لماذا يعتبر القرضاوي شخصية مثيرة للجدل؟!بقلم:سري سمّور
تاريخ النشر : 2019-10-23
لماذا يعتبر القرضاوي شخصية مثيرة للجدل؟!بقلم:سري سمّور


الكراهية السياسية

مريدو د. يوسف القرضاوي يرمون كل من يعارضه أو ينتقده عن قوس واحدة؛ والحقيقة أن السبب هو طغيان الكراهية السياسية، لا سيما في السنوات الأخيرة، وارتفاع أصوات أصحابها، مما أحدث نوعا من التشويش، وردة فعل حادة من جانب المريدين؛ فمثلا ما دام حديثنا عن (حماس) أساسا، فلا نتخيل ولا نتصور -في ظل أجواء انقسام كئيبة- ألا تعلي الحركة -بمبالغة مقصودة وعصبية- من قيمة الرجل في ظل هجوم (فتح) الحاد عليه، وهو هجوم بسبب قربه من حماس، وليس بسبب قضايا شرعية أو فقهية (السبب سياسي).

أما السلفيون فقد ذكرت سابقا هجمتهم الشرسة على القرضاوي، والتي اتهمته بالضلال، وشتمه بعضهم، وتعامل القرضاوي مع تلك الهجمات بهدوء ولم يرد على تلك الإساءات، ولو أن السلفيين جعلوا ردودهم قائمة على الحجج وتفنيد آراء القرضاوي منهجيا دون التعرض لشخصه ودون كيل الاتهامات له ومزجها بالسباب المقذع، فلربما وجد كلامهم صدى وقبولا.. سيّما أنه لم يكن للكراهية من منطلق سياسي محل عند السلفيين قبل أزمة قطر مع دول الخليج الأخرى نهائيا.

وفئة أخرى تهاجم القرضاوي صوتها مرتفع جدا؛ لطالما تباكت على مظلومية حزب (تودة) الشيوعي المزعومة في إيران وسخرت من عمامة الخميني ونظام الولي الفقيه ومن (التشادور) انقلب حالها بعد أزمة سورية، فصار النظام في طهران محل مديحها وتبجيلها على مدار الساعة، وبسبب موقف القرضاوي من النظام السوري أخذت تكيل له شتى أنواع التهم الممزوجة أيضا بالسباب المقذع، وتصوّر الأمر وكأن للقرضاوي كتائب مسلحة تقاتل النظام، وتبالغ إلى حدّ الخيال الجامح في دور الشيخ في الأزمة.

وهؤلاء المنقلبون على تنظيراتهم بطبيعة الحال لا علاقة لهم ولا شأن بأي نقد لمنهج القرضاوي الفقهي وليسوا أهلا لذلك، وهم أصلا يكرهونه بسبب مواقفه السياسية من نظام سورية ومن السيسي، ولو أنه لم يتخذ تلك المواقف أو لو أنه غيّرها لانحلت مشكلته معهم.. هؤلاء الذين يصنفون على أنهم من تيار اليسار والقومية لا شأن لحديثنا هنا بهم. ولكن في نفس الوقت يجب ألا ينظر مريدو القرضاوي، الذين بالغوا في ترميزه، إلى كل من ينقده أنه بالضرورة يصطف معهم، أو حتى يعطيهم ذخيرة للهجوم عليه؛ فكم من كاره لنظام بشار والسيسي ينتقد القرضاوي.. كما أن الكراهية للموقف السياسي يجب أن تنفصل عن المحاججة المتعلقة بالأمور الفقهية والشرعية.

ولكن أرى أنه كان يفترض بالشيخ بعد المكانة المرموقة التي نالها في أوساط المسلمين حتى من غير أهل السنة، أن يكون معتدلا متزنا غير متناقض في مواقفه، أو أن يكتفي بالمراقبة والصمت عن التفصيلات السياسية الجدلية، لأن مواقفه تلك، لما اقترنت بفتاوى وآراء شاذة، جعلته شخصية مثيرة للجدل قطعا، وانتقصت من مكانته كثيرا، وما الدفاع المحموم عنه إلا دليل ظاهر على هذه الحقيقة.

طمس الناقدين بمنهجية وموضوعية

تحدثت في المقال السابق قليلا عن كتاب الدكتور مصطفى بشير الطرابلسي الموسوم بـ(منهج البحث والفتوى في الفقه الإسلامي بين انضباط السابقين واضطراب المعاصرين، السيد سابق والأستاذ القرضاوي نموذجا) وثمة كتاب آخر من تأليف د.عبد الإله العرفج بعنوان (المناهج الفقهية المعاصرة، عرض وتحليل) وقد قلت بأن الطرابلسي ليس مبغضا للإخوان ولا بعيدا عن فكرهم ومدرستهم بل لربما تنظيمهم، ولكنك تجد طمسا وتجاهلا لأطروحات كهذه في فضاء النقاش، وإبراز متعمد –برأيي- لمن يسعى حثيثا لترميز الشيخ وتنصيبه علاّمة العصر وفقيه الزمان بلا منازع، ورمي مخالفيه بالجهل والحقد والغيرة وغير ذلك، وإبراز مواز لمن ذكرتهم في السطور السابقة ممن يكرهون الرجل لموقفه السياسي، أو لمن أصابهم الشطط من السلفيين مثل (مقبل الوادعي) حيث طغى الشتم على أطروحتهم، وكأنه يراد للمعسكرين السيادة في خضم هذا النقاش بعيدا عن الطرح الموضوعي، وهذا بالضرورة أنشأ بيئة خصبة للتعصب وضياع محتم للحقيقة.

