زياد عبد الفتاح في صاقل الماس يفتح السيرة على كوامنها
تاريخ النشر : 2019-11-16
زياد عبد الفتاح في صاقل الماس يفتح السيرة على كوامنها


زياد عبد الفتاح في صاقل الماس يفتح السيرة على كوامنها
بقلم : سليم النفار
زياد عبدالفتاح الكاتب الجميل ، و الاعلامي  الكبير الذي كان على مدار عقود ، قريباً من مستودع أسرار القائد ياسر عرفات ، والصديق الحميمي لايقونة فلسطين : الشاعر الراحل محمود درويش ، لم يكتفِ بما كتبَ من رواياتٍ شيقة ، وسيرة الرحلة الاعلامية والنضالية داخل أروقة وكالة الأنباء الفلسطينيية " وفا "  وتفاصيل أخرى داخل بيروت أثناء الاجتياح وفي عواصم عربية وعالمية ، حيث كان يجوبها في مهامٍ متعددة ، ثقافية و اعلامية أو برفقة صديقه الكبير درويش ... نعم لم يكتفِ بنقل عوالم التشرد والقهر ، التي تطارد الفلسطيني في البلدان والمطارات المختلفة ، فجاء اليوم بكتابه الجديد " صاقل الماس " ليفتح أعيننا على مشاهد متعددة من رحلة درويش ، في تفاصيل و تدابير حياة لا أحد يعرفها غيره ، وبلغة  شيقة يعرض زياد تفاصيل الحياة اليومية ، والمواقف الثقافية والسياسية والانسانية ، للراحل محمود درويش .

صاقل الماس جزء من سيرة محمود درويش ، المرتبطة بالحراك الثقافي والسياسي ، لدرويش والتي لم تكن بعيدة عن مجهر زياد عبد الفتاح ، فكيف تكون كذلك ، وهو الصديق الصدوق الذي رافقه في كافة المواقف ، من بيروت تحت القصف ، وفي أزقتها المشتعلة آنذاك بنار الحقد الاسرائيلي ، حيث كان زياد مع محمود ومعين بسيسو وآخرين من الكتاب الفلسطينيين واللبنانيين ، يتدبرون اصدار صحيفة المعركة ، التي لم تكن لتصدر لولا دأب زياد وجهده المتواصل ، سواء مع السياسيين أو المثقفين هناك ، وفي جحيم الحصار هناك يروي زياد تفاصيل ومواقف من حياته أو حياتهم مع محمود والمواقف المختلفة هناك ، في لحظات الموت الذي كان ينشر غلالته على كل البلاد .

ليس هذا وحسب ... وهناك في البعيد البعيد في تونس وفي اليمن وفيينا ، كان زياد ومحمود رفقة عمر لا تتوقف عن البحث نحو الأجمل ، في اضاءة الأمل على المستوى الوطني ، من خلال متابعة شؤونٍ خاصة باتحاد الكتاب ووحدته ، وتفاصيل أخرى ذات صلة بصحة محمود وانتكاساتها المريرة ، أو بحث الاثنين معاً عن معنىً جديد في الحياة .

صاقل الماس يتعرض لتفاصيل التفاصيل اليومية ، في حياة الشاعر درويش بعد خروجه من الوطن ، وعلاقاته المختلفة مع السياسي والمثقف ، ورؤيته للشعر ودور الشاعر في خضم العملية الكفاحية الممتدة ، ولا ينسى زياد في هذه المساقات أن يضع جمهور القراء  في تفاصيل المعيش اليومي لدرويش : ما يحب وما لا يحب ... وكيف يُدير حياته اليومية ، وعلاقاته المختلفة من صناعة قهوته الى صناعة النص الأجمل الذي بقي حريصاً على ايصاله للمتلقي ، محمولاً على ثقافته ورؤاه الحياتية والوطنية .

وربما ما يثيرنا في هذه السيرة – ليست التفاصيل السياسية والثقافية وحسب – بل طريقة التفكير بالآخر عند درويش وتحسسه لهموم وشجون زملائه ، من نخبة الكتاب والمشتغلين في حقل الثقافة .

