(... صارت بلادك ميدانا لكل قوي) 2!! بقلم:ياسين عبد الله السعدي
تاريخ النشر : 2019-10-20
(... صارت بلادك ميدانا لكل قوي) 2!! بقلم:ياسين عبد الله السعدي


هدير الضمير
(... صارت بلادك ميدانا لكل قوي) - 2 !!
ياسين عبد الله السعدي
نشر في جريدة القدس يوم الأحد بتاريخ 20102019م صفحة 13
تحت هذا العنوان كنت قد كتبت مقالا نشرته في جريدة القدس يوم الأحد بتاريخ 432018م؛ صفحة 14 بدأته: (هذا عجز بيت من الشعر من قصيدة في ذكرى عيد المولد النبوي ويتحسر فيها الشاعر القروي، رشيد سليم الخوري، على ما وصل إليه حال الأمة الإسلامية من الاستخذاء أمام الأجنبي حين وقعت كل بلاد العرب والمسلمين تحت الاحتلال المباشر أو تحت الحماية المقنعة.
وعندما اشتدت وطأة المستعمرين وتواطؤ السماسرة المتخاذلين نظم الشاعر القروي قصيدة أخرى ضد الغاصبين فقال منها:
وطنٌ، ولكن للغريب، وأمةٌ *** ملهى الطغاةِ وملعبُ الأضدادِ
يا أمةً أعْيَتْ لطول جهادها *** أسُكونُ موتٍ أم سُكونُ رُقادِ؟
يا موطنا عاث الذئاب بأرضِهِ *** عهدي بأنك مربض الآسادِ
واهاً لأصفادِ الحديدِ فإننا *** من آفةِ التَّفريقِ في أصْفادِ
في ذلك الحين اشتد الصراع مع المحتلين الغاصبين وأخذ الشعراء يستصرخون الشعوب للثورة على الطغيان، فقال الشاعر القروي قصيدة يمجد فيها رسولنا الكريم ويناجيه بأن البلاد الإسلامية صارت ميدانا للقوى العظمى التي راحت تتلاعب بمصائر الشعوب وتهيمن على مقدراتها وتسيطر على مواردها حتى قبل اكتشاف النفط، كما كان يحدث من هيمنة الشركات الأجنبية على الزراعة في مصر كزراعة القطن وقصب السكر والسيطرة على قناة السويس والاستئثار بمواردها من الرسوم.
قال القروي يناجي الرسول الكريم بمناسبة عيد المولد النبوي ويخاطبه متحسراً على ما وصلنا إليه من الهوان والخذلان فقال متفجعاً:
يا صاحب السيف لم تُفلْلْ مضاربُهُ *** اليوم يَقْطُرُ ذُلاً سيفُكَ الدَّمَوي
يا فاتح الأرض ميداناً لقوَّته *** صارت بلادك ميداناً لكل قَوي
البلاء من الوكلاء
والوكلاء هم الذين استخلفهم الاستعمار بعد رحيله الوهمي لكي يقوموا بدوره في قهر شعوبهم وحرمان مجتمعاتهم من أنسام الحرية الحقيقية وتمكينه من مواصلة استغلال الثروات والموارد الطبيعية التي أنعم الله بها على الدول العربية والمواقع الاستراتيجية التي تتحكم بالممرات التجارية فعقد معها ما يسمي المعاهدات والاتفاقات التي تبيح له السيطرة بصورة زعم إنها معاهدات مع دول ذات سيادة بينما هي ترضخ لإرادة الدول التي تزعم أنها تحميها من العدو الخارجي بينما هي لتمكين تلك الزعامات من محاربة كل دعوة للخروج من تحت عباءة الأجنبي.
لكن المأساة الكبرى فإن الزعيم الذي يستبد بالسلطة ويتحكم بالبلاد والعباد سرعان يتهم شعبه بأكبر كذبة في التاريخ الحديث وهي أكذوبة: (محاربة الإرهاب) ويستقوي بالأجنبي الذي يجدها فرصة لكي ينقض على البلد المنكوب ويمعن مع النظام المستبد في تدمير الوطن وتهجير السكان وجعل البلد قاعا صفصفا كما حدث ويحدث في سوريا الحبيبة من مجازر تصل إلى درجة (جهنم على الأرض) كما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في كلمته يوم الاثنين 2622018م أمام المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان.
صارت سوريا الحبيبة اليوم ميداناً للمتصارعين من القوى العظمى وتوابعها من الدول ولكنهم في توافق وتفاهم وتقاسم للأدوار بحيث يبدو بعضهم أنه قرر الرحيل ولكن بعد أن يترك خلفه من يسد مكانه في إدارة الصراع بعد تسليحه وتدريبه وتوفير الدعم له في المحافل الدولية كما فعل ترامب في الشمال الشرقي من سوريا حين قرر الانسحاب الجزئي وما لبث أن سحب قواته من سوريا وتظاهر بأن القوات الكردية التي رباها في سوريا قد خذلته وخانت توصياته وأطلقت سراح بعض الأسرى من داعش لكي تسبب الإحراج له أمام دوائره الرسمية وأمام الشعب الأمريكي.
لا يختلف الدور الروسي عن الدور الأمريكي في الأهداف وإن كان يسلك مساراً مختلفاً فيتظاهر بأنه يسعى للتوافق بين القوى المتضاربة وتوفير الوقت والجهد على تركيا لتحقيق الغاية التركية المعلنة من تحقيق عملية (نبع السلام العسكرية) بزعم أنه الضامن لحماية الحