من بوليفيا إلى إيران بقلم:ناجح شاهين
تاريخ النشر : 2019-11-19
من بوليفيا إلى إيران بقلم:ناجح شاهين


من بوليفيا إلى إيران وصولاً إلى فلسطين ولبنان
ناجح شاهين
بإمكان القوى المناهضة للاستعمار الأمريكي أن ترفع شعارت من نوع: "من بوليفيا لإيران، هذا شغل الأمريكان". وربما بإمكانها ايضاً أن تهتف: "من كوبا حتى لبنان، شامم ريحة أمريكان". ذلك أنه لم يعد سراً على الإطلاق أن ما يحدث اليوم في أمريكا اللاتينية و"الشرق الأوسط" هو محصلة للنشاط الأمريكي/الإسرائيلي/السعودي الدؤوب. ربما علينا أن نبحث بشيء من التدقيق عن الأصابع الإسرائيلية والسعودية في بوليفيا أو فنزويلا، أما فيما يتصل بلبنان والعراق واليمن وسوريا وفلسطين فإن أصابع إسرائيل والسعودية والإمارات مرئية بوضوح.
سوف يصر بعض الذين يعيشون في عزلة عن العالم –كأن العزلة ما تزال ممكنة!- أن هناك حراكات شعبية تتطلع إلى إنجاز ثورات برتقالية من أجل حرية الشعب والعدالة الاجتماعية والديمقراطية...الخ. لكن هؤلاء قلة دون شك. هنالك في المقابل من يرددون هذه الشعارات تحت "رعاية" الولايات المتحدة وأجهزتها وإعلامها وأموالها. وهؤلاء هم الذين يقودون اتجاه الأحداث هنا أو هناك.
بدأت حكومة بوليفيا "الثورية" الجديدة عهدها المشرق بقطع العلاقات مع فنزويلا وشن حملة اعتقلات واسعة في أوساط الاشتراكيين المؤيدين لموراليس بسبب أنهم يتآمرون على الحكومة التي ولدت للتو. من الواضح أننا في مواجهة حكومة "عميلة" لأمريكا ورأس المال العميل لها في بوليفيا. لكن كيف تنجح أمريكا في حشد الحراكات الشعبية ضد زعيم مثل الراحل تشافيز أو خليفته مادورو أو موراليس أو خاميني في إيران وصولاً إلى قائد بقامة حسن نصر الله؟
على الرغم من صعوبة الفكرة ظاهرياً إلا أنها سهلة نسبياً في التطبيق: الولايات المتحدة تجوع الشعوب بالتآمر على اقتصاد بلدانها بما لها من قوة مالية واقتصادية مريعة، وعندما تبدأ الناس تئن تحت وطأة الحصار والمؤامرات الأمريكية تمتد يد الرشوة الأمريكية المباشرة مشفوعة بالأكاذيب الإعلامية وجيوش طوابير منظمات حقوق الإنسان الخامسة والسادسة بما فيها نخب المثقفين المباعة بثمن بخس...الخ هكذا تبدأ جوقة كاملة من أدوات "المجتمع المدني" والرشوة المالية المباشرة في حشد المعارضة التي تطلب من الحكومة الشرعية مطلباً سهلاً في العادة لا يقل عن تحقيق رفاه مثل الرفاه في السويد مع حل المشاكل كلها هنا والآن فوراً ودون إبطاء. بالطبع تعجز الحكومة عن تلبية المطالب الجماهيرية وتسقط في فخ "قمع" المطالب الشعبية المشروعة، وتفقد شرعيتها ثم تتم إزاحتها لمصلحة الفوضى المنفلتة من كل عقال –مثلما حصل في ليبيا- أو حكومة ألعوبة في يد الولايات المتحدة وأجهزتها الاستخبارية. هناك دائماً قدرة واضحة لدى الولايات المتحدة على شراء الجيوش؛ وقد عبر الرئيس موراليس عن دهشته (الطيبة/الساذجة؟) من خيانة قيادات بلاده العسكرية التي انضمت للأعداء. للأسف تثبت التجربة دائماً أن أسهل الطرق للتغيير السياسي هو شراء العسكر الطموحين للكراسي والمغانم. لذلك يجب فيما نزعم أن نقرأ بعمق ودقة من قدرة الراحل حافظ الأسد الفذة على بناء جيش وطني منضبط ومنتمي وغير قابل جوهرياً للبيع أو المساومة. وهو ما برهنه هذا الجيش في سياق دفع مئات المليارات من قبل ممولين سخيين للثورة ضد النظام السوري كان على رأسهم حكومة قطر والإمارات والسعودية.
