العدوان التركي على سوريا.. "صفقة" كواليسية أم هدية أميركية "ملغومة"؟ بقلم: فيصل علوش
تاريخ النشر : 2019-10-21
العدوان التركي على سوريا.. «صفقة» كواليسية أم هدية أميركية «ملغومة»؟

فيصل علوش

تجاهلت أنقرة كلّ الانتقادات التي وجّهت إليها وبدأت معركتها الجديدة في سوريا (9/10)، وذلك بهدف «القضاء على التهديدات التي يمثلها مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية (التي تصفها أنقرة بـ«الإرهابية»، باعتبارها امتداداً لحزب العمال الكردستاني)، وتمكين اللاجئين السوريين في تركيا من العودة إلى ديارهم بعد إقامة منطقة آمنة»، حسبما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، علماً أنّ الأخير كان حشد قواته على الحدود السورية مُهدّداً بتنفيذ ما توعّد به منذ نحو سنتين.

وقال مراقبون إنّ لتركيا هدفين رئيسيين في شمال شرقي سوريا؛ «إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن حدودها؛ وإنشاء منطقة داخل سوريا يمكن فيها توطين نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري تستضيفهم في الوقت الراهن».

وجاء العدوان التركي بعد يومين من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب جزء من جنوده من بعض النقاط الحدودية السورية ـ التركية. وهو القرار الذي جاء، بدوره، بعد مكالمة هاتفية بينه وبين الرئيس التركي، حيث قال ترامب: «إن على الأكراد السوريين أن يقاتلوا بمفردهم». 

ثم عاد الرئيس ترامب وأمر بسحب نحو ألف جندي آخرين من شمال سوريا، بالتزامن مع الهجوم التركي، فبدا الانسحاب الأميركي بمثابة «ضوء أخضر» أميركي للحليف الأطلسي لاجتياح شمال سوريا وإقامة منطقته الآمنة المزعومة، وذلك بعد التخلي الأميركي عن أكراد سوريا وتركهم يواجهون مصيرهم بمفردهم. ولقد كانت إدارة ترامب واضحة حين قالت: «تركيا لم تعْبر الخط الأحمر المرسوم لها»!، ما يدلّ على اتفاقٍ مسبق في شأن التوغل التركي. 

ذلك كلّه، ساهم في الترويج عن وجود «صفقة» بين الأطراف الدولية المعنية بالأزمة السورية، وكان لافتاً في هذا الصدد، ما ألمح إليه الرئيس الإيراني حسن روحاني حين أشار إلى «صفقات من وراء الكواليس»، في تعليقه على الهجوم التركي، قبل أن يضيف قوله إنّ «إيران تشاطر تركيا القلق والمخاوف إزاء الأكراد»، لكنه رأى أنّ الحلّ هو أن «توقف تركيا عملياتها، وأن ينضم الأكراد إلى الجيش السوري».

«قسد»: «طعنة» من الخلف!

وكانت قوات سوريا الديمقراطية «قسد» دعت الولايات المتحدة (12/10)، إلى «تحمل مسؤولياتها الأخلاقية، وفرض حظر جوي يمنع المقاتلات التركية من قصف المدن والقرى السورية». وقالت في بيان: «فجأة ومن دون سابق إنذار، تخلّى حلفاؤنا عنّا». وأضافت: «من شأن فرض حظر جوي أن يساعد المقاتلين الأكراد في التصدي أكثر لهجوم القوات التركية والمقاتلين السوريين الموالين لها». واعتبرت «قسد» قرار الرئيس ترامب بسحب جنوده من نقاط حدودية عدة، «خيبة أمل كبيرة وبمثابة طعنة من الخلف». 

وبعدما طالته انتقادات لاذعة متهمة إياه بالتخلي عن الأكراد ومحذرة من عودة تنظيم «داعش»، هدّد ترامب تركيا بتدمير اقتصادها «في حال تخطّت حدودها». وحذر وزير الخزانة ستيفن منوتشين من «عقوبات شديدة جداً»، إلا أن «قسد» اعتبرت أن «العقوبات لن تكون مجدية»، وخاصة في المدى العاجل والقريب. 

يُذكر أنّ الولايات المتحدة تحالفت مع الأكراد السوريين منذ عام 2014 في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وعملوا معاً على هزيمته. وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية، التي تتقدمها وحدات حماية الشعب الكردية، على معظم الأراضي التي كانت تقع تحت سيطرة «داعش»، كما أنها تحتجز الآلاف من مقاتلي التنظيم المتشدّد في سجونها. 

وفي دفاعه عن قراره قال ترامب: «لم يساعدوننا في القتال من أجل أرضنا، هم يقاتلون من أجل أرضهم وهذا أمر جيد، لكننا ساعدناهم»!.

«هدية مسمومة»!

وفي مقابل الحديث عن «صفقة كواليسية»، هناك من تحدث عن «هدية ملغومة» قدّمها ترامب للرئيس أردوغان، الذي يهجس بالعداء للأكراد. وتتمثل بـ«مستنقع شمال شرق سوريا» يؤسّس لـ«صدام وشيك بين القوى الفاعلة في الملف السوري»، أو لحرب استنزاف طويلة يمكن أن يخوضها الأكراد المدربون ضد الجيش التركي.

ويرى مراقبون أنه ليس من السهولة بمكان أن يتمكّن الجيش التركي من تحقيق نصر سريع في هذه المعركة، خاصة أنّه سيجد نفسه أمام قوات كردية عالية التسليح والتدريب، يمكن أن تتمكن من إطالة أمد المعركة إلى أبعد ممّا هو مخطط له، إضافة إلى الكلفة المادية الباهظة لهذه العملية العسكرية، في وقت تعاني فيه تركيا من تدهور اقتصادي كبير. أي أنّ هذه الحرب ستكون بمثابة «عقاب للرئيس التركي واستنزاف للموارد المالية التركية». 

وقد أشارت آخر الأخبار المتداولة، إلى أنّ الأكراد عقدوا اتفاقاً مع دمشق، بوساطة روسية، يضمن دخول الجيش السوري إلى المناطق التي كان يسيطر عليها الأكراد مقابل دفاعه عن هذه المناطق، ما قد يؤدي إلى اصطدام تركي سوري، وبالتالي ولادة أزمة خطيرة بين تركيا وحلفاءها في «مسار آستانا»، إيران وروسيا، علماً أنه لطالما اعتبرت دمشق أنّ أنقرة قوة احتلال لها مخططات في الشمال السوري، ولمّحت إلى استعدادها لإبرام اتفاق مع الأكراد على الرغم من أن مفاوضاتهما العام الماضي وصلت إلى طريق مسدود. 

وحتى لو نجح الجيش التركي في تحقيق أهدافه العسكرية وإقامة ما يطلق عليها بمنطقة أمنة، فإنه سيقع على عاتق الحكومة التركية، في هذه الحال، «توفير الخدمات العامة لملايين اللاجئين». فالقيادة التركية كانت تأمل بأن تتحمل الولايات المتحدة، وبعض الجهات المانحة، جزءاً من هذا العبء المالي. وحاولت أنقرة مراراً دفع واشنطن للمشاركة في إقامة هذه المنطقة على هذا الأمل، لكن الانسِحاب الأميركي، كما قال مراقبون، ألقى بهذا العِبء الماليّ كاملاً على الجانب التركي، في وقت لا يبدو فيه الاقتصاد التركي مهيأً لمثل هذا الأمر، حتى لو لم تفرض عليه أية عقوبات أميركية، فما بالكم إذا نفذت واشنطن وعيدها وقامت بفرض هذه العقوبات؟!.