حرب غزة الحتمية! بقلم:د. ناجى صادق شراب
تاريخ النشر : 2019-11-14
حرب غزة الحتمية! بقلم:د. ناجى صادق شراب


حرب غزة الحتمية!

هل ما شهدته غزه حتى ألان من ثلاثة حروب راح بسببها الآلآف من القتلى المدنيين الأبرياءـ وتديمر للبنية التحتية الهشة أصلا لترفع نسبة الفقر والبطالة والحصار؟ وهل إطلاق الصواريخ والمناورات العسكرية ، والتصعيد العسكرى ، والبالونات الحارقة ، وإستهداف إسرائيل المتكرر لأهداف المقاومة من قبل الطيران العسكرى والإغتيال لقادة المقاومة وهم نائمون ، كله هذه الصور  هل هي من باب التدريب على الحرب تمهيدا للحرب الرابعة والتي قد تتشكل معها مستقبل غزه السياسى؟

تنطبق على غزة مقولتين رئيسيتين  لمنظرين مؤسسين لنظرية الحرب، ألأول ثيوسيديدس مؤسس نظرية القوة والواقعية التي ما زالت تفسر لنا وتجيب عن السؤال لماذا الحرب وحتميتها؟وخلاصة نظريته التى إستمدها من حرب إسبرطه وأثينا قبل 2500 عاما قبل الميلاد أن العلاقات بين الدول منذ ذلك الوقت لم تتغيرومنطوقها ثابت: العداوة ومعضلة ألأمن. وهى التي تحكم السلوك السياسى للدول ، فبقيت سياسة ألأحلاف، وموازين القوى والردع والمفاضلة بين الحرب والمهادنة ثابته.ولا يعنى ذلك سيادة خيار الحرب، لمن لا يغلبه. وكما يقول هوبز أن الجو العاصف لا يعنى سقوط المطر بإستمرار، وإن حالة الحرب لا تعنى حرب دائمه. والمقولة الثانية للجغرافى المشهور كلاوزفيتز أن الحرب إمتداد للسياسة. بعبارة أخرى هدفها تحقيق ألأهداف السياسية في حال فشل كل الوسائل الأخرى ، تبقى الخيار الحتمى الأخير ، وخصوصا لدول القوة التي لا تؤمن إلا بالقوة وتريد تجريب قوتها.