بالطبع لا تقع الأحداث في الدول المستهدفة بين ليلة وضحاها، بل تحتاج الأنشطة الأمريكية إلى بعض الوقت حتى تأتي أكلها. وفي هذا السياق تمارس الولايات المتحدة عزفاً للأروكسترا المعادية للقوى الاشتراكية والقومية على مدار الساعة. في هذا السياق أيضاً تعزف أمريكا سيمفونية الديمقراطية أياً كان الخصم أو العدو المستهدف. وهكذا فإن إسقاط القذافي هو مناسبة ديمقراطية بامتياز لأنه دكتاتور حكم بانقلاب عسكري منذ زمن سحيق، ولم يجر أية انتخابات ...الخ الخ. ولكن إسقاط تشافيز أو مورالس هو أيضاً خطوة عظيمة على طريق الديمقراطية مثلما قال ترامب معلقاً على استيلاء الجيش على السلطة في بوليفيا. بالطبع ليس فرح ترامب وليد الساعة، فقد كانت الولايات المتحدة تجهر بعدائها لمورالس منذ فاز قبل خمسة عشر عاما لأول مرة، وأعلن اصطفافه الخطير مع القوى الاشتراكية الصاعدة وعلى رأسها هوغو تشافيز.
تعمل أجهزة الولايات المتحدة سراً وعلناً بأدواتها المختلفة دون توقف على تقويض شرعية الأنظمة التي تقاوم الهيمنة الأمريكية، ويشمل ذلك طيفاً واسعاً من البلدان في أمريكا اللاتينية بما في ذلك الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا والأراغوي، وكوبا، وبوليفيا إضافة إلى أنشطتها الدائمة في شرق أوروبا لمضايقة روسيا وعزلها وإضعافها مروراً بالمنطقة الشرق أوسطية التي تشمل العبث بليبيا ومصر والجزائر وتونس والسودان وسوريا والعراق واليمن، مع تركيز واضح في هذه المرحلة على إيران وحلفائها البارزين من قبيل العراق ولبنان.
هنالك غليان في كل مكان تقريباً، ولا يبدو أن الولايات المتحدة على الرغم من قدراتها تسيطر على سير الأحداث بالكامل. ومن هنا نعتقد أن إسرائيل تزداد أهمية في هذا المرحلة التي يبدو فيها وكأن الولايات المتحدة تفقد السيطرة من نواح عدة، مما يجعل إسرائيل مهمة أكثر مما سبق بكثير في سعي أمريكا المحموم لتأجيل هبوطها الحتمي من سدة الهيمنة الكونية. من أجل ذلك جاءت الرشوة المتكررة لإسرائيل، أولاً بالاعتراف بالجولان أرضاً إسرائيلية، ثم بالاعتراف بالقدس عاصمة لها، وأخيراً الإقرار بشرعية الاستيطان في الضفة، مما يؤشر بوضوح إلى وجود قرار أمريكي بعد فلسطين كلها مسرحاً مشروعاً للأنشطة الصهيونية وصولاً إلى ابتلاعها بالكامل مع التوسع شرقاً وشمالاً في أراض عربية أخرى حيثما كان ذلك ممكناً.
