كاسك يا وطن وحجب المواقع الإعلامية بقلم: خالد الفقيه
تاريخ النشر : 2019-10-23
كاسك يا وطن وحجب المواقع الإعلامية
بقلم الإعلامي: خالد الفقيه
رأت مسرحية كاسك يا وطن للكاتب محمد الماغوط ومن بطولة دريد لحام النور عام 1979 وكانت بمثابة إختراقة للحالة الأمنية والقبضة الحديدية التي كان يمر بها الوطن العربي حيث أن الموافقة عليها وإجازتها من قبل الدولة السورية في حينه بمكوناتها الأمنية المختلفة شكلت حالة تحول في إلتقاط نظام الحكم لحالات التغير والاختلاجات النفسية الدفينة لدى الشعوب.
وبمراجعة نقدية لمرحلة السماح للمسرحية بالعرض والانتشار وحتى من على شاشة التلفزيون الرسمي ومن قبله في مسارح الدولة نستطيع القول بأن الدولة وظفت نظريات الإعلام في عملها الأمني ومن ذلك توفير حالة الإشباع للجمهور عبر التنفيس عن الغضب أمام الشاشة أو داخل حيز المسرح بعيداً عن الشارع، لتشكل بذلك على المقلب الأخر بدايات تكون لنوع من الإنعتاق من سطوة الأمن السياسي والحالة البوليسية وتحجيم أو تقييد التدخلات من المرجعيات الأمنية والسياسية والدينية على المحتوى والمنتج الإعلامي.
وفي المقابل بقيت العديد من النظم تتعامل وحتى اليوم مع الحالة الإعلامية كجزء من المنظومة الأمنية والاستقرارية للنظام السياسي وتولي السيطرة على المقار والمؤسسات الإعلامية الأهمية الكبرى وربما يعود ذلك لحالة الإنقلابات العسكرية التي شهدتها دول العالم العربي من خمسينيات القرن الماضي وما بعده إذ كان المنقلبون أول ما يسيطرون على الإذاعة ولاحقاً التلفزيون وإلقاء البيان رقم واحد عن العهد الجديد وهو ما جعل من التعاطي مع هذه المؤسسات كمؤسسات ومقار سيادية يمنع الاقتراب منها أو حتى العمل فيها إلا بموافقات أمنية وجرى التعاطي معها كرموز سيادية لا تقل عن القصور الجمهورية والملكية فباتت ثكنات عسكرية محاطة بالأسلاك الشائكة والمدرعات بل وتعدت تأميناتها الأمنية مقار وزارات الدفاع ومجلس الوزراء.
ولكن الدولة ودساتيرها أغفلت وإن توسمت مقرراتها ونصوصها بنوع من الإنفتاح والحديث النظري عن الحريات، أغفلت حالة التطور التقني والمعرفي للشعوب وإمتيازات القدرة على الولوج للمحتويات الإعلامية المختلفة سراً وعلانية وأن يد الدولة باتت مغلولة في الملاحقة والمنع، فما يمنع من العمل على أراضيها بات يعمل في الفضاء الكوني أو خارج الحدود ويصل للجماهير رغماً عن محاولات الملاحقة والمنع أو حتى بتجاوزها، وسقطت فترة ملاحقة من كانوا يستمعون لإذاعات معادية إلى غير رجعة وتلاشت حالة تصنت العسس من خلف الجدران لمنازل المستمعين سراً لإذاعات يعتبرها النظام السياسي معادية.
ومع تطور الحياة بكل نواحيها لم يعد بإمكان النظام السياسي التحكم بوسائل الإعلام عبر التراخيص والضرائب والقوانين، فما يمنع من العمل على الأرض يجد في الساتل الفضائي والشبكات العنكبوتية منفذاً لأكثر الجدر الحديدية مناعة. وفي الحالة الفلسطينية كثيرة هي الأمثلة على إذاعات كان الاحتلال بجبروته يمنعها من العمل مثل إذاعة القدس وصوت الثورة وغيرها حتى من المطبوعات والمجلات التي كانت تجد طريقها تهريباً للجماهير الفلسطينة الرازحة تحت الاحتلال، ومع قدوم السلطة الفلسطينية ومع الإنقسام السياسي أيضاً وجدت وسائل إعلام ولا سيما فضائيات ومواقع إلكترونية وحتى إذاعات بالتكنولوجيا ملاذاً للعمل من خارج فلسطين وفي الوصول للجماهير الفلسطينية رغماً عن كل محاولات منعها.
