الرئيس وحده يملك مفتاح الحل بقلم:مُنال زيدان
تاريخ النشر : 2019-11-17
الرئيس وحده يملك مفتاح الحل

المتتبع لمسار منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وحركة فتح وفصائل المنظمة بشكل عام بعد اوسلو ، يلتمس التغيير الجذري في النهج والسياسة الفلسطينية المشتتة ،وإن كان ثمة مبررات لتوقيع اتفاق اوسلو لدى فريق السلطة فهناك تحفظات للفريق المعارض ،ففريق السلطة يعتبر اوسلومتطلب مرحلي نتيجة التغيير في الفكر العربي والدولي والاقليمي ،ورغم قناعة قادة الحركة الذين هم أنفسهم قادة المنظمة والسلطة ، أن لا رهان على الاسرئيلين ، لكنهم من وجهة نظر أخرى اخطأوا في التقديرات حين رموا كل بيضهم في سلة اوسلو ، ورهانوا عليها، على حساب الجماهير اولا ،وعلى حساب شعبيتهم ثانيا ،وثالثا على حساب وحدتهم مع فصائل العمل الوطني ، مما حذا بالتيارات الاسلامية لإستغلال اخطاءهم لتستحوذ على تاريخهم ، وتنَصب نفسها بديل عنهم ، ليس بفعل انجازات الحركات الاسلامية ، بقدر الاخطاء المتراكمة دون حسيب ولا رقيب ، وعدم المراجعة الجادة للوقوف على الاسباب والمسببات لتأتي حماس للحكم عبر الجمهور وعبر اصواتهم التي منحوها بثقة عبر صناديق الاقتراع كتفويض شعبي لها.
لم يتم الوقوف على اخطاء الفترات الماضية ، والبدء يمشروع استصلاحي ينظف التراب المتراكم ، ولم يحدث أي تغيير في صفوف الحركة فغرقت السفينة بكل ما فيها ، ولم يتحرك الرئيس ابو مازن وقيادات فتح لإنقاذ ما يمكن انقاذه واكتفوا بالتثبت بالسلطة على حساب معالجة الورم الذي يزيد تورم في جسد السلطة وفريقها .الذي قد يؤدي الى نفس سيناريو انتخابات 2006 وما فرزته من فوز ساحق لحركة حماس.
قد تكون اوسلو الشعرة التي كسرت ظهر الجميع ،واوجدت الشرخ في وحدة الفصائل المنطوية تحت مظلة المنظمة ،ولكن وفي المقابل اوسلو اصبحت أمر واقع وانا على ثقة أن توحيد فصائل المنظمة سيجد نقاط التقاء ومعالجة لبعض الاخطاء التي من خلالها نستطيع وضع برنامج وطني نلتف حوله ، ليس مهم من يؤيد ومن يعارض فهذه ظاهرة ايجابية المهم ماذا بعد ذلك ، كيف نستطيع أن نلجم هزائمنا السياسية ونحولها لنصر ، وكيف نستثمر سياسيا لمصلحة الشارع وهمومه وكيف نعيد للمنظمة هيبتها وللسلطة قوتها وشفافيتها وللفصائل وحدتها ، للجم المشروع الديني للاحزاب الاسلامية السياسية التي باتت قوة وبديل عن المنظمة والسلطة.
فمن الخطأ الاعتقاد أن حماس فازت بالانتخابات التشريعية بفضل قوتها الجماهيرية أو برنامجها الانتخابي ،بل بفعل اخطاء المنظمة والسلطة وتشرذم موقف وسياسة فصائل المنظمة وتناحرها فيما بينها ، مما مهد لها الطريق للوصول الى ما وصلت إليه ، هذا التمهيد مهد لمرحلة خطيرة في مسار القضية الفلسطينية وأثر بشكل مباشر على المنظمة والسلطة محليا واقليميا وعربيا ودوليا .
فحماس والجهاد فشلا باسقاط اوسلو بقوة السلاح والعمليات الجهادية ولكن نجحا بتهميشه ووضعه على الرف ، ونجحتا باسقاط النظام الفلسطيني منذ تاسيس منظمة التحرير مرورا بتاسيس السلطة وقد كان العنوان يخفي في مضمونه المغزى الحقيقي وهو ليس اسقاط اوسلو لكن اسقاط المنظمة وفرض اسم الحركة كقوة ذات وزن وبديل عنها، فدخلت حماس على خط المنظمة وسياستها وبعثرت اوراقها وتاريخها النضالي ووحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني وأياً كانت التبريرات كانت المنظمة والسلطة تبحثان عن مبررات وحجج واهية سطحية لتبررهذا الفوز الساحق لحركة اسلامية يقودها مجمموعة من الهواة والمهوسين بالدين والخلافة والإمارة الاسلامية ، لم يتعدوا كونهم خطباء مساجد ، ولم تبحث في الجذور والاسباب والمسببات لهذا الاخفاق مما ترتب عليه تبعات سيئة للقضية وللشارع الفلسطيني ،ليخسروا ما تبقى لهم من الشارع الفلسطيني ووحدة فصائل المنظمة ،انهم كمن اشترى النوم في منتصف الليل ، حتى جاء يوم الحساب يوم الاستفاقة من لحظة الغفوة ، فيسقط المجلس التشريعي وتسقط غزة في قبضة حكم حماس ، وتصبح أمر واقع سواء شئنا أم ابينا .
