثل كل إرادة الشعب الأمريكي ، وليس مستغربا أن تكون له فقط سلطة توجيه الإتهام للرئيس في حال إساءة إستخدام السلطه ، فتبدأ خطوات العزل بمجلس النواب، وهذا ما يعطى الديموقراطيون قوة ألان لتحكمهم بأغلبية المجلس فلهم 235 نائبا من 435، واما مجلس الشيوخ بتكوينته من مائة عضو كل ولاية إثنان ، يملك سلطة محاكمة الرئيس وسلطة إقالته بتوفر أغلبية الثلثين وهذا ما يعقد إجرءات عزل الرئيس كما رأينا في سيناريو الرئيس كلينتون الذى نجا من العزل لعدم توفر الثلثين بسبب سيطرة الديموقراطيين وقتها على الشيوخ وهو السيناريو الذى يمكن ان يتكرر اليوم مع الرئيس ترامب بحكم أن للجمهوريين 53 نائبا ، هو ما يجعل الحصول على أغلبية الثلثين مستبعده إلا في حالة واحده وهى ثبوت التهم وقناعة نواب من الجمهوريين بذلك ،عندها يمكن أن يتكرر نموذج نيكسون بمحاولة إقناع أعضاء وقادة الحزب في الشيوخ بتقديم إستقالته ، وهذا مستبعد في شخصية الرئيس ترامب، او ألإستمرار في المحاكمة وعدم الحصول على الثلثين وهو ما سيكون في صالح ترامب.هذا الإطار الدستورى هو الذى يحكم مصير ومستقبل الرئيس ، فلقد حرص المؤسسون ألأوائل ان يؤسسوا لنظام رئاسى قوى يكون الرئيس ألأمريكى هو المعبر والمجسد عن قوة أمريكا ووحدتها ، ولكن خوفهم من تحول الرئيس إلى ديكتاتور كما هو الآن للرئيس ترامب أوجدوا نظام الكوابح والجوامح الذى يمنح لكل سلطة أن تحد من تغول السلطة ألأخرى ، وتمنح الكونغرس والنواب بداية كما أشرنا سلطة الحفاظ على الدستور ومراقبة الرئيس في إستخدام سلطاته الرئاسية ، لكنهم في الوقت ذاته وضعوا قيودا معقده حرصا على إستقرار النظام السياسى ألأمريكى ،وكما كتب هاملتون في الأوراق الفيدرالية : العزل والإقالة تنطبق على الجرائم التي تنجم عن سؤ السلوك العام... ولذلك وعلى مدار 240 عاما من تاريخ الولايات المتحده قام الكونجرس أو النواب بتوجيه إتهاما لما يقرب من ستين رئيسا وموظفا فيدراليا وقاضيا، لم يتمكنوا إلا من الثلث لتوجيه تهم لهم بالعزل من بينه ثلاثة رؤساء اولهم الرئيس أندرو جونسون في اعقاب الحرب الأهلية عام 1865-1969 وإقالته لوزير الدفاع لكنه نجا من العزل بصوت واحد في الشيوخ ، والآخران نيكسون بعد فضيحة ووتر جيت ،ورغم نفيه وقوله ان من حق الرئيس أن يمارس سطاته بحريه لكنه قدم إستقالته ، اما كلينتون ورغم تحقيق الاقتصاد ألأمريكى درجات عاليه من النمو ، لكن لم يمنع النواب من توجيه إتهام له بعد فضيحة مونيكا لوينسكى  من قبل الجمهوريين لكن اغلبية الديموقراطيين في الشيوخ حالت دون ذلك. اليوم وبعد فوز الديموقراطيين بأغلبية النواب ومنذ اليوم ألأول وهم يتربصون بالرئيس ترامب لتوجيه تهم له، وكما قالت رئيسة مجلس النواب بيلوسى ان هناك مناسبات كثيره لإنتهاك الرئيس للدستور وتوجيه إتهام له، لكن هذه المرة وبعد تسريب المكالمه الهاتفيه له مع الرئيس ألأوكرانى والمطالبه بالتدخل بالتحقيق مع جون بايدن وأبنه، والتلويح