برهنت حالة بوليفيا أنه حتى مع وجود حاضنة شعبية كاسحة للحكم فإن الخروج عن اإلإرادة الأمريكية ممنوع . وقد أذهل سقوط موراليس العالم مثلما أذهله سابقاً سجن لولا في البرازيل، وإسقاط حكم ديلما دوسيف "بالديمقراطية البرلمانية وعن طريق ارتداد النواب من أعضاء حزبها بطريقة سحرية ما"، وكشف ذلك كله عن القدرات المرعبة للإدارة الأمريكية على استخدام الخلطة المزيج من التحريض القائم على الأكاذيب، والضغط الاقتصادي بالاستعانة بالقوى الدولية الصديقة، وأخيراً تحريك العملاء المدنيين والعسكريين على السواء.
تريد الولايات المتحدة من إيران شيئاً واحداً محدداً وواضحاً، وهي لا تريد منها تقريباً –على الاقل في هذه المرحلة- أية مطالب أخرى. المطلوب أن تتخلى إيران عن الحركات الإرهابية وعلى رأسها حزب الله والجهاد الإسلامي والحوثيين، كما أن عليها أن تتخلى عن نظام الأسد وتسحب قواتها من سوريا. منذ يومين لفت نظري أن هناك تغيراً في ترتيب الأولويات "الإرهابية" حيث أعلن أحد الناطقين باسم البيت الأبيض أن على إيران التوقف قبل كل شيء عن دعم منظمة الجهاد الإسلامي الإرهابية.
اليوم تحفل إيران بالمظاهرات التي تحتج وبصورة "مشروعة" على الضائقة الاقتصادية التي بلغت ذروتها باضطرار الحكومة الإيرانية إلى رفع أسعار البنزين من أجل أن تتمكن بالاستعانة بالعوائد من تغطية احتياجات الفئات الأشد فقراً.
بالطبع لا بد أن الخلطة التي أشرنا إليها بخصوص الوصفة الأمريكية للتخلص من الأنظمة اليسارية والشعبوية المعادية لأمريكا توظف ضد إيران منذ زمن طويل. هناك عقد ونصف على الأقل من العمل المنظم، ناهيك عن مقاطعة إيران ومحاصرتها منذ الثورة 1979. اليوم لفت نظري أول بوادر "الأيقونات" الفردية التي ستنسج حولها "أساطير" الثورة ضد حكم "الملالي"...الخ: امرأة تردد شعارات الإدارة الأمريكية بحرفية تامة حول المرشد الأعلى الشرير الذي يساعد نظام الأسد القاتل لشعبه بدلاً من مساعدة الشعب الإيراني. خلعت المرأة حجابها لتعطي الحدث طابعاً أكثر درامية وتحررية وجاذبية. قد تتحول هذه المرأة إلى "أيقونة" كونية في حالة "تراكم" إنجازات الثورة الراهنة ضد الدولة الإيرانية بغرض إنقاذ المشروع الأمريكي في "الشرق الأوسط" الذي سيعود كله إلى الحظيرة الأمريكية لكن بإدارة إقليمية ذاتية تقوم بها إسرائيل بالوكالة. في هذا السياق سوف تسيطر إسرائيل على فلسطين كلها وتطلق يدها في المنطقة لفعل ما تشاء بما في ذلك الهيمنة على الموارد العربية. ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن شركة نفط إسرائيلية قد بدأت بالفعل في استخراج النفط السوري الواقع تحت سيطرة قوات الأكراد وبيعه في الأسواق العالمية بسعر "عادل" يبلغ 30 دولاراً للبرميل. لكن العالم الحر سينعم بالكثير من الخيرات الأخرى في حال نجح الجهد الديمقراطي الأمريكي في إسقاط حكومة طهران الدكتاتورية الرجعية (أليس ذلك مغزى خلع الحجاب؟) وجاء بحكومة ديمقراطية تديرها إسرائيل.