أبجديّات وطن نازح بقلم:نادين فراس ياغي
تاريخ النشر : 2019-11-17
نادين فراس ياغي
نادتني راية الترحال، واستوت الجبال طريقا امام هزل عيناي، مزقتني احشاءي وومضت بدمها علاماتٌ على خارطة قدماي، كهوف متنوّرة بغثيان الافكار في انتظاري، وخنادق من تابوت الاموات تتلثّم بقنوط حكاياتي، ترسو الخطوات في ميناء الماضي وترقد الايام بدورها متناغمةً مع سكينة مياه الزمان العكرة، تتلاشى الثواني منكسرة تحت امواج كل مكان كاد ان يقيّدني ويكبّلني بسلاسل من الحريّة..والراية ترفرف في سماءٍ يشقّ رحمها مولود شرهٌ للحياة تحت طيف سباتي..والغيوم تتسلّل حول مصرع مقلتيّ ضبابا ملتفّا كمشنقة حول عنقي..أُلبّي نداء صرخات الارق التي ارتسمت سرابا في وسط صحراء السكون المقفهرّة في نزاعها مع واحةٍ من نسج خيالٍ أُميّ الوجود..فأغرق في دوّامة من بياضٍ ناصع يُعمي المستحيل بنثراتٍ مسروقةٍ من المحال..فاجد نفسي في جوف المجهول قبل ان يغرزَ تاريخه إرثاً في تراب الوصول..اقترابٌ بعيدٌ يحكمُ ترحالي..وما تزال الراية تدنو من هيكلٍ قدسيّته مفقودة..ابتعادٌ قريبٌ يغمر كأس مدامي..وقطرات الارتواء جفّت سكرتها هباءً دون انتشاءٍ مزعوم..حكاية تلو حكاية تسردها خفافيش الليل والقمر خانعٌ تحت حكم فضاء الفوضى يتخبّط بقيود الشّهب المتجانسة في فراغٍ يملأها حبّا مهزوما قبل السقوط..وأنامل السنابل الذهبيّة تتراقصُ فزعا في حقول نيران البطش كلّما مددتُ يدي لتلتمس جزيئاتٍ من خلجاتي المتسارعة في مكانها، خلف قضبان زنزانة عقلي المهترئ امام جذور الوطن المشتعل..سنين مضت ولم تمضي فكيف الخروج..فالانعكاس قد أيقن ان ملايين الشظايا لن تلملم فحواه في مرآة الحساب، حيث أنّ وقودها يضرمها اشتياقا ناريّا لجسدي المتلثّم تحت قناع جلدٍ تآكلته تجاعيد الضنك والشجن..سنين لم تمضي ومضت عبثا فكيف المكوث...سنين تتبعها سنين وطائر سنوّ وجداني يُقطّع جناحيه اربا ليحّلق هبوطا وراء قسم خيانة النفس لنفسها أمام مذبح الوعود..لك سلامٌ ايتها الروح السفيهة فكل عروش الممالك تستهويكِ دون صولجان يأويكِ من الوحوش..سلامٌ عليكي حتى مطلع الفجر فالضُحى قد عجز في سباقه مع دوران الارض، وسجد خاشعا ليتوب عليه الصباح قبل ان تتنفّسه الشمس شروقا مزعوم..اسدلي ستارة عينيك كفنا، فالمنية تتوراى خلف هضبة الصيرورة وما عليك سوى البلوغ..فلسطين أنجبتك وطنا مخلّدا فلا تفزعي من كَربِ الوَحشة ابدا مهما اشتدّت ألوان الجزوع ، والقدرُ قد أهداك الشّهادة عرسا، فلا خيارَ اماك سوى التشبّت بزيتونة الصّمود..ادركي غايتك دوما.. وإن اضطررتي للّجوء، كوني على يقينٍ ثابت بأنّ الامل لن يكلّ عن احتضانك ولو عشتِ الحياة شتاتا وغيابا حتميّ الرجوع.