يا أشتية.. أنا طبيب مفصول بقلم: عامر أبو شباب
تاريخ النشر : 2019-10-23
يا أشتية.. أنا طبيب مفصول بقلم: عامر أبو شباب


يا أشتية.. أنا طبيب مفصول

بقلم: عامر أبو شباب

عندما قررت كتابة المقال/ الرسالة، فكرت في كيفية مخاطبة رئيس الوزراء د. محمد اشتية بأي لقب، فوجد اننا في لحظة الغضب أو الخوف أو الضعف نخاطب الله بدون مقدمات أو ألقاب، فقلت: ما بالك بالبشر رغم حفظ المقامات.

أخاطب رئيس الحكومة عن حالة ربما تمثل الكثير من الحالات، لكنني أعرفها عن قرب، طبيب مجتهد مخلص في عمله، فوجئ بوقف راتبه بعد سنوات من الخصم الذي طال جميع الموظفين، منذ مارس 2017، قرار دون مقدمات ولا إجابات حتى الان، فيما عرف بالإجراءات العقابية التي طالت جمهور منظمة التحرير والسلطة الوطنية وحركة فتح قبل غيرها، وطال العقاب الفقراء والمقترضين و"الموقوفين" في سجن غزة الكبير.

الطبيب الذي عاد من غربته وجامعته ليسدد فاتورة تعليمه لأسرته، ويساند والده في سنوات العمر الأخير، وفاتورة البيت الجديد والأسرة والسيارة بالتقسيط، بنصف راتب منذ سنوات، حيث لا تطال العلاوات وبدل المخاطرة أطباء غزة العاملين من موظفي القطاع العمومي، على عكس أقرانهم في المحافظات الشمالية الذين يحظون بكل الفرص من علاوة المخاطرة وغلاء المعيشة الى فرص التدريب والمنح التخصصية، وبكل تأكيد لكل طبيب من غزة زملاء يعرفهم ويتواصل معهم من الضفة في علاقات نشأت أثناء التعليم أو التخصص، وفضلا عن ذلك ظروف العمل التي يقر الجميع انها مختلفة بين الشمال والجنوب.

سيدي د. أشتية: الطبيب الذي عمل في كل ظروف القطاع الصعبة، وقبل بنصف مستحقات العمل مقارنة مع زميله هناك، وبعدها تحمل منذ أكثر من عامين "الإجراءات العقابية"، تلقى صدمة وقف الراتب دون أي توضيحات، صدمة التصنيف السياسي والتقارير السرية.

أتفهم في الوظائف العسكرية ملاحقة او معاقبة الجندي أو الضابط بسبب انتماءه السياسي، وفق القانون في قضية متشعبة لن أدخل في تفاصيلها، لكن  الموظف المدني لم يطلب منه انتماء سياسي محدد، ولم يحظر انتماء معين، ليس للطبيب الا قسم المهنة وشروط العمل التي يقرها القانون الفلسطيني، وحتى بمنطق السلطات في العالم الثالث لا يجوز قطع راتب دون تسلسل في إجراءات واحاطة وانذار قبل قطع الأعناق، ويذكر الذاكرون أن الرئيس الشهيد الراحل ياسر عرفات لم يوقف راتب "جاسوس" لأن الراتب حق أسرة كاملة والعقاب الجماعي لا يعد لغة الوطنين ولا الكبار.

صديقي الطبيب توقفت أنفاسه عندما ذهب للبنك ولم يجد الراتب، خاطب الجميع، واتصل بالكل، وكتب على الفيس "انه مع الشرعية" ولم يترك واسطة خير، ولا باب إلا طرقه، لأن بيته بلا طعام، والراتب الذي يذهب للأقساط والديون والالتزامات "أصبح في خبر كان"، ليصبح البيت ظلمة وحزن وقلق، ويذهب الأطفال الى المدرسة بلا مصروف، ويطرق الأب الطبيب أبواب الجميع ليرسل لابنه في الخارج مصاريف العلم والغربة، ورغم ذلك يصر على الذهاب للمستشفى سيرا على الأقدام، والقلب يهجو الوطن والاستقلال والحكم.

تفاصيل كثيرة في غاية الإنسانية والألم، لطبيب كتبت التقارير أنه عضو في حركة ما، أو لان عائلته معروفة بلون سياسي معين، الأخطر هو وضع حركة فتح في الواجهة عبر مكاتبها الحركية، حتى تتخلى "ام الجماهير عن جماهيرها "بيدها وبقرار لا احد يعرف هل صاغه عاقل او مجنون أو ماكر خبيث يريد فتح مجردة من جمهورها ومستقبلها.

لا أدري كيف فكر المفكرين في التخلي عن غزة، غزة الثورة والجغرافيا بين أسيا وأفريقيا، غزة الميناء والمطار، غزة الشباب والامل، غزة الكادر الذي أقام اول كيان وأول سلطة، غزة الغاز في شواطئها، في سياسية تتعارض مع الشعار السياسي الكبير والأساسي "لا دولة في غزة ولا دولة دون غزة"؟.

تشجعت على كتابة مقالي ورسالتي عندما رأيت حكومتنا في مقر الحكومة المصرية لأول مرة، فرئيس حكومة يفكر بالقطيعة مع الاحتلال والتواصل مع العمل العربي، عليه أن لا يقطع الاتصال مع جزء عزيز من الوطن والمستقبل، صحيح الأوضاع السياسية والانقسام قد يمنع العمل وفق تصورات ما هنا وهناك، لكن ذلك لا يمنع الاتصال بالإنسان والحفاظ عليه، لأن رأس مال المشروع الوطني ومعركة التحرير والبناء هو الانسان.

السيد أشتية: أدعوك لإعادة رواتب المفصولين جميعا وبلا استثناء، ثم شكل لجنة وخير الناس وطبق القانون بذكاء وحكمة، وأنت تدرك أن السلطة لم تقم بتوظيف أحد في القطاع منذ عام 2007، وأيضا الكثيرون ذهبوا للتقاعد طوعا او كرها، لم يبقى الا الاف الأطباء والفنيين والمدرسين من الكفاءات والمهرة التي لا تستغني عنهم مستشفيات ولا مدارس القطاع، واحذر من مواصلة سياسة الانسحاب والاحلال الخاطئة منذ الانقسام الأسود.

عندما أذهب للطبيب او أضع طفلي بين يدي مدرس لا أهتم بالانتماء السياسي، يخيفني القلق والخوف والضنك في وجه الطبيب والمدرس، فهم بشر ليسوا ملائكة، ويكفي من هاجر بحثا عن حاضر أفضل ومستقبل واعد.

أدعوكم لتصحيح السياسات ووقف الانفصال، والتراجع عن خطأ الاخرين شجاعة معلومة، وتصويب السياسات واحتواء الأزمات وإكرام الكفاءات من شيم القائد البصير، وأظنكم كذلك سيدي رئيس وزراء فلسطين.