يُطلعنا زياد في صاقل الماس على مكنونات الداخل الدرويشي ، والبسيط اليومي في حياة قامة كبيرة في عالم الأدب والابداع .

حكايات متعددة تتناول سلوك الشاعر ، المُرهف تجاه المرأة والأطفال ، وهو الذي كان عازفاً عن الارتباط بالمرأة  كزوجة ، لأن أحاسيسه لم تستطع احتمال التخيل ، لأي فقدٍ ينعكس سلباً على حياة المرأة التي قد يرتبط بها ، أو الاولاد الذين سيكونون له ... حساسية الشاعر الذي ينخرط في لهيب تفاصيل الفلسطيني المُعذب ، الذي لا يقرُّ ولا يستقرُّ على حالٍ ، في اشتعالات المواقف والاتجاهات السياسية التي تحيط به .

ضجر الشاعر من تفاصيل اليومي الذي لا يوافق هواه ، وهروبه الى النرد يُحاور جولة حظٍّ ، مع صديقه زياد ، لعلها تُخرجهُ من حالة ما ، وأحياناً يكون النرد تزجيةً لوقتٍ لابد منه .

و في كل تلك التفاصيل التي ، يُلامسها الشاعر بارادته أو مصادفة ، تُظهر حساسيته وانسانيته العالية تجاه الأصدقاء وعموم المحيطين به ، أو المُطلُّ على حيواتهم ، فلم يدخر جهداً في هذا الاتجاه ، لتقديم العون للكتاب الفلسطينيين والعرب ، من خلال المؤسسات الثقافية والوطنية ، وكان زياد بوابته في ذاك الاتجاه .

صاقل الماس الذي يستعرض كلَّ ما ذكرت ، يلج الى نصوص من شعر درويش ، مُسشهداً فيها على مراحلٍ معينة ، ويُحاور لغة درويش بلغةٍ تؤكد وعي زياد النقدي ، وحساسيته تجاه الشعر وفهمه العالي له ، اضافة الى دخوله الى نص درويش السردي في القهوة ، الذي يستبطن فيه المعاني الفريدة ، تلك التي يحاول درويش عرضها بثوبٍ جديد ، ومفاهيم جديدة عن القهوة على قارىء العربية ، وهنا يفي زياد بوعده للصديق درويش ، من خلال عرض نصه في الحجر ، مع نص درويش في القهوة في هذا الكتاب ، وهي رغبة مشتركة كانت ، بين الصديقين ، كما يُخبرنا زياد في سياق سرده ، في هذا الكتاب  الجامع تفاصيل حياة مشتركة عاشها الصديقان ، وعلى ضفاف تلك الحياة المشتركة أصدقاءٌ كثر ، تحتفل السيرة بهم : أحمد  دحبور الشاعر والمثقف الموسوعي ، ومعين بسيسو الشاعر المكافح الثائر ، المؤمن بدور الكلمة حتى النخاع ، وجليل حيدر الشاعر العراقي المقاتل والمُحب في آن واحد ، و آخرون مرَّ عليهم مروراً سريعاً أو تلميحاً دون ذكر الأسماء ، راصداً المواقف المختلفة للمثقف والحالة الثقافية في تلك المراحل المهمة ، في تاريخ الصراع والكفاح الوطني .

نص في الحجر الذي كتبه زياد عبد الفتاح إبان الانتفاضة الأولى في مجلة اليوم السابع ، والذي يُدرجه اليوم في هذا الكتاب ، هو نصٌ متميز حقاً ، حيث يستعرض فيه المعاني المتعددة للمفردة ، التي تحمل القداسة التاريخية حيناً ،  و أحياناً أخرى معاني الاستخدام المتعدّدة في الحياة واللغة ، وقد أجاد زياد العزف على ذلك التعدد وصولاً الى استخدامه كأداة مقاومة للمحتل ، بيد الشباب الفلسطيني .

ربما بقي أن نقول : بأن صاقل الماس لزياد عبد الفتاح كتاب جدير بالقراءة لما يحمله من تفاصيل عن درويش الشاعر والانسان وللغة الجميلة التي يبدع فيها الكاتب صياغة تلك السيرة .