ويبدو أن النظام السياسي الفلسطيني ورغم حداثته البنيوية بالمقارنة مع النظم السياسية المحيطة لا زال متأثراً بما عايشه في الشتات بدرجة توحي باستفحال حالة الاستعداء مع الإعلام ومحاولة فرض رواية من جهة واحدة وكذلك تدلل المؤشرات على الأرض بتباين في وجهات النظر ما بين ما توقعه الحكومة من إتفاقات دولية لجهة الحريات العامة والخاصة كجهة تنفيذية وبين السلطة القضائية التي لم تستجب لذلك عبر تكييف نصوصها مع هذه الإتفاقات والمعاهدات الملزمة بعد التوقيع عليها، ومن جهة ثالثة يتبدى القصور في ملاحظة التطور التكنولوجي في العمل الإعلامي وبالتالي عدم قدرة السلطة الفلسطينة على حجب أي محتوى إعلامي، وقد تكون المجزرة الأخيرة بقرار قضائي بحق 59 موقع إعلامي – مع التأكيد بأن بعضها لا يمارس الإعلام ولا يتقيد بابجدياته أو حتى باخلاقياته- وهي ليست المرة الأولى تستوجب موقفاً نقابياً وقانونياً لوقف هذه الحملة غير المبررة والتي تضر بنضالات الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال وقمعه للحرية وتمس بصورة أخرى بحملات محاربة حجب المحتوى الفلسطيني في الفضاء الأزرق ومواقع التواصل الاجتماعي.
صحيح أن الحكومة بادرت في بيان لدعوة القضاء والنائب العام للعدول عن قرار الحجب ودراسته إلا أن هذا الموقف الخجول بلا أدنى شك يضر بالدرجة الأولى بحراكات الفلسطينيين على المستوى الدولي ضد القمع الإسرائيلي ويعطي مبررات للاحتلال ولإدارة فيسبوك لمواصلة قمع وحجب المحتوى الفلسطيني.
وبنظرة سريعة على المواقع المحجوبة وتلك التي حجبت في العام 2017 وعددها كان 15 موقعاً يلحظ أن وجبة المنع الأخيرة لم تأخذ حقها في الدراسة وتقديم المسوغات القانونية مع تكرار بعضها ضمن قائمة القمع والحجب ولم تأخذ بعين الاعتبار عدم إمكانية المنع والحجب ربما لقصور المانعين لها عن فهم التطور التقني الذي يعني بصورة أو بأخرى إستحالة الحجب في وسائل التواصل الاجتماعي إلا بالتعاون مع إدارات تلك المواقع مثل الفيسبوك وهذا في حال حصل سيترتب عليه ضرر كبير بفلسطين وقضيتها وسيضع السلطة في موقع الإتهام لجهة التحالف مع من يحاربون المحتوى الفلسطيني.
وعلى ما تقدم لا يمكنني إلا الاعتقاد بأن القرار سياسي بالدرجة الأولى وسبب ضرراً للقضاء ونزاهته وجعله في موقع التابع لا المستقل للسلطة التنفيذية في ظل غياب السلطة التشريعية. وإن كانت مداخل القضاء لتبرير الحالة السوداوية هذه بمصطلحات فضفاضة لا تعاريف لها أو متفق عليها من مثل الإضرار بالسلم الأهلي أو إثارة النعرات أو قانون الجرائم الإلكترونية الذي لا إتفاق أو توافق عليه حتى اليوم أو حتى شماعة الإضرار بالأمن القومي.
المخرج باعتقادي لتنظيم الحالة الإعلامية لن يتأتى مالم يصار وبسرعة لتشكيل المجلس الأعلى للإعلام وبتمثيل واضح للقطاعات الأهلية والخاصة والحكومية والمستقلة وبالطبع نقابة الصحفيين دون تسيد جهة على أخرى كوريث شرعي لوزارة الإعلام وأن يكون المجلس صاحب سلطة حقيقية على الأرض ورفد ذلك بمحاكم مختصة بالإعلام ومحتوياته.