حكم حماس بين الحاجات والسلوكيات بقلم: عماد عفانة
تاريخ النشر : 2019-11-08
حكم حماس بين الحاجات والسلوكيات بقلم: عماد عفانة


حكم حماس بين الحاجات والسلوكيات

كتب: عماد عفانة

بعد تجربة ممتدة على مدار نحو 30 عاما من اعلان الانطلاق، قضت الـ 13 عاما الأخيرة منها في خوض تجربة الحكم، والتي اقتصرت بعد عام واحد من بدئها 2006م على قطاع غزة، بعد مواجهتها في 2007م محاولة مسلحة للانقلاب على حكمها.

هل تحتاج حماس لإعادة النظر في الأولويات وإعادة الاعتبار للمسألة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للناس، خصوصا للذين يقعون تحت حكمها المباشر في غزة.

كانت حماس أمام فرصة بل وتحدي طيلة الـ 13 سنة الماضية لتقديم تجربة أفضل في مجال الحكم؛ رغم الحصار ومحاولات الافشال المستمرة، لأن فشلها سيعتبره المناوئون فشل للفكرة الإسلامية كلها، وليس فقط لحماس كحزب أو كحركة سياسية.

الانشغال بالمعارك الكبرى، كمعركة التحرر وحماية المقدسات وتحرير الأسرى، ليس مبرر البتة لتأجيل الاهتمام بالمسألة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أو البيئية أو الخدماتية، فلا يمكن لأي شعب أن يتحرر دون أن يمتلك المقومات الاقتصادية للحد الأدنى من العيش الكريم، إضافة لامتلاكه سمتا ثقافية إسلاميا في سلوكه اليومي في مجتمع مصنف في دائرة التدين.

 ليس الافشال في الحكم أخطر ما يواجه مشروع حماس، بل أن يكون وجودها كحركة إسلامية في الحكم، سببا لانتشار الفساد أو التستر عليه؛ لما لذلك من آثار سلبية كبيرة ليس عليها فقط، بل على تجربة الإسلاميين في الحكم بشكل عام.

النجاح والتفوق في الجانب الفكري أو النظري، غير كافي لحل المشاكل الواقعية التي يعاني منها المجتمع في حياته اليومية.

فيما قدم الفكر الإسلامي نفسه على أنه طريق الخلاص للناس والبشرية، فإن الأمور الاجتماعية والمعيشية تعتبر أكثر ما يهم عموم الناس، لذا فقد حرص الجيل المؤسس لحماس على وضع أرضية صلبة لتقبل المجتمع لخطابها التغيري، الذي توقعت أن يجد معارضة أو صدود، سواء من قبل ذوي الأيدلوجيا المختلفة، أو من قبل القوى التي نجح الاحتلال في تجنيدها، أو من قبل أصحاب الهوى والمتعة الذي تأثروا بالثقافة التي اكتسبوها من سوق العمل الصهيوني.

فبادرت حماس وحتى قبل الإعلان عن انطلاقتها أوائل ديسمبر عام 1987م بإقامة الجمعيات الخيرية والمؤسسات التي تقدم الخدمات الاجتماعية والتربوية والثقافية والصحية، واستفادت من مصارف الزكاة والصدقات على امتداد العالم العربي والإسلامي في تأمين بعض حاجيات الناس، وإقامة المشاريع لاستيعاب العاطلين عن العمل، والشباب والنساء في المؤسسات الخاصة التي تقيمها، كالمدارس والمشافي والنوادي والمؤسسات التجارية.

تماما كما حرصت على إقامة المؤسسات الثقافية التربوية والثقافية والفنية والإعلامية، كعناصر بالغة الأهمية في القضاء على العادات المنافية للتعاليم والتقاليد الإسلامية في المجتمع، والتي سادت في نتيجة سنوات الاحتلال الطويل، وغياب منابر التأثير لإشاعة أخلاق الفضيلة، وللترويج للفكر الإسلامي وموقفه من قضايا الناس الحياتية، وموقفه كذلك من القضايا السياسية كشعب يتوق للتحرر من الاحتلال.

على قاعدة أن معالجة مشاكل الناس، والاستفادة من تجارب الرسول والخلفاء الراشدين في إقامة الحكم الصالح والرشيد يحتل الأولوية في عملها، عن اقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية، لأن إقامة الحكم الصالح أو الرشيد شرط لنجاح استعادة الخلافة في العالم الإسلامي.

 

الاهتمام بشؤون الناس قبل تحررهم من الاحتلال، وتصليب عودهم وتقوية شوكتهم، واسناد صمودهم، شرط للنجاح في معركة مواجهة الاحتلال.

لكن هذا لا ينفي أن معركة الهوية الإسلامية والدفاع عن العقيدة والفكر الإسلامي ثقافة وسلوك في المجتمع لا يقل أهمية عن معركة توفير احتياجات الناس، رغم ذلك فان هذا الجانب فقد كثير من الاهتمام واصابه الضعف الشديد بعد تسلم حماس للحكم.

الاهتمام بالجانب المعيشي والحياتي للناس، لا يتحقق إلا بمحاربة الاستبداد والظلم في أي مجتمع، فالاهتمام بقضايا الناس وهمومها شرط لإنهاء الظلم والفساد.

واليوم حماس أم تحدي يتمثل بتقديم النموذج الأفضل في إدارة الشأن العام وخدمة الناس ومعالجة مشاكلهم، عوضا عن الصورة التي يريد البعض اشاعاتها من أنها غرقت في الفساد أو فشلت في تقديم الحلول المناسبة للقضايا الحياتية التي تهم الناس، عوضا عن إشاعة كونها عاجزة عن واجهة الفساد والفاسدين.

ولعل ما نشهده اليوم من تجارب ناجحة في ماليزيا وتركيا، وجانبا من التجربة الإيرانية -التي تواجه صعوبات وعقبات جمة- للنهوض والارتقاء بالشعوب والدول ووضعها في مصاف القوى العظمى، يمثل قدوة ودافعا لحماس للاستمرار في الحرص على تقويم مسارها، وتصيب تجربتها، ومواجهة الذين اصابهم العطب في صفها بحسم الحكيم، وتأديب المعلم الرشيد، وهمة وتصميم القائد الواثق.