عندما ترقرقت عينا جورج حبش بالدموع بقلم:علي بدوان
تاريخ النشر : 2019-11-20
عندما ترقرقت عينا جورج حبش بالدموع بقلم:علي بدوان


عندما ترقرقت عينا جورج حبش بالدموع

علي بدوان

ثلاثة من الأسرى في سجون الإحتلال يستعدون للخروج من المعتقل، فقد أنهوا محكوميتهم، التي انزلتها بحقهم محاكم الإحتلال غر الشرعية.

خالد وأمجد وأحمد، ثلاثة من أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومن أبناء ولاجئى فلسطين في سوريا، ممن دخلوا الى شمال فلسطين، ونفذوا عملية عسكرية ضد قوات الإحتلال.

قبل ايامٍ قليلةٍ من خروجهم من سجون الإحتلال عام 1998 باتجاه سوريا، اقيمت داخل معتقل الإحتلال حفل توديع لهم، من قبل الأسرى المتبقين، وكان على رأس المحتفلين بوداعهم الأسير المرحوم محمد رجا نعيرات (أبو رفعت)، اقدم اسرى الجبهة الشعبية في سجون الإحتلال في تلك الفترة.

أبو رفعت من قضاء مدينة جنين، عضو حركة القوميين العرب، ومن قدامى الجبهة الشعبية، ومن الذين نفذوا عملية عسكرية ضد باص كان يقل مستوطنين، فاصابهم جميعا...

أبو رفعت، صديق الدكتور جورج حبش، في مرحلة الإعداد الأولى لإنطلاقة الجبهة الشعبية، واحد كوادرها في الضفة الغربية...ينقل الرسائل لقيادة الجبهة من الداخل الى سوريا ولبنان، عندما كان يأتي لدمشق ومعه عدة (تنكات) من زيت الزيتون المقدسي عبر المعبر مع الأردن، فتركت الشام بصماتها الإيجابية في دواخله ...

في حفل التوديع الأسرى المحررين في باحة سجن الإعتقال، أرسل أبو رفعت وقد أكل منه الشيب وطول العمر، سلاماً مع الأسرى المحررين لدمشق، وهمس في أذن أحدهم، وطلب منه ابلاغ الدكتور جورج حبش الرسالة الشفهية التالية :

كيف تستطيع النوم، وابو رفعت مازال في سجون الإحتلال ..؟

كيف تستطيع النوم وهناك عدة آلاف من الأسرى في معتقلات الإحتلال ..؟

الرسالة وصلت للدكتور جورج حبش، بعد استقباله للأسرى، حين قام الأسير المحرر المعني بنقل الرسالة الشفهية، وجلس الى جانب الدكتور جورج وابلغه الرسالة، بعد مقدمة خجولة جداً... جعلت من الدكتور جورج حبش يقول للأسير المحرر ..

تكلم يابا، احكي، ولايهمك، احكي شو عندك، وايش بدك تقول... (كان الدكتور جورج يخاطب اعضاء الجبهة الأصغر سناً بكلمة يابا) ..

يابا، بيسلم عليك رفيقك محمد رجا نعيرات (أبو رفعت) القابع في سجون الإحتلال، ويقول لك بالحرف الواحد : كيف تستطيع النوم وابو رفعت وآلاف الأسرى في سجون الإحتلال ...

ترقرقت عينا الدكتور جورج حبش، بالدموع (والدموع ليست مثلبة في واقع تلك اللحظة)، ووضع يده على كتف الأسير المحرر ... وقال له ...

معليش يابا، الحق مع أبو رفعت، ولكم كل الحق في انتقادنا، وتوجيه اللوم لنا، بل وفي مطالبتنا العمل على تحرير جميع الأسرى ... معلش يابا انتم اصحاب الكلمة، وصوتكم هو الأعلى، نتواضع بدورنا ونضالنا وتاريخنا أمامكم وأمام تضحياتكم...

توفي الأسير محمد رجا نعيرات (أبو رفعت) داخل معتقلات الإحتلال، بعد عمرٍ طويل قضاه في سجون الإحتلال، فدفع ثمن انتمائه الوطني، وثمن العملية الفدائية التي نفذها ضد حافلة كانت تقل مجموعة من المستوطنين الذين استولوا على قطعة أرض فلسطينية كبيرة بهدف اقامة مستعمرة في منطقة جنين ...

الدكتور جورج حبش، الإنسان، الرجل، الذي يفتح صدره للنقد وسماع الأخرين، عاش النكبةَ بلحظاتها، وهُجِّر بأسنّةِ الحِرابِ مع عائلته من وطنه وشاهد بأم عينه جموع اللاجئين التي تعرضت لحرب الإبادة والترانسفير في اللد والرملة ويافا، لم يتوقّفْ لحظةً في حياته عن التفكير في وسائل متعدّدةٍ لتحرير فلسطين، ولم يتغيّرْ هدفُه على مرّ السنوات والعقود، مُصرًّاً على تحرير "كلّ ميلمترٍ من فلسطين" كما كان يقول دوماً.

فلسطين المُحرَّرة عاجلاً أم أجلاً ستعيد اكتشافَ جورج حبش من جديد، وسيدرك الشعبُ الفلسطينيّ أنّ الدكتور جورج حبش، كان بالفعل رمزَ من رموز النضال التاريخيّ لشعب فلسطين ولثورته الجماهيرية الشعبية، والفدائية المسلّحة.