الجوهرة التي تفتقدها القضية الفلسطينية اليوم بقلم:د.عبدالوهاب القرش
تاريخ النشر : 2019-11-17
الجوهرة التي تفتقدها القضية الفلسطينية اليوم بقلم:د.عبدالوهاب القرش


الجوهرة التي تفتقدها القضية الفلسطينية اليوم

إذا تساءلنا:ماهي الجوهرة التي تفتقدها القضية الفلسطينية اليوم؟وما هو السلاح الحقيقي الذي حرمته فخانتها الانتصارات رغم الأسلحة والعدة، من صدق القضية ، وفصاحة ألسنة الزعماء ونصاعة بيانهم ، وروعة كلامهم ، وكثرة المنابر الإعلامية ،  وإجادة الكُتاب المنافحين عن القضية فيها  ، واتقانهم لفنون تحريك الأقلام.وإمكانات إقامة الاتصالات والوسائط المادية لخطباء القضية ونباهتهم ولمعان شخصيتهم..وما إلى ذلك؟

إذا تساءلنا عن ذلك ، كان الجواب:إنه الإخلاص الذي عز وجوده في كل مسؤول – أفرادًا وجماعات– اليوم، فإذا ألقينا نظرة على الأفراد والجماعات الذي  أقسموا اليمين وعاهدوا الله قبل الناس على خدمة القضية الفلسطينية ، وجدنا أنها لا تهمها – إلا ما رحم ربي- القضية الفلسطينية وإنقاذ القدس ، وإنقاذ الشعب الفلسطيني مما يعانيه من شقاء وعذاب، بمثل ما تهمها المصالح والأغراض الشخصية أو الجماعية، وسيادة الشخصية وتضخمها ، والرغبة في الشهرة ، وتأكيد عظمة الذات ، وإعلان كونها مخلصة لله وللقضية ، وإعلام الناس بمؤهلاتها الثقافية والفكرية وتكثير الأعوان والأنصار ؛ إن ذلك كله هو الشيء الذي يستنفذ جهد القائمين في حقول القضية الفلسطينية ، ويشغل همهم ، أكثر من العناية بالقضية الفلسطينية ذاتها.

أرى ويرى آخرون اليوم لو أن مسؤولاً سياسيًا قام بزيارة لدولة ما وجلب دعمًا ماليًا بمجهود فردي لحزبه أو جماعته تهتم الصحف المعنية ، بوصف يديه المقدستين أكثر من الاهتمام بنشر خبر هل وصل الدعم المالي لمستحقيه، أو تعتني بوصف ذلك الحزب أو تلك الجماعة التي ينتمي إليها وإضفاء النعوت عليها أكثر من بيان معاناة مستحقين آخرين والوعد بتلبية احتياجاتهم..ياسيدي الزعيم سافرت لدولة ما وجلبت ما جلبت فكن متواضعًا فالمصطفى - صلى الله عليه وسلم-  قد أعرج الله به إلى أعلى عليين حتى وصل سدرة المنتهى وكلمه الله دون حجاب ، وجلب معه للأمة أفضل مما أتيت أنت به لقد أتي بالصلاة التي هي صلتنا بالله وهي عماد الدين ، ولما عاد لم يعمل شو إعلامي بل كان يقول -بكل تواضع-:" أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد"..فيا أيها السادة أليس لكم فيه -صلى الله عليه وسلم -أسوة حسنة.

يا أيها الزعماء يأصحاب القضية الفلسطينية: إن هذا الاعتناء بالأغراض والمصالح قد أضر بالقضية الفلسطينية أكثر من أي شيء آخر ، وهو الذي أضعف مفعولها وأفقدها تأثيرها المطلوب فلا نرى نجاحًا يذكر، ويتفق مع حجم كل هذه الوسائل والإمكانات التي تتمتع بها ، ولا نلمس لها من النتيجة ما يقابل كل هذا الضجيج والصخب والحركة التي تحشو مسامعنا كل حين وآن.

ولا نرى أن كل الأفراد والجماعات والحركات التحريرية تكاد تصنع بالمجموع في القضية الفلسطينية ما كان يصنعه في الماضي تاجر بسيط أدخل بلادًا بأكملها - في شرق آسيا - في الإسلام فعل ذلك وهو أعزل من الأسباب والوسائل ، خال من الأبهة والفخفخة التي يملكها الأفراد والجماعات السياسية ، ولا يملك طلاقة اللسان وروعة الكتابة وسعة الثقافة وما يملكه الزعماء السياسيون اليوم كل ما كان يملكه هو الإيمان بالله والإخلاص والإيمان بوعد الله لمن يدعو لدينه.. أو ذاك الملازم المسيحي في جيش الاتحاد الأمريكي الذي سافر إلى الحدود الأمريكية نحو موقع عسكري نائي، ويقابل مجموعة من هنود اللاكوتا واستطاع أن يقنعم ويضم أقليمهم إلى الولايات المتحدة..

ولكن الفارق الأساسي بين الأمس والزعماء الفلسطينيين اليوم – إلا من رحم ربي – هو الإخلاص الذي كان أقوى أسلحة أصحاب القضايا والذي أصبح الكثير من الزعماء اليوم مفلسين فيه.

إن القضية الفلسطينية لن تعطي المفعول الذي كانت تعطيه في الماضي مالم يرجع كل سياسي وزعيم مسؤول فلسطيني – أفراد وأحزاب وجماعات- أدراجه إلى هذا السلاح الأمضى الذي سيكسب به الميدان مهما فقد من الإسلحة والمعدات.
       د.عبدالوهاب القرش

  باحث في العلوم الإسلامية