هاتان المقولتان تفسر لنا حالة غزه المتأرجحة بين الحرب والمهادنه العرجاء.والسؤال أي من الخيارات له المفاضلة وألأولوية ؟ ولماذا. وفقا لنظرية العداوة ومعضلة الأمن سيبقى خيار الحرب هو الخيار الحتمى الذى يحكم علاقة إسرائيل بحماس وغزة ، على أن تحقق الحرب أهدافها السياسية لكل طرف.العلاقة بين إسرائيل وغزة تحكمها حالة العداوة بين حركة المقاومة بركيزتها حماس والجهاد، وهذا الخطاب يزيد من فجوة الصراع ويبعد أى إحتمالات لأى توافقات سياسية إلا في صورة مهادنه تحكمها إعتبارات وحاجات وقتية ، ، وتحكمها حالة أو معضلة ألأمن على إعتبار غزه تقع في دائرة ألأمن الأولى لإسرائيل ناهيك عن ملاصقة غزة لمناطق سكانية قريبه من غزه تجعلها في متناول اى سلاح بيد المقاومةوهى منطقة غلاف غزه ، وهو ما يشكل قوة ضغط كبيره على أى حكومة إسرائيلية للذهاب  للحرب.ومما تعتبره إسرائيل تهديدا لها تطور القدرات المقاومة ، وإمتلاكها لأسلحة متطوره من صواريخ وقادفات هاون وطائرات مسيره . هذا التطور من منظور أمنى إسرائيلى مع منطق العداوة يشكل تهديدا دائما, وفى هذا السياق تأتى الحرب كخيار حتمى لتقويض هذه القدرات وهذه البنية التي تمتلكها المقاومة. والعلاقة بين إسرائيل وحماس لا تحكمها إتفاقات مكتوبه ويبدو أن هذه هي الإستراتيجية التي تفضلها حركة حماس، مما يعطيها هامشا من المناورة أكبر، ولا يمسك عليها إلتزامات مكتوبة قد تنال من صدقية موقفها، وهذا الوضع يسهل العودة للحرب في أي وقت.ورغم حتمية الحرب بين إسرائيل وحماس، فالسؤال اى أهداف سياسية لهذه الحرب؟ وهنا تنطبق عليها مقولة كلاوزفيتز أن الحرب إمتداد للسياسة. فبقراءة الحروب الثلاث التي شهدتها غزة منذ سيطرة حماس عليها عام 2007 فالملاحظ ان هذه الحروب لها أهدافها السياسية سواء من قبل إسرائيل أو حماس. فإسرائيل تريد مقاومة وظيفية لا تشكل تهديدا مباشرا لأمنها، مقاومة تحفظ الحدود،ولا تريد لسلاح المقاومة أن يذهب بعيدا في تطور قدراته وخصوصا الصاروخية منه لأنها تهدد عمق إسرائيل السكنى وألأمنى. ولا تريد ان تتحول غزة إلى حاضنه لتنظيمات تهدد إسرائيل بشكل دائم ،وتريد حماس قوية وقادره داخليا، فهى تدرك أن البديل لها هو حالة من الفوضى والإنفلات ألأمنى ، الذى قد يخرج عن قدرة وسيطرة إسرائيل، فإسرائيل لا تريد العوده لغزة، ولا تريد حكم غزه، وتنظر لغزة على أنها البديل للدولة الفلسطينية ، وان هذالخيار قد يضعف قوة وحجة قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية ، ويضعف حجة السلطة في أنها تملك شرعية القرار السياسى الفلسطيني الواحد.وهذه الأهداف  هي التى تفسر لنا حدود وأبعاد الحروب التي شنتها إسرائيل وأهداف الحرب القادمه التي لن تخرج عن هذه الأهداف. ومن جانبها حماس تريد أن تحافظ على بنيتها وإنجازاتها في غزه، بما تشكله من نواة صلبه لقياك حكم مستقبلى لها بمرجعيتها ألأخوانية, فهناك مصلحة وإدراك في الحفاظ على هذه الكينونة ، وان إسرائيل قادره على توجيه ضربة قوية لها، فلا يمكن مقارنة ما تملكه إسرائيل من قوة بقوة المقاومة. ولكن حماس وإن كانت لا تسعى لخيار الحرب فالحرب قد تجقق لها أهدافها السياسية ، وأهمها رفع الحصار الكلى عن غزه، وبناء منافذ بحرية وبريه لها ، ومن شان رفع الحصار ان يوفر لحماس مصادر قوة كبيره تضمن لها البقاء والإستمراريه. ولكن يبقى السؤال الذى أثاره كلاوتز فيتز اى ثمن سياسى يمكن لإسرائيل وحماس ان تدفعانه تجنبا لحرب وقتيه؟ إسرائيل تعرف أن حماس لن تقدم لها ما قدمته فتح والسلطه من إعتراف سياسى ، فالبديل لذلك هو الهدنه ، والإختلاف حول حدود هذه الهدنه ، وضماناتها التي يمكن ان تقدمها. وحماس من جانبها ومن منظور الحفاظ على تواجدها وبنيتها في غزه لا تمانع في هذه الهدنه دون المساس بقدراتها المسلحة ، والتي في جميع ألأحوال لن تكون حره في تطويرها، وهذا قد يكون القيد الثانى على هذه الهدنه، والقيد الثالث ما تعلق بقدرة حماس على ضبط عناصر المقاومة المسلحة ألأخرى وخصوصا حركة الجهاد اتلى تنامت قوتها بشكل ملحوظ ، وهذا من شانه أن يدخلها في إحتمالات لمواجهات معها. كما الآن بعد إغتيال قائد الجهاد أبو العطا ورد الحركة بكثافة صاروخية قد تخرج الكل من صمام اتلهدئة وتدفع لحرب لا أحد يعرف عواقبها. في هذا السياق الشامل تبدو إشكالية غزه الكبرى في سكانها وفى نسبة الفقر والبطالة ، وفى الإعتبارات الخارجية التي تحكم قرارها. لتبقى الحرب الخيار الحتمى الذى يفرض عليها.

دكتور ناجى صادق شراب
[email protected]