وألقي باللوم على الإعلام الذي قصّر في وضع فقه القرضاوي في مواجهة من ينتقدون منهجه الفقهي أمام الناس، ولو بهدف تبريد حالة الغلو من الطرفين. وأنوّه أن المتمذهبين يرفضون منهج القرضاوي الفقهي ويضعونه في خانة السلفيين من زاوية عدم الالتزام بأحد المذاهب الأربعة، أي أنك تتحدث عن جمهور واسع عريض، وهذا يفند ادعاءات المبالغين بتبجيل الشيخ، بأنهم يمثلون الأغلبية، ومن شذّ فقط هم الفئات المذكورة، والتي تبغضه سياسيا أو انحشرت في زاوية التشدد السلفي، وبصراحة هذه من مشكلات المدرسة الإخوانية، التي ترى الحق ممثلا ومتجسدا بمن هو رمز لها، وهذا لا يقتصر بالمناسبة على موضوع العلوم الشرعية، فلو وجد بروفيسور في الطب أو الفيزياء أو الكيمياء ينتسب إلى هذه المدرسة لقالوا بأن الطبيب خاصتهم أبقراط العصر، وأن الفيزيائي منهم هو آينشتاين الجديد وهكذا.

وقد يقول قائل: هل هذا الترميز والتعصب للمرموقين والمبالغة في تعظيمهم حكر على الإخوان؟ أليس هذا ديدن السلفيين مع العثيمين وابن باز والألباني؟ بل أليس هذا شأن الأحزاب والقوى والفصائل في تعظيم من هو منها وجعله حاكما على الناس وشؤونهم وفق مجال تخصصه؟ صحيح، التعصب للشخصيات موجود وقائم عند كافة المدارس الفكرية وتفرعاتها السياسية أو المؤسساتية ولكنه عند الإخوان يظهر أكثر مما عند غيرهم، لأسباب أعرفها ولأسباب أجهلها، فهو يبدو عندهم واضحا جليا، وهذا لا يعني براءة غيرهم منه، وفي كل الأحوال سواء كان عندهم أظهر أو كان عند غيرهم أوضح؛ فإنه أمر ليس حميدا ويجب التخلص منه.

الطرابلسي ليس كارها للشيخ

إن د. محمد بشير الطرابلسي حين وضع دراسته لمنهج القرضاوي تحت مجهر البحث، وتناوله بالنقد، لم يظهر أنه كاره أو من فئة مبغضي الشيخ، ونترك النوايا لله تعالى؛ فهو حتى يقول عنه (فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله) وهي كلمات تحمل الاحترام والتقدير بما لا يستفز ويثير جمهور مريديه، وهو فقط لم يستخدم ألفاظ أغلبهم (العلاّمة) و(رائد الوسطية) وغيرها من العبارات لأنه يسعى للنقد المنهجي بعيدا عن النقيضين المتعصبين للقرضاوي والمبغضين له والكارهين لشخصه ومنهجه وكل ما يخصه!

شهرة القرضاوي

يرى الطرابلسي أن شهرة القرضاوي الواسعة حالت دون حدوث ردة فعل على آراء وفتاوى (شاذة وخطيرة) حسب وصفه (ص274) أتى بها، بعكس ما كان عليه الحال عندما أفتى د. حسن الترابي بفتاوى من نفس الحجم؛ ذلك أن شهرة القرضاوي أوسع وأكثر انتشارا، ولأن الترابي (القانوني) ليس مصنفا كفقيه بحكم الدراسة والاختصاص الأكاديمي، ولأن الترابي ألقى بما في جعبته دفعة واحدة، مما أثار الناس عليه، بعكس القرضاوي الذي أفتى بأمور متشابهة على مراحل متفرقة متباعدة.

ويرى الطرابلسي أن شهرة القرضاوي لعبت دورا مركزيا في عدم الرد على فتاويه الشاذة الخارقة للإجماع، خاصة بسبب المواقع التي شغل رئاستها، أو بسبب برنامجه التلفزيوني الأسبوعي (يقصد طبعا الشريعة والحياة على شاشة الجزيرة، وقد توقف البرنامج حاليا) الذي أتاح له الإطلال على ملايين المسلمين، وقد كونت له تلك الشهرة هيبة علمية واسعة، حالت دون الرد عليه أو انتقاده (للاستزادة أنظر كتاب الطرابلسي آنف الذكر ص274 وما بعدها).

على كل حال فإنه قد بدا لي أن الأمر يحتاج إلى مزيد من العرض وطرح الانتقادات على منهج القرضاوي، عبر هذه المقالات، ذلك أنني اكتشفت أن كثيرا من مريدي الشيخ يجهلون هذه الأمور، وطغى حبهم للشيخ بسبب مواقفه السياسية، وشهرته وحضوره والإعجاب بأسلوبه على معرفتهم لمنهجه، إضافة إلى حكمهم سلفا على كل من يخالفه بأنه من الفئات التي تبغضه سياسيا أو تكره الإخوان المسلمين أو غير ذلك من التنميطات، وقد فوجئ بعضهم عند تبيان بعض المسائل بهدوء بعيدا عن التعصب..