تأملات:عندما يأتي المساء بقلم: فرح الشعرة
تاريخ النشر : 2019-11-08
تأملات:عندما يأتي المساء بقلم: فرح الشعرة


تأملات:عندما يأتي المساء .
بقلم فرح الشعرة.

عندما يأتي المساء، يرتدي الكون حلة السكون والوقار، وترخي الكائنات آذانها ترهف السمع للصمت وتسبيحات الجمال. فبعد غروب الشمس وانزياح أشعتها عن الأفق الرحيب تتعمق المعاني في نفوس الخلائق على اختلاف أنواعها وأشكالها، بيد أن
شعورا بالاغتراب وبالرحيل يملأ النفس فكرا حزينا يتوالى سرمدي الحضور.
أيها الانسان، هاقد منحتك الطبيعة فسحة فاغتنمها في التأمل والفكر، فلطالما مر يومك في الضجيج صاخبا، ولربما قتلت فيك الحضارة ضوضاؤها معاني السمو الروحي والصفاء النبيل.
أيها الانسان مهلا ، توقف للملمة الشـــتات وتصفيف ما بعثر من جوهرك، من كينونتك سرا وجهرا ، طواعية وقسرا، فزحمة الحياة ساعاتها ضاقت برغم الاتساع وانغلقت الأشياء الجميلة على نفسها رغم الانفتاح. سويعات نهارك العريض الطويل
تعدو تجري تسابق الدقائق والثواني ولم تكفك للسعي وإكمال المهام.
عندما يأتي المساء، يغطي الليل الأكواخ مثلما يغطي القصور، ويسدل الظلام ستاره على الفقراء والبؤساء والمحرومين والتعساء مثلما على الأغنياء والسعداء والمنعمين والمترفين.
فتزود أيها الانسان من الليل راحة و هدوءا، قناعة ورضا، فكرا وسعادة ، وتهيأ لاستقبال غد حافل ستغيب شمسه عنك حتما بعد حين. فدورة الحياة يا صاح وإعجاز تعاقب الليل والنهار فيها تستحق مني ومنك الوقوف مثلما يقف الكثيرون بعد
انصرام سنة من عمرهم للاحتفال بأعياد الميلاد. ولو فقهوا لما وقفوا ولما احتفلوا....
عندما يأتي المساء يأخذ صورا شتى ، فحضوره في المداشر والأرياف مختلف عنه في الحواضر والمدائن. في الخلاء يزداد بحر الكرة الأرضية اتساعا وتتوسع الفيافي فضاء وبهاء، وتترنم الخلائق بشدو المعاني الخالدة تمتد في ذوات أصحابها عمقا
وحقيقة خيطا رفيعا يربط مراحل العمر وانعطافاته الكثيرة، وتتلألأ النجوم في السماء السوداء تلمع كأحجار الماس والزمرد والفيروز بل إكثر....
وعندما ياتي المساء في الحواضر، تختفي كثير من معانيه، فتبدو المدائن وكأنها تحت ضوء الشموس نهارا، وهدير المحركات لم ينفذ وقودها، فأين فيها المساء، وأين فيها النجوم وبريقها، بل أين الأماني وأحلامها ، وأين مشاعر الابتهاج والفيوضات في ليالي الحصاد الرائعة.
عندما يأتي المساء في الشتاء يأخذ شكل الرهبة والوحشة، تدفع النفوس دفعا للاختباء والاحتماء، وعندما يحل ربيعا تزين سماءه النجوم ويضيء حلكته القمر، وينشر الزهر عبيره، والبنفسج أريجه، والأقحوان عطرا يضمد جراح المتألمين، ويرق مشاعر العاشقين، فترتقي النفوس وتتطهر أرواحها من شوائب البغضاء والشحناء والكراهية....
أيها الانسان هاقد جاء المساء، يناديك بأعذب الكلمات، ينتقي لك العبارات، يخاطب فيك الفكر والضمير، يناشد فيك التواضع والكبرياء، أن توقف أزل عنك رداء العمل و الكلل والنصب ، أعط نفسك فسحة للراحة والتأمل والسكون، أطفئ هواتفك
الذكية ،اسجنها في صناديق من خشب، توقف عن سماع نشرات الأخبار فانها أضحت حبلى بالخراب وبالدمار. الليل جاء والطير نام، فأين منك الوفاء؟ أين منك الوفاء للتجلي وللنور وللصــــفاء؟