تشرينُ غزّة يناديكم بقلم: معتز عبد العاطي
تاريخ النشر : 2019-11-17
تشرينُ غزّة يناديكم بقلم: معتز عبد العاطي


تشرينُ غزّة يناديكم
بقلم/ معتز عبد العاطي

شتاءُ تشرين الثاني، وغمامُه المحمّلُ بشرايينِ الشّعب الفلسطيني، تنزفُ لتروي أرضًا صالتْ وجالتْ بها تضحياتُ الأحرارِ الذين ركلُوا الدنيّة واستمسكوا بالعزّة والفخارِ، وزيتُ تشرين الذي يروي حكايةَ ردٍ اتسعتْ بقعته لتطالَ أراضينا المحتلةَ، وتحيل حياةَ الذين ظلموا واستقووا وتجبّروا على شعبنا الفلسطيني المكلوم.

حكايةٌ تكلّمت فيها الحجارةُ المتناثرةُ بفعل هجماتِ الإرهاب الإسرائيلي، ونطقتْ حناجرُ الرّضعِ والشيوخِ الركّع، وشهدت عليها بلابلُ شرفاتِ غزة، التي صمدت وما خضعت وما سلّمت وما استكانت، أمام محتلٍ جبانٍ استهدفَ الأطفالَ والشيوخَ والنساء بلا أدنى رحمةٍ بدمٍ ساخنٍ حاقدٍ مُعلنٍ.

تشرينُ يروِي حكايةَ شعبٍ مظلومٍ مكلومٍ، يروي حكايةَ طفلةٍ فقدتْ أباها وأمّها في ليلةِ عيدِ ميلادِها الأخيرِ بين حضنيها الدافئين، فانطفأت الشّموعُ وبلّلتْ الدماءُ والدمّوع حلوى العيدِ، وباتت وسادتُها قبريهما الباردين، تشتمُ عبقهما ممزوجًا بالدّمِ والشّهادةِ، يحيطُ بها الياسمينُ ونسماتُ الرّاحلين، وهي تتجرعُ كأس الفقدِ والحرمانِ.

وتستمرُ المجزرةُ الإسرائيلية، لتطال 34 فلسطينيًا قضوا فرادى وجماعات نحو الخلودِ، يرسمون فردوسَ على الأرض طارتْ بهم ملائكة السّماء نحو عليين، ويكتبون بمحبرةِ صُنعت من عظامهم، وحبرها الدّم، بأنّ الشّهداء يرتقُون والإجرام الإسرائيلي يسقطُ، وأن جراحَ "أحد" ما زالتْ غائرة، وأن الكرّة للثأرِ ممّن غدروا ثم غدروا ثم غدروا.

فجرُ تشرينِ تبعُه صباحٌ مسفرٌ بضيِّ زيت قناديلِ عائلة كاملةٍ قضت نحبها، انتشلت من تحت ركامِ القهر والظلمِ، رجالًا ونساءً وأطفالًا، في أبشع المجازر التي شهدتها البشرية في العصر الحديثِ، والحجّة والادعاء جاهزان لدى قواتِ الاحتلال الإسرائيلي.

تشرين ما هو إلا جولة من جولاتِ الحق والباطل، الظالم والمظلوم، المُحتِل والمحتَل، بين أصحابِ الأرض وبين العابرين المستبدين، بينَ المدعومين أمريكيًا والمتواطئ معهم دوليًا وعربيًا، والمتخاذلين، وبين الذي يقاتلون دفاعًا عن أرضهم المتخلي عنهم، يجعلون من شرايينهم وقودًا للحقِّ في المقاومةِ.

تشرين يخبرنا بأنّ مهما حاول الاحتلالُ وأعوانه بأن يفرّق جمعَ، من جمعتْ بينهما الدّم والشهادة، وكانت هذه الأرض شاهدة عليهم، فلن يستطيعوا أن يشقوا عصا المقاومة، فواهمٌ من يعتقد أن بعضًا من تقديرٍ وتكتيكٍ "ربما" سيمزّق صفحاتِ الجهادِ الطويلِ والعملياتِ المشتركةِ.

فمقاومةُ الاحتلالِ باليدِ واللّسانِ والقلبِ، فإذا أرادَ القاعدُ أن يخدمَ شعبه ومقاومته، أن تكونَ كلماتُه وحدوية تجمعُ شملَ الأحبّة وإن اختلفت التقديرات والاستراتيجيات والتكتيكات لبعض الأحيان لسبب ما لا يعلمُه إلا اللهُ وأصحابُ الميدانِ والخبرةِ في القتال.

إنّ المستفيد الأكبر من الاختلاف الفلسطيني – الفلسطيني ولاسيما المقاومون هو الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى دومًا لتشتيت شملَ الفلسطينيين، وهو أكبر إنجازٍ له في العقودِ القادمة، فها نحنُ نرى الكوارث الذي خلّفها الانقسامُ الفلسطيني بين الأحزاب الفلسطينية، فلقد أعطت الاحتلال الكثير من الإنجازات المجّانية.

إن لحظات الغضبْ الفوريّة، و ردّة الفعل السريعة، قد يندم عليها الإنسانُ طويلًا، فالتأني في الحكم على النّاس، من شيم ديننا الحنيف وهذه في الأمور المعروفة لدينا، فما بالك بما يجهله كثيرٌ من النّاس في الشأن المقاوم والعسكري، فهناك خبايا كثيرة وأسرار وفيرة، المقاومة في غنى عن الإفصاح عنها.

فإن الصّمتَ عبادةً كبيرة وخدمة جليلة يقدّمها المتحدُّث لشعبه وخاصة خلال الأزمات والحروب والمواجهات التي تتطلبُ الكثير من الحكمةِ في التعامل مع "الخطاب الإعلامي" الذي سيؤثر على كثيرٍ من الشرائح والفئات سواءً إيجابًا أو سلبًا، فإن لم تكنْ كلمتُك توحّد فلا داعيَ لها، حتى ولو كانت ظاهرًا صحيحة.

وأخيرًا.. الصّفوفُ ملتحمة، والجهود موحدّة بفضلِ الله في مواجهةِ هذا المحتّل، وإن أصابها بعض الاعوجاج فستسوي، فالمقاومةُ أوعى وأجدر وأقدر في التعاملِ مع الفتنِ وصيحات التشتت ونداءات الاختلاف، رحم الله شهداءنا وشفى جرحانا ونصر الله شعبنا على المحتل المجرم.

معتز عبد العاطي
ماجستير صحافة