بوقف مساعدات عسكرية أقرها الكونجرس تبلغ 400 مليون دولار، وبعد االتبليغ من قبل موظف بوكالة ألإستخبارات بما يتفق والدستور، رات أغلبية الديموقراطيون الشروع في توجيه الإتهام، والملفت للنظر إتباعها لأسلوب جديد بتشكيل لجان أهمها لجنة الإستخبارات للقيام بالتحقق وصولا للجنة القضائية التي تبلور صيغة الإتهام وعندها يمكن للنواب بسهولة أن يوجه إتهاما بأغلبية بسيطه ممكنه، وكما أشار أستاذ القانون الدستورى لورنس ترامب في جامعة هارفارد عن خطورة المكالمه:أن هناك جرائم جسيمه وجنح حتى لو تتوفر أدله أخرى.وتؤكد على وجود جنحه قانونيه ترقى للخيانه والجريمه.تكفى للمساءلة والإدانه دستوريا..وبعدها تصبح عملية العزل رسميه ولا يملك مجلس الشيوخ إلا البدء كما قال رئيس ألأغلبية الجمهورى ذلك.ويبقى السؤال عن مصادر قوة الرئيس الأمريكي وتحديه لما يقوم به الديموقراطيين ويقدم نفسه على انه الرئيس المثالى  الذى لا يخطأ ، وتلويحه بالحرب الأهلية في حال عزله، وترديده لمدونة القسيس جريفس أن عزل الرئيس ترامب قد يقود للحرب ألأهليه، وهذ سابقة سياسية لم يجرؤ عليها رئيس من قبله، وتصريحه أن خطر مصير أمريكا في خطر لا مثيل له من خطر عزله. فالرئيس ألأمريكى كما هو واضح أنه رئيس إستثنائى ، جاء من خارج المؤسسة التقليديه، وكونه رجل اعمال فهو يدير السياسة بإستراتيجية الصفقات ، وهذا ما جعله وبعض أعضاء حكومته أمثال بومبيو ومدير وكالة ألإستخبارات السابق ونائب الرئيس يدافعون عن مكالمته ولا يعتبرونها إنتهاكا للدستور وإساءة لسلطاته.قوة الرئيس ترامب في شعبويته والشعبوية البيضاء والقومية ألآمريكية الجديده التى ما زالت تشكل قاعده إنتخابيه قويه له، وتدافع عنه ،وهذه القوة تشكل حسب تعبير بعض المحللين مثل طبقة التيفال التي تشكل منطقة عازله وحاميه كما وصف بها الرئيس ريغان :التيفال..وتشكيل العديد من المليشيات وأخطرها مليشيات تعرف بالمحافظون على العهد على دعوة أعضائها إلى الإستعداد لحرب أهليه.ساخنه كما جرت عام 1859.والتى تهدد باللجؤ بإستخدام القوة المسلحة في حال عزله. خطورة التوقيت الذى تتم فيه عملية عزل الرئيس ترامب انها تاتى في وقت يعانى فيه النظام السياسى ألأمريكى من أزمه وتعانى الديموقراطية من أزمة حقيقيه، وهناك بوادر إنقسام بدأت تتسرب في بنية المجتمع الأمريكي ، لكن كل هذا لن يحول ويعيق حماية الدستور الأمريكي ، ويبقى ألإطار الدستورى والمؤسسات السياسية وحماية القيم الديموقراطية دافعا قويا لعملية عزل الرئيس، بصرف النظر عن النتيجة الحتمية التى قد تنتهى لها، فبلا شك سيكون لها تداعياتها على شعبيىة الرئيس ترامب، لكنها في الوقت ذاته ستكون لها تداعياتها على جون بايدن الذى قد يدفع ثمنا لها. والسؤال هل سيفوز الديموقراطيون أم سيخسرون؟والتذكير بما حدث مع الرئيس أندرو جونسون وما كتبه برند أوينيابل: عزل جونسون فشل، لكن النظام ربح.

دكتور ناجى صادق شراب

[email protected]