عن مدينة صفد/الجزء الثاني بقلم:علي بدوان
تاريخ النشر : 2019-10-23
عن مدينة صفد/الجزء الثاني بقلم:علي بدوان


عن مدينة صفد/الجزء الثاني

بقلم علي بدوان

تعود الغالبية الفلسطينية اللاجئة الى سوريا عام النكبة، الى :

أولاً، أصولٍ فلاحية، من مناطق وقرى الجليل الشرقي، والغربي، والأعلى، شمال فلسطين والى الشمال الشرقي منها، وتتبع قراهم في غالبيتها لقضاء : صفد، وطبريا، والناصرة، وبيسان، وعكا، وحيفا، وبنسبة أقل يافا... وبعض القرى في مناطق مختلفة من فلسطين.

ثانياً، أصول بدوية (عشائرية) من عشائر وبدو الشمال في فلسطين، وفي مقدمتهم : عرب المواسي، الصبيح، السياد، السواعد، الوهيب، الهيب، التلاوية، الشمالنة، الزنغرية، الرقيبات، السوالمة، السمكية، القديرية، العتامنة، كراد الغنامة، كراد البقارة، الزبيدات ...   

ثالثاً، عرب الغوارنة، من مواطني العديد من قرى قضاء طبريا وصفد، وقد اطلق عليهم، مُسمى الغوارنة، لقرب أراضيهم من الحفرة الإنهدامية بين الجولان وفلسطين، وهي الحفرة التي تصب فيها المياه المتدفقة من جبل الشيخ، لتشكّل بحيرة الحولة وصولاً لبحيرة طبريا، حيث عمل الغوارنة في مجال تربية الأبقار والجواميس بالإستفادة من مياه بحيرة الحولة، عدا عن العمل في الزراعة.

رابعاً، أصول مدنية، وهو النسبة الأقل من بين فلسطينيي سوريا، حيث بقيت نسبة لابأس بها من سكان المدن داخل فلسطين المحتلة عام 1948، ولجأ الباقي من غالبية مواطنيها باتجاه الأردن، والمغتربات البعيدة على إمتداد قوس المعمورة.

وفي حقيقة الأمر، إن مارفع من نسبة مواطني فلسطين من اللاجئين الى سوريا، ومن الأصول المدنية، هم سكان مدينة صفد على وجه التحديد. فالغالبية الساحقة من مواطني مدينة صفد لجؤوا الى سوريا نتيجة عدة عوامل لها علاقة بالتاريخ المشترك للعائلات والأسر، والتجارة، والعمل، والتواصل بين مواطني دمشق وصفد. واقاموا في احياء دمشقية، وتجمعات داخل المدينة، والنسبة الأقل منهم اقامت في مخيم اليرموك. 

لم تكن مدينة صفد مفتوحة تماماً للتحوّلات السكانية، فقد بقيت عائلاتها المعروفة ثابتة تقريباً، بينما كان التحوّل واضحاً في مدن يافا وحيفا والقدس، وبدرجةٍ أقل في مدن عكا ونابلس ... نتيجة العمالة الوافدة لتلك المدن من مختلف انحاء فلسطين، ومن سوريا الحالية ولبنان، حيث الموانىء التي تنقل البضائع لعموم بلاد الشام والعراق، ومصفاة النفط في حيفا الآتية من السعودية على خط أنبوب أرامكو ... 

وعلى مدار سنوات النكبة، تميّز اهالي مدينة صفد في سوريا، بالتالي :

أولاً، ارتفاع نسب التعليم، والتعليم العالي بصفوفهم، قبل وبعد النكبة، واسهامهم الكبير في ميدان التربية والتعليم في سوريا والتي كانت لتوها قد خرجت من تحت الإنتداب الفرنسي وجلاء المستعمر.

ثانياً، تبوؤ العديد منهم لمواقع هامة فلسطينية وغير فلسطينية،على ذلك الرئاسة الفلسطينية، ممثلة بالرئيس محمود عباس، الفلسطيني السوري، وابن مدينة صفد ومعه عدد من مؤسسي حركة فتح. والشيء بالشيء يُذكر، فعند أول زيارة، لأول أمين عام للأمم المتحدة النرويجي (تريغفه هالفدان لي)، لتجمع لاجئي فلسطين في سوريا في منطقة الأليانس عام 1949، القت امامه احدى نساء مدينة صفد كلمة لاجىء فلسطين باللغة الإنكليزية، وقد طالبت بالعودة لجميع اللاجئين الى فلسطين أرض وطنهم التاريخي. 

ثالثاً، القدرة الكبيرة، على التكيّف مع الواقع المديني، باعتبارهم اساساً من سكان المدن، وتمتعهم بالخصائص السوسيولوجية الإجتماعية للحالة المدينية بشكلٍ عام.

رابعاً، قدرتهم العالية، على اتقان وادارة حياتهم اليومية، بشطارة، وبطريقة مدروسة بعيدة عن العفوية، والإرتجال، التي تميّز الحالة القروية للسكان عامة. وهو ماحدا بالكثيرين لوصف الصفدية بـــ "البخل" و "التقتير"، و "الإنتهازية"، و "ايديولوجيا المصالح" ... 

خامساً، لهجتهم القريبة من اللهجة الدمشقية عند (مط الحروف والكلمة)، واستخدامهم مفردات بعينها في تلك الكلمات. وقد تميزت مدينة صفد ومعها مدينة نابلس (دمشق الصغرى) في فلسطين بتلك اللهجة.

سادساً، انجبت مدينة صفد الأعداد الكبيرة من المناضلين الفلسطينيين، في مسار الثورة والمقاومة، وعلى رأسهم شهيد البدايات فؤاد حجازي، والدكتور وديع حداد أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومسؤول العمل الخارجي (المجال) فيها. والراحل أحمد مرعشلي، ويسار عسكري، والشهيد هايل عبد الحميد عيسى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، والشهيد نصر الدين القلا (أبو النصر) .... اضافة لعددٍ من رجال الفكر والإقتصاد ومنهم سعيد خوري رئيس وصاحب اكبر شركة للبناء والمقاولات في الشرق الأوسط. وقد ورثه ابنه سامر بعد وفاته في ادارة الشركة التي مقرها الحالي اليونان، والإقتصادي الكبير حسيب الصباغ.

سابعاً، تعتبر (الملاية)، وهي مايُمكن أن نُسميها بلغة الحاضر (المانطو) من اجمل ما ارتدته نساء فلسطين، حيث يشبه لباس (كليوبترا)، وقد عشت في طفولتي، وكانت بعض النساء من مدينة صفد في اليرموك يرتدين تلك الملاية التي اختفت مع مرور الزمن، وبقيت تراثاً فلسطينياً بامتياز.

الطرائف عن الصفدية :

نتيجة، الدعاية العامة، التي تصف اهالي مدينة صفد بــ "البخل"، دون التفريق بينه وبين "الإدارة الجيدة" للمنزل، وحبهم لذاتهم، ومصالحهم، فقد لاحقت الصفدية عشرات النكت والطرائف والدعابات، نأخذ منها على سبيل المثال :

• رجل صفدي طلق زوجته، لأنها حضّرت طبختين في يوم واحد، هما زيت وزعتر.

• صفدي قال لأبوه : يابا بدي كندرة، فأجابه "ليش يابا شوارع صفد مبلطة يابا". 

• فتى صفدي قال لوالده : يابا بدي موز، فأجابه والده "ليش يابا إنتا مريض".

• صفدي قال لوالده : يابا بدي ليرة، فأجابه والده "ليش يابا هية الدنيا عيد" .

• قال : ليش سقطت صفد عام النكبة ... ؟. اليهود قالو لأهل صفد جايين نتغدا عندكم .

• مقدسي وخليلي وصفدي قاعدين يشربوا شاي، وبالصدفة وقعت تلات ذبابات بالكاسات التلاتة، كل واحدة في كاسه، المقدسي كب الشاي، الخليلي طلع الذبابة وشرب الشاي، الصفدي أخرج الذبابة وقال لها "ابزقيهم ولي". وفي رواية أخرى عصرها .

• مظاهرة صفدية على ابواب مقر الأمم المتحدة : اخدتو صفد محكناش، اخدتو فلسطين قلنا معليش، تقطعوا الإعاشة لالالالالالالا. 

• نساء صفد تتظاهر بالذكرى الأولى للنكبة، وبدأت تهتف باللهجة الصفدية : آي آي صفد عربية، مية بالمية عربية ...

• عندما تقدم صفدي (س) بطلب العمل في الأونروا في خمسينيات القرن الماضي، وكان المدير المعني باختيار العاملين صفدي، فاز أخرون من صفد بالعمل، لأن الصفدي (س) كان من مواليد حيفا...

 (الصورة الأولى : الملاية الصفدية) 

(الصورة الثانية : تقاطع شارع صفد مع شارع القدس في مخيم اليرموك قبل محنة المخيم)