المولد النبوي الشريف: فرصة للتجديد الدائم بقلم: إبراهيم عبدالله صرصور
تاريخ النشر : 2019-11-09
المولد النبوي الشريف: فرصة للتجديد الدائم بقلم: إبراهيم عبدالله صرصور


المولد النبوي الشريف: فرصة للتجديد الدائم ...
بقلم إبراهيم عبدالله صرصور****  

النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يعيش فينا جميعا ، وفي كل واحد منا  على حدة ... يعيش فينا وبيننا  بروحه وبسنته  ، برسالته وبسيرته  ، بعبقه وبنكهته ، بذكرياته وبسمته ... لا أتصور وجوداً حقيقيا لهذه الأمة من غير أن يكون الرسول الكريم ممثلها الشرعي الوحيد ، والملهم لها في مسيرة الحياة ، والقائد الأوحد لزحفها نحو بناء الحضارة والسياسة ، ونشر الفضيلة وتحقيق السيادة والريادة  ، والتبشير بالسعادة الأبدية لكل الإنسانية، والخلاص السرمدي لكل الخليقة ... سبب ذلك كما وصف الله تعالى هو أنه صلوات الله عليه وسلامه قطعة من أنْفُسِنا ... من نفوسنا ، وهو كذلك أَنْفَسَنا خَلْقا وَخُلُقاً وأكرم الناس على الله سبحانه ، وأشرفهم بين الخلق والناس أجمعين ... مصداقا لقوله تعالى : " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم . "...      

 مع إطلالة هلال شهر ربيع الأول من كل عام ، تتزاحم المشاعر المرهفة والعواطف الجياشة عند بوابات الذكرى ، تحاول اقتحامها نحو فضاء الماضي ورحاب المستقبل في ذات الوقت ... ذلك لأن الرسول الكريم هو الذي صاغ الأمة في الماضي  يوم قاد أسلافنا من العرب فأخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، ورفعهم من الحضيض إلى القمة ، ونقلهم من صفوف الإنسانية الخلفية إلى مقدمة المسرح العالمي والفعل الدولي ، ومن التخلف الذي هَدَّ كيانهم في كل مجالات الحياة إلى معارج التقدم والازدهار والتطور والمدنية في كل ميادينها الحيوية ... نقلهم بجدارة من عالم النسيان حتى أصبحوا وفي مدة قياسية ملأ بصر الدنيا وسمعها ... 

كما صاغ عليه السلام الأمة في الماضي  ، فهو أيضا الذي أسس لمشروع إصلاح أبدي لكل زمان ومكان ، وهذا ما نحتاجه في هذا القرن حاجتنا إلى الماء والهواء ... على غير ما كان عليه حال الأمم السابقة التي أقامت لها كيانات بسطت نفوذها السياسي والعسكري والمدني قرونا ، ثم أصبحت بعد سقوطها نسيا منسيا ، لا تحس منها من أحد ولا تسمع لها رِكْزا ، يظل الإسلام رغم تراجع دولته وانحطاط ألأنظمة الحاكمة لشعوبه وانتكاس إنجازات أمته ، وفقدان مكانتها التي تستحقها وذلك بفعل أبنائها وأعدائها عل حد سواء ، يظل مشروع الإصلاح الذي أرسى صاحبُ المولد الشريف قواعدَه الرصينة ، الأمل الذي تصبو إليه النفوس وتهفو إليه القلوب كملاذ آمن لكل من يؤمن بقدرة هذه الأمة على العودة إلى موقعها الذي اختاره الله لها في قوله :  " كنتم خير أمة أخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف  وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله .. "... 

المناسبات الإسلامية التي يحييها عالمنا العربي والإسلامي والمتصلة بأحداث مفصلية من تاريخه وبالذات في مرحلة النبوة الشريفة ، والتي لم يرد فيها نص ولا تعتبر أعيادا رسمية بالمعنى الشرعي للمصطلح كعيدي الفطر والأضحى ، كلها مناسبات تتوقف مشروعيتها على مدى ما تقدمه من مساهمة في بناء المجتمع، والدفع به في اتجاه بناء هياكله وتوجيه أجياله وتصفية أجوائه وتنقية صفوفه ووضعه على طريق استعادة المبادرة لتحديد اتجاهه والانطلاق نحو صناعة مستقبله ... 

