واقع وآفاق العلاقة الفلسطينية - الهندية؛ أوجه الدعم وآفاق التعاون بقلم: د. ريان درويش السلوادي
تاريخ النشر : 2019-11-17
واقع وآفاق العلاقة الفلسطينية – الهندية
- أوجه الدعم المقدم وآفاق التعاون الممكن -
-الورقة الأولى-

د. ريان درويش السلوادي
دكتوراه في الاقتصاد والعلاقات الدولية/ EU
مدير العلاقات الدولية الثنائية والمتعددة/ وزارة الاقتصاد الوطني
(وكاتب مقالات في مواضيع الاقتصاد والتجارة والعلاقات الدولية).

مقدمة
إن العلاقة التاريخية التي تربط البلدين وقيادتهما وتربط الشعبين الصديقين الفلسطيني والهندي تتصف بالعمق، وتتصف بالدعم الثابت والمتجذر من قبل أكبر ديمقراطية في العالم لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة لاسيما حقه في تقرير مصيره وفي دولة مستقلة بمكوناتها المعروفة.

إن الدعم الثابت والمتجذر أعلاه هو دعم مبني على توافق هندي وطني شامل تجاه القضية الفلسطينية وليس على حزب أو دين أو تيار معين، حيث يظل متصدرا للأجندة السياسية الهندية.

وفي موضوع المستوطنات، فإن الهند تعتبر أن المستوطنات في الضفة الغربية مقامة على أراض فلسطينية وليست أراض إسرائيلية، وترى في تشييدها خروج فاضح على نصوص الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لاسيما "أوسلو"، وأن إدخال المنتجات الإسرائيلية للسوق الفلسطيني من جهة ومنع أو إعاقة دخول المنتجات الفلسطينية للسوق الإسرائيلي من جهة أخرى، وكذلك إغراق السوق الفلسطيني بمنتجات المستوطنات هو خرق كبير وواضح لبروتوكول باريس الاقتصادي.

إن بناء الصداقة التاريخية بين الهند منذ استقلالها وفلسطين وشعب فلسطين يعود لدوافع مبدئية وهي الأساس، ولدوافع وداخلية، ولدوافع أخرى ترتبط بمصالح الهند القومية.
فالدوافع المبدئية والتي تمثلت بالمواقف المبدئية أو بالنهج الذي اتبعه كل من المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو، والذي أضحى مصدر إلهام لأجيال كثيرة ومتعاقبة من الهنود على الأصعدة الفكرية والحزبية والسلوكية والثقافية والشعبية.

إن الدوافع المبدئية أعلاه لقادة ومؤسسي الهند لاسيما غاندي ونهرو قد قادت الهند في زمانهم وعلى كافة المستويات نحو تأييد كفاح عرب فلسطين من أجل نيل حقهم في تقرير المصير والتحرر من نير الاحتلال والحصول على الاستقلال، والذي تحول لاحقا إلى ثقافة عامة وشعبية لدى مئات الملايين من الهنود الهندوس عبر عقود من الزمن فضلا على وجوده أصلا لدى عشرات الملايين من الهنود المسلمين.

ولا يفوتنا أن من مكن المحتل ودعمه بكل الوسائل ورسخ قواعده في فلسطين، هو ذات المستعمر الذي غزى الهند ونهب ثرواتها وأذل شعبها واستغله أسوأ استغلال وارتكب فيه الفظاعات وعمل على زرع الفتن بين مكوناته عدة مرات.

أما الدوافع الداخلية فتمثلت في عدم استعداء أكثر من 250 مليون مسلم هندي متعاطفين لأسباب دينية وقومية ومصيرية وتاريخية مع فلسطين وشعبها وقضيتها ومواقعها المقدسة، وأنها محتلة وينتهكها المحتل بشكل يومي ودائم على مسمع ومرأى من العالم ودون أن يتحرك أحد بشكل فعلي على الأرض، ومحتلة من قوم غضب الله عليهم وذكرهم في مواطن كثيرة من القرآن واستعدوا الرسول محمد (ص) وقاتلوه في عدد من الغزوات وحاولوا اغتياله بطرق ومواقف عدة.

أما الدوافع التي ترتبط بمصالح الهند القومية ومنها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فإنها تعود إلى أهمية الحفاظ على استرضاء العرب وعدم استعداء الدول العربية خاصة وأن تلك الدول تستضيف ملايين العمال والموظفين الهنود الذين يمثلون مصدر رزق رئيسي من العملة الصعبة للهند التي تقدر بالبلايين، لاسيما منذ بداية الطفرة النفطية في الخليج العربي والتي مازالت تجتذب الكثير من العمالة الهندية وفي مختلف الوظائف.

في الماضي، على سبيل التذكير، عارضت الهند قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الخاص بتقسيم فلسطين، وبالتالي عارضت إقامة دولة الاحتلال فوق أرض مغتصبة. كما لم تقيم الهند علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلا في سنة 1992 بعد أن قررت منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بإسرائيل.
ولا يفوتنا التذكير بأن جمهورية الهند كانت أول دولة غير عربية تعترف بدولة فلسطين بعد إعلان الاستقلال عام 1988.

وفي الحاضر، دائما ما تؤكد الهند وفي كل لقاء ومناسبة ومحفل على أن الاحتلال الإسرائيلي هو من يشكل العائق الأساس والفعلي على الأرض أمام محاولات الهند المستمرة في تطوير علاقتها الثنائية مع فلسطين وفي زيادة وتنويع أوجه الدعم والتعاون الفعلي مع الشعب والقيادة والمؤسسات الفلسطينية وفي مختلف المجالات خاصة في مجالات الاستثمار والتجارة، وهي عوائق يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الأرض وبحجج واهية رغبة منه بأن يبقى الاقتصاد الفلسطيني في حالة تبعية مطلقة لاقتصاد إسرائيل.

. . . يتبع في الورقة الثانية إن شاء الله

والله الموفق
المعلومة كالشمس حق للجميع