في رثاء ياسر عرفات "السلام عليك سيّدي الرئيس" بقلم:معتز عبد العاطي
تاريخ النشر : 2019-11-11
في رثاءِ "ياسر عرفات" السلام عليك سيّدي الرئيس

معتز عبد العاطي

السّلامُ والرّحمةُ لروحِك سيّدي الرئيسِ، قاتلتْ فلم تتعبْ، وطوردت فلم تهادن، وحوصرتَ فلم تستسلم، السّلامُ عليكَ وأنتَ ترفعُ البندقيةَ وغصنَ الزّيتونِ، السّلام عليكّ وأنتَ تحتضنُ شعبَك كافة، فلم تُقصِ ولم تقطع ولم تعاقب، السّلامُ عليكَ وأنت تقتسمُ رغيفَ الخبز مع الفقراءِ والمهمّشين، وتبنِي فلسطينيًا صلبًا عاتيًا في وجهِ المؤامراتِ والصّعابِ.

سيّدي الرئيس.. خمسة عشر عامًا وما زالتْ كلماتُك قنديلًا يضيء لنَا الطّريقَ، وتذلل لنا الصّعابَ، وأنتَ تنتهجُ نهجَ الأوفياءِ وعهد الشّرفاء ووعد الثائرين في وجهِ الاحتلال الإسرائيلي المجرم، ورغم كل العثراتِ كنت جبلًا لا تهزّه رياحُ الجبناءِ، فرحلتَ شهيدًا بعدَ أنْ فاضَ الكيلُ بالاحتلالِ وأعوانِه، فلا يريدون للثائرِ الصّامد أن يبقى.

"أنا جندي فلسطيني وقبلها كنت ضابط احتياط في الجيش المصري، وأنا لا أدافع عن نفسي فقط بل وأيضا عن كل شبل وطفل وامرأة ورجل فلسطيني وعن القرار الفلسطيني." السّلامُ عليك وأنت تُوحّد الصفوفَ وتدافع عن شعبِك بجسدِك وكلماتِك فوقفتَ في المحافل كلّها تنتصر لشعبِك لا لنفسكِ ولا لحزبِك

السّلامُ عليك أبا عمّار، وأنت تذرفُ الدّموعَ على دماءِ شعبِك في غزة، وتعانقُ كوفيتُك جبال نابلس والخليل، وسهولَ جنين، ونظراتُك ترنو لرفحَ وبيت حانون والشَجاعية، وخطواتُك ما زالت محفورة على بحرِ غزة ورمالها.

"أنتم يا شعبي في الشتات والمخيمات ليس من حق أحد أن يتنازل عن حقكم في العودة إلى دياركم." يا حُضنَ المهّجرين وصوتَ المكلومين وسندَ المخيّماتِ وعمادِ الشتاتِ وصرخةَ الحقِ في وجهِ المتآمرين على قضية شعبنا الفلسطيني، فلم تكنْ تفرق بين فلسطيني وفلسطيني.

"هل هناك أحد في فلسطين لا يتمنى الشهادة، كلنا مشاريع شهادة، فالقصف الإسرائيلي متواصل من الطائرات والمدفعيات والصواريخ ويوميا يسقط شهداء وكل يوم نسمع عن شهيد." لم تكنْ بعيدًا عن شعبِك فروحُك ترفرفُ مع أرواح شهدائه، وعيناه على ياسمين الشّهداءِ وحجارة البيوت المهدّمة بأيدي الاحتلال المجرم، كأنّه يعيش وسط المجازر والأحداث.

-"لن يكتمل حلمي الا بك يا قدس." حلمُه القبابُ والمآذنُ والسّاحات، وقبّة الصخّرة والمسجد القبلي وأزقة القدس، وصوتُ المآذن والكنائس، وقلبُه ينبضُ حبًا للباحاتِ ولأهل القدسِ وشهامتهم ورجالهم وصمودهم وعنفوانهم، كأنه يشد على أيديهم حيًا وميتًا.

هو ليس ككل القادةِ، فهو القائد الظاهرة، الذي لم ينتصر لنفسه، ولم يريد الهتاف لشخص أبو عمّار، فكان يريد الوطن والمواطن، لا أن نسبّح بحمده.. "لا تهتفوا لي بل اهتفوا لفلسطين والقدس، بالروح بالدم نفديك يا فلسطين على القدس رايحين شهداء بالملايين."

"يريدونني اما قتيلا واما اسيرا واما طريدا ولكن اقول لهم شهيدا، شهيدا، شهيدا." رحلَ كما تمنّى مغدورًا شهيدًا، بعد أن بث في شعبه روحَ المقاومةِ والانتصارِ، والشموخ والكبرياء، وأوصاهم بوحدة الدّم والشهادة، وشدّ على أيدي الأسرى الفلسطينيين، والجرحى فكان سندًا لهم في كل المحافل.