نحن حينما نأتي لنحيي هذه المناسبة ، فإننا نحرص أولا على أن يكون الاحتفاء بها متفقا مع ضوابط الدين ، و ثانيا محققا لمجموعة أهداف تصب في النهاية في دعم المجهود الجمعي لإعادة الوعي الإسلامي الغائب أو المغيب ... إنها فرصة نعزز فيها عددا من القيم والمعاني المتصلة بالسيرة النبوية الشريفة في حياتنا العامة والخاصة ، بعد أن عشنا عاما كاملا في رحاب الرسول الكريم نحاول صبغ حياتنا بألوان السُّنَّةِ الزاهية ، حتى إذا ما جاءت مناسبة المولد زدنا الجهود في هذا الصدد ، وجعلنا منها  فرصة لزيادة الجرعة الإيمانية والصلة الروحية والعملية بالسيرة والسنة والتي هي الترجمة الأمثل لمنهاج الإسلام وهي القرآن ....

إذا كان الكون بما فيه قد فرح بمولد الهادي البشير ، كما قال الشاعر :

ولد الهدى فالكائنات ضياء            وفم الزمان تبسم وضياء ..

فكيف لا نسعى لإظهار فرحتنا وحبورنا بمولده في كل وقت ، ونزيد من الفرح أضعافا مضاعفة عند هبوب نسائم لحظات الزمان التي شهدت مولده النوراني؟ ... كيف لا نفرح وقد أضاءت عند مولده الأكوان ، وانبعث  من تحت أقدامه نور أضاء  اليمن والشام ، وسقطت شارات الطغيان في شرق الأرض وغربها إيذانا بزوالها بعد حين؟ ... لا أحسب أن مسلما صادق الإيمان يمكن أن ينكر الفرح بذكرى مجيئه صلى الله عليه و سلم إلى الدنيا ، و إظهار السرور بذلك القدوم الشريف ، ولكن يبقى السؤال الكبير : هل سنكتفي من الاحتفال بالمولد باستذكار أحداثه والغرق الروحي في بحوره ، فإذا ما انقضت المناسبة عدنا إلى حالنا وضياعنا ، أو إلى سباتنا وجمودنا ؟؟!!! ... ما الذي يمكن أن نفعله في هذه المناسبة ، وأي البرامج يمكن أن ننفذها حتى نكون صادقين في دعوانا حب الرسول العظيم والفرح بمولده ؟؟...

أعتقد أنه مهما فعلنا لخدمة رسالة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، ومهما قدمنا في سبيل التعبير عن حبنا له ، سنظل قاصرين عن بلوغ  الغاية ، لكن ذلك يجب ألا يمنعنا من النظر في برامج تتجدد دائما نسعى من خلالها إلى  تعزيز صلتنا برسولنا الكريم وديننا العظيم ، منها على سبيل المثال : زرع محبته في قلوب الأطفال والكبار والأهل و الأصحاب ، تطبيق سنته في الأمور كلها دقيقها وعظيمها  ، تبليغ رسالته فهو القائل صلى الله عليه وسلم (بلغوا عني ولو آية) ، دراسة سيرته العطرة بعمق ومن ثم إسقاطها على أنفسنا لنكون ممن سار على نهجه القويم ، عمل صالح يسعد به عندما يطلع عليه ونكون ممن يقول لهم يوم القيامة (أمتي بيّضتم وجهي) ، الإكثار من الصلاة عليه لا باللسان فقط بل بتمرير المعاني على القلوب والجوارح  ، إهداء كتب تتحدث عن شمائله وتزيد من محبته صلى الله عليه وسلم  ‘ أو مجموعات مسموعة لمن لا يقرأ ) شريط كاسيت / أقراص ليزرية ) ،   أن نتكلم عن شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم في كل مكان تجلس فيه ‘ فإن المحب يلهج لسانه بذكر محبوبه أينما حل ، إلى غيرها من الأمور…

تعالوا حتى نجعل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف نقطة انطلاق لتجديد علاقتنا برسولنا الكريم وديننا العظيم ، وفرصة نُجْري فيها جردا دقيقا وشجاعا لحسابِ صلتنا  بذلك التاريخ الناصع ، أملا في بناء حاضر ومستقبل واعد ونافع ...

***** الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني