أعطِ وستأَخَذ...!بقلم:د.نيرمين ماجد البورنو
تاريخ النشر : 2019-10-21
أعطِ وستأَخَذ...!بقلم:د.نيرمين ماجد البورنو


أعطِ وستأَخَذ...!
د.نيرمين ماجد البورنو

العطاء فلسفة عميقة ومنهج حياة وجزء من الكرم وكينونة الإنسان السامي ودرجة عالية من الوعي الإنساني والقيم النبيلة والمفتاح السحري الذي يحمل جميع المعاني السامية والعميقة, يؤلف القلوب دون استثناء لعرق أو لون أو قرب أو بعد, فلقد صدق المثل الصيني "مثلما يعود النهر إلى البحر هكذا يعود عطاؤك إليك", إن أبسط أنواع العطاء ابتسامة مع بشاشة ودعاء, لأنه ينقي النفس ويرتقى بها من الشوائب الخبيثة وتمنح الاخرين شعور أفضل للأشخاص للذين طبع على ملامحهم العبوس, فما أجمل أن تسقي روحا عطشا من نهر عطائك وفيض كلماتك! فهل فكرنا يوماً في جمال وكينونة العطاء؟

العطاء يُعني القدرة على المنح دون انتظار المقابل, والقدرة على التضحية وأن تقدم لغيرك ما تجود به نفسك من غير سؤالهم إياك, وبالتالي طيب نفس ورقي حال, لم أرى أصدق من وجهين لحق العطاء: الإيثار، والتضحية, هناك أناس جبلوا على حب العطاء أصغرها ابتسامة تظهر على محياهم فنجدهم يعيشون حقيقة الوحدة والتكامل, يعطون برضا تام ولا يبخلون على أنفسهم وهذا خير عطاء لـ«الذات» التي تحترم عقلها وروحها وجسدها, فكلما أعطيت بلا مقابل كلما رزقت بلا توقع فأعمل الخير دوما بصوت هادئ فغدا يتحدث عملك بصوت مرتفع, والجميل أن بعض الناس رغم ضيق الحال والحياة اعتاد على العطاء, فعندما نعيش لنسعد أخرين يرزقنا الله باخرين ليسعدونا ويملئوا حياتنا بالبهجة والسكينة فابحث عن العطاء لا الأخذ فكلما أعطيت كلما أخذت دون أن تطلب, ومن حكم ابن عطاء الله السكندري" ما استودع في غيب السرائر ظهر في شهادة الظواهر" فكونوا لضمير الحياة أوفياء!

العطاء ليس مقصوراً على الأهل والأصدقاء والأحباء والأقرباء، بل هو مفهوم كبير وعميق  وواسع يترجم في كل الحقول العملية والفكرية والاجتماعية بدءا من حب العمل واتقانه بإخلاص وتفان وكذلك المعرفة الفكرية والاطلاع والثقافة لأنه يثرينا ويفيدنا في حياتنا الخاصة والعامة, فالحياة أذن أخذ وعطاء واحترام متبادل، والعلاقة بين الزوجين أو الأصدقاء يجب أن يغمرها العطاء المنطقي حتى يستمر الحب والود بينهم, فمهما أختلف الطرفان يجب عليهم تقبل الاخر حتى يجدا أرضا صلبة قاعدتها تجمعهما عمراً  بلا حسابات, وعطاء الأصدقاء جميل فعندما تقدم كل ما في وسعك لصديقك عندما يحتاجك في أصعب اللحظات وتسانده وتغنيه عن كل شيء وتصنت لهمومة ومشاكلة ومصائبه وتعطيه أذنا وقلبا وفكرا يعينه على حل المشاكل التي تعصف به والجميل ان لا تجعله يبحث عنك عندما يحتاجك بل تسانده وتكون عكازته وعموده الفقري دون ان يطلبك, فتفاجئه بهدية برسالة بموقف لا ينساه بخاطرة برساله تدخل بها السرور على قلبه فكل انسان معطاء هو انسان محب على اختلاف أنواع الحب! فلا تبخل بإحساسك بمشاعرك بلمساتك بوجودك باهتمامك على من تحب, من يستحق العطاء هو من يفرح بأقل ما أعطيناه  بل ويراه بعدسة مكبرة , مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ!

لا يعد الانساء معطاء حتى يشمل بعطائه جميع من حوله من أقارب وأباعد ومخالفين وموافقين وأعداء ومؤيدين فحينما يعطي بعضا ويحرم بعضا ويقبل على من يشاء ويعرض عن من يشاء فاعلم أنه لم يعي الجود الحقيقي , وانها لمفارقة عجيبة ان يعطي المرء ويمنح التسامح والبر والعطاء للغرباء ثم يترك والديه وإخوانه وصله رحمة وراءه يبكيان من شح نفسه عليهما فتجدهم يشكون ضيق الحال وضيق العطن وحرج الصدر, غريبة تلك المفارقة والتناقض الواضح في بعض نفوس البشر!

ان العطاء سمة روحية ربانية  وقانون كوني ,فمن بني حياته على الأخذ دون أن يفكر في العطاء ليس مؤمنا بحق وأن أي شيء تمنحه للآخرين حتما سيعود اليك ليس بالضرورة من نفس الشخص وبنفس الطريقة , فالعطاء درجة عالية من الوعي الإنساني، وبخاصة حين يرافقه استمتاع، من دون الشعور بالتعب أو التمنن أو التفاخر في ذلك, وان أكبر مثال للعطاء في الكون الذي ينبع بلا توقف وبلا دوافع وبلا اسباب وبلا مقابل مادي او معنوي , عطاء كله تضحية وتفاني وحب, ويعرف ديباك شوبرا قانون العطاء بأن "الكون يعمل وفقاً لتبادل ديناميكي مستمر في الأخذ والعطاء، ونحن عندما نبدي الاستعداد الدائم لنعطي ما نطمح للحصول عليه، فنحن بذلك نعمل على إبقاء الوفرة الكونية جارية في مسارها الطبيعي", ولقد أجريت دراسات عدة في الموضوع وأثبتت الأشخاص المعطائين يختلف وظائف أجزاء من أدمغتهم عن البخلاء، ذلك أن الأشخاص الذين يعطون تتأصل لديهم هذه الممارسة في عقليتهم ونظرتهم إلى العالم والآخرين، وليست فقط مجرد ممارسة سلوكية مجردة من الإحساسات النفسية والروحانية، أي أن هناك اختلاف في المفاهيم والنظرة الوجودية للإنسان والعالم والحياة! كن شمسا مشرقة بالأمل وأضيء عتمة من هم حولك دون ان تنتظر ثناءهم وكن معطاء مثل بحر لا يجف حتى وان قوبل عطاؤك بالجحود, فالعطاء كالعطر يصيبك قبل الآخرين، فكن إنسان للخير معطاء تكن أجمل !