لا احد ينكر أن عصب القضية الفلسطينية وعمودها الفقري هو حركة فتح وهي ضرورة وطنية لكنها تحولت بفعل الاخطاء الى ضرورة وجودية لصعود التيار الاسلامي وفوزه في الانتخابات ليس فقط بسبب الاخطاء بل بسبب التجاذبات والكولسات والتهميش وتيارات موالية وتيارات مضادة داخل الحركة التي لم تتعلم من الانتخابات التشريعية 2006 التي افرزت فوز ساحق لحركة حماس ، ليس بعدد الاصوات انما بعدد اخطاء حركة فتح التي ذهبت اصواتها للمرشحين المستقلين على حساب مرشحي الحركة علما أن المستقلين الذين ترشحوا للتشريعي ينتمون لحركة فتح في الوقت الذي وقف كل اعضاء وقيادات ومؤيدي حماس خلف ما فرزته الحركة من قيادات مرشحة للتشريعي.
ثمة شك كبير بجاهزية حركة فتح لخوض الانتخابات والشك الاكبر يكمن بالتفاصيل لا بالعناوين والتصريحات ، وثمة جدل ونقاشات حادة داخل الحركة وداخل الشارع بمدى استعداد الحركة للانتخابات ، وجدل حول الحالة التي تعيشها حركتهم من تفرد واستهتار وتهميش وفصل للكثيرين من اعضائها ، وممن اصبحوا خارج المؤتمرات والاقاليم التي تجاوزتهم بلا سبب نهيك عن الحردانين والمعارضين لسياسة الحركة ولسياسة السلطة كما ستدفع الحركة ثمن التقاعد القصري للمئات من الموظفين اللذين يرون أن تقاعدهم باطل وبغير حق ،والتناحر بين الاجهزة وبين اعضاء المركزية وخلافات فتح داخل السجون مع قيادتها بالضفة وهي مسائل يجب علاجها ، فالمشكلة هذه لها سنوات مؤجلة ، والمشكلة حين تؤجل تصبح أزمة فهل فتح قادرة على الوقوف على كل هذه الإشكاليات في الفترة القصيرة المرتبطة بالانتخابات .
لا يمكن لفتح أن تنهض ما لم تنفض الغبار الذي تراكم طوال السنوات الماضية من على جسدها ،على فتح اعادة ترتيب صفوفها داخليا وتتصالح مع جماهيرها واعضاءها ومؤيديها والاهم توحيد الموقف الفتحاوي في الخارج ومع قيادتها في السجون ومن ثم التصالح على برنامج سياسي ولو بالحد الادنى والمشترك مع فصائل المنظمة ، خاصة الجبهتان الشعبية والديمقراطية ، والاتفاق على صيغة مشتركة ضمن الجامع بينهما لاعادة دور المنظمة ، بدل فرض الهيمنة ومعاقبة كل من يخالفهم الرأي ، كقطع الاستحقاقات المالية عن رفاقهم كخدمة مجانية تصب في مصلحة حماس فقطع الاموال وكافة الحوافز كما حدث ويحدث مع الجبهة الشعبية سيؤثر يشكل سلبي على العلاقات التاريخية بينهما ، كما وكأن فتح تدفع الفصائل للارتماء بحضن التيارات الاسلامية نكاية بالسلطة وفتح .
على الرئيس ابو مازن الاسترخاء والجلوس مع نفسه والتفكير جيدا ويبدأ بالبحث عن اسباب الاخفاق سياسيا وتنظيميا وجماهيريا وأن يضع النقاط على الحروف ، ولا أحد قادر على قيادة المرحلة وتغير الاتجاه وتصحيح المسار إلا الرئيس الذي بيده مفاتيح الحل ،فعليه ضبط الاشرعة والبوصلة نحو البدء بترتيب حركة فتح اولا ،والانطلاق نحو الاخرين خصوصا وحدة فصائل المنظمة ، حتى تعود حركة فتح ضرورة وطنية على كافة الأصعدة ، ضمن سياسة توافقية ، وليس تكتيكية كمن يأخذ إبرة خافض الحرارة مؤقتا لكنها لا تعالج الجرح والمرض.

مُنال فهمي زيدان