ذاكرة ضيقة على الفرح 16
تاريخ النشر : 2019-10-21
ذاكرة ضيقة على الفرح 16


سليم النفار

16

 "ليس هناك أسوء من كلمة ، حتى تبدو لطيفة ، يجب أن تكون كاذبة "

 اسخيليوس

ليس بوسعي وقد بلغتُ من العمر ما بلغتُ ، أن أُلاطف الآخرين ، أو أُلاطف ذاتي في محاولةٍ لاسترضاء ركنٍ ما ، في دواخلي أو دواخل الآخرين ... فكلنا يعلم الحقيقة ، واذا لم نعلمها فإننا نستشعرها ، وكلّ محاولة لإخفائها أو تأجيل الجهر بها ، حتى مع الذات ، تبدو كمن يجلد ذاته ، فلماذا نُطيل عذاباتنا ، الا يكفي عذابات الواقع ، الذي يُحاصرنا بما لا نُطيق ؟

فالفتى الذي كنتُ منذ بدايات الوعي ، الذي حصّلته بالتجربة والاطلاع على تجارب الشعوب ، من خلال قراءاتي السياسية والادبية ، لم يكن يُرضيني سلوك القيادة الفلسطينيية ، بكل تشكيلاتها ، باستثناء بعض الاسماء التي تستشعر غيرتها ، وحرصها على الحالة الوطنية .

لذلك كانت خياراتي بعد الانشقاق صعبة ، فالانتماء الأولي كان بفعل التبعية الأبوية ، حيث نشأت شبلاً في صفوف فتح ، اضافة الى أنها هي قبيلة الشعب الفلسطيني ، الجامع لكل الأطياف الفكرية ، وحقيقة كانت فتح بكوادرها وآبائها الأوّلين ، من السعة والدفء ما يجمع الكل الوطني ، غير أن تطور الوعي و الانزياحات السياسية اللاحقة ، جعلتني ألوذ الى جبهة النضال الشعبي ، وكانت البدايات مع الصديق بلال نجيب ، والصديق الفدائي الجميل أبو جبر منصور ... والمرحوم أبو عرب سبينة ، الذين دافعوا عني بضراوة أمام تغول البعض ، من الفصائل المرتهنة للجغرافية السياسية ، تحت حُجج بأني عرفاتي ، فتخيلوا حجم الارتهان والبراعة الفائقة لذاك البعض في الايذاء ، على أرضية تقديم الولاءات المجانية ، لأنظمة الحكم التي تسوسهم ؟!

وهنا كانت الرحلة الطويلة الممتدة ، ومراكمة الوعي الاضافي ، الذي يستطيع فكَّ الشيفرة السرية للعمل السياسي .

في بدايات ذلك الانتماء كان تواصلاً ، مع فكرة التخندق في أيّ فصيل طريقه نحو الحلم ، لذلك لم أكن ذات يومٍ أحمل في ضلوعي أية عصبويةٍ  لأيّ فصيل ، ولكن لا تصدقوا بأنني قد تخلصتُ من انحيازي لفتح ، وعندما أغضب من سلوكٍ ما لها ، فإنني أغضب من أجلها ، لأنني حتى الآن أشعر بأنها قبيلة الشعب الفلسطيني ، وبأنها الأجدر على تصويب مسارها ، لأنها الجامع المانع الذي يستوعب كلّ الأطياف .

خالد شعبان " سلطان " نبيل قبلاني ، أسماءٌ لقادة أسرتني بحنوّها و وطنيتها العالية ، ومن ثمّ الراحل : الدكتور سمير غوشة الذي لم أشعر طيلة وجوده وعلاقتنا معه ، بأنه نمطٌ خارج السياق الأبوي ، الذي كان شديد الحرص على رفاقه ، ويتابع كلّ صغيرة وكبيرة تخصهم في أيّ شأن ... اضافة الى عمق الوعي الوطني الذي كان يُغلبه ، على أيّ تناقضٍ آخر .

في تلك المرحلة كان الفتى الذي كنتُ ، يوسع دائرة الاتصال بالمحيط ، على المستوى السياسي والثقافي ، ويغذُّ الخطى باتجاه صياغة الرؤى التي يريد ، فبدأت علاقات جديدة في السياق الثقافي من خلال مجلة " نضال الشعب " فتعرفت على الشاعر العراقي الكبير : جليل حيدر ، والذي بدوره ومن خلاله تعرفت على نخبةٍ ، من الشعراء السوريين ، الذين كانوا يأتونه في مقر المجلة في دمشق ، اضافة الى الانفتاح على اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية والاتصال بالشاعرة الكبيرة الراحلة : هند هارون والكاتب زهير جبور والروائي مسعود جوني وآخرين ، وهنا بدأ ماراثون الفعل الثقافي الحقيقي ، من خلال المشاركات المتواصلة ، وتأكيد الحضور الفاعل بكل تجلياته ... فهل استطعت فتح ثغرة نحو ما أريد ؟