(الزنغرية) موطن الإستثناء في جبل كنعان بقلم:علي بدوان
تاريخ النشر : 2019-11-18
(الزنغرية) موطن الإستثناء في جبل كنعان بقلم:علي بدوان


(الزنغرية) موطن الإستثناء في جبل كنعان

علي بدوان

تقع (الزنغرية) في قضاء مدينة صفد المحتلة عام 1948، في منطقة الجليل الأعلى، وتمتد من السفح الجنوبي الشرقي، من جبل كنعان، حتى مشارف نهر الأردن، (الشريعة)، حيث تَبعُدُ عنه مسافة ثلاث كيلومتر، وتطل من الجنوب على بحيرة طبريا، وتبعد عن البحيرة نحو تسع كيلومترات، وترتفع عن سطح البحر مابين (250 ــــ 450) متراً.

و (الزنغرية) تسمية تضم اربع قرى : (الجيسي + خاطي + زحلق + كرازيا). وتعد عشيرة الزنغرية من اكبر العشائر في شمال فلسطين. وتبلغ مساحة اراضيها حسب احصاء 1922 نحو 27918 دونماً. وبلغ عدد سكانها في حينها 2000 شخصاً حسب احصاء 1945. اما اليوم فيبلغ عدد ابناء الزنغرية حوالي 20000 شخص.

ويعود أصل التسمية من الأرض (الزنغرية) حيث اطلق الإسم على حمائل وبطون العشيرة، وهم حسب الترتيب الهجائي : الجرادات، الجمعات، الدويعر، السوالمة، العويسات، اللايمة، المجادمة) وهذه البطون تصاهرت فيما بينها، فبات يربطها رابط العمومة والدم.

هَجَرَت الزنغرية حياة التنقل والتجوال، واستقرت في القرى الأربع المشار اليها أعلاه، وكانت بيوت العشيرة مشادة بواسطة حجر البازلت الأسود الذي اضفى عليها طابعاً جميلاً مميزاً، وقد بلغ عدد بيوت أبناء (الزنغرية) نحو 179 بيتاً عشية النكبة عام 1948.

ويحيط بقرى (الزنغرية) الأربع، مجموعة كبيرة من الخرب الأثرية، التي تحتوي على أكوام من حجارة واعمدة، البازلت، ومن هذه الخرب : خربة العاليا، خربة أبو زلفة، خربة العسلية، خربة السنينية.

عمل افراد الزنغرية بزراعة الحبوب، وتربية المواشي، والدواجن، والخيول والجمال، وزراعة الخضروات البعلية، وبعض الأشجار. وكان فيها معمل للأجبان والألبان.

بعد النكبة، والتهجير القسري الذي مارسته العصابات الصهيونية ضد أبناء فلسطين، لجأ معظم اهالي (الزنغرية) الى سوريا ولبنان والأردن، وبقي عدد قليل منهم في أرض (الزنغرية) في فلسطين المحتلة، وهم يُشكلون مع خربة طوبا (الهيب) قرية (طوبا الزنغرية)، ولازالوا يتمسكون بارضهم. وقد أقامت غالبية من لجأ منهم الى سوريا في منطقة جوبر، مخيم السيدة زينب (قبر الست)، اليرموك ...

تميّز اهالي (الزنغرية) بالإقدام على العلم والتعلم، وبرزوا بشكل ملفتٍ بهذا الجانب، يُسجّل لهم وللشعب الفلسطيني، خاصة بعد النكبة ... وقبل النكبة كانت هناك مدرسة في منزل المدرس مزعل علي عام 1942، وفي العام 1944 افتتحت اول مدرسة رسمية من قبل حكومة فلسطين. لذلك يتمتع ابناء (الزنغرية بانشداد كبير للعلم والتعلم، والمعرفة، وقد تنافسوا في هذا المجال مع الأخرين، مما أدى لإرتفاع نسب المتعلمين بينهم، خاصة في مجالات (الطب البشري + الهندسة + العلوم + التربية ..). وتُشير التقديرات المستقاة من مصادر مختلفة لوجود نحو 2000 من ابناء (الزنغرية) يحملون الشهادات العليا.

وعلى الصعيد الوطني، شارك أبناء (الزنغرية) في مسار العمل الوطني قبل وبعد النكبة منذ وعد بلفور وحتى الآن. وساهموا بخوض العديد من المعارك المشرفة ومنها معارك مستعمرة (مشمار هايردن)، ومستعمرة (نجمة الصبح)، ومعركة الكم في 15/4/1948، ومعركة زحلق.

وانتظم عدد كبير من أبناء (الزنغرية) في صفوف الكتيبة 68، وكان منهم : عيسى فارس، جودي علي الصالح، سامي فاعور، علي القاسم، ذايب محمد ذياب، يوسف المحمد، محمد شحادة، حسين مزعل، أحمد الموسى، قاسم الخطيب ... واستشهد منهم عيسى فارس، سامي فاعور، جويد علي الصالح، قاسم الخطيب، يوسف الحمد...

كما انخرطت أعداد منهم في صفوف فصائل العمل الوطني الفلسطيني في الثورة الفلسطينية المعاصرة، وعلى رأسهم خميس جرادات القابض على الجمر حتى الآن بالرغم من عمره المتقدم،  والمرحوم عمر قطيش عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومحمد عيسى فارس (أبو عيسى) القيادي السابق في الجبهة الشعبية، ومن ثم الجبهة الثورية (التي دامت لفترة قصيرة عام 1972 وعادت للجبهة الشعبية)، وعبد الله الأحمد، ومحمد قاسم جرادات، ومحمود قاسم، وفيصل الجمعات، والدكتور عمر فارس .. واخرين. وربطتني علاقات طيبة مع العديد من الأصدقاء من (الزنغرية)، وخاصة منهم من العالمين في حقل التربية والتعليم، والعمل الجامعي، والسياسي، والإطار الوطني العام.    

أخيراً، وفي واقعة، نتناولها كطرفة، عندما كنّا في خدمة العلم، أن كان بيننا رقيب مجند من مخيم النيرب، لم يلتقط عبارة (الزنغرية) عند الإشارة الى أحدٍ من تلك المنطقة أو العشيرة من فلسطين، فكان يقول : فلان الصفدي، الحيفاوي ... السمكرية، لنصحح له العبارة ونقول له الزنغرية أو زنغري، ويعود لخطأه غير المتعمد، مما تسبب أخيراً في (طوشة) فلسطينية، هاجت وماجت داخل الكتيبة بين كلمتين : (زنغري) أو (سمكري) .. طبعا دون الإقلال من شأن صنعة السمكري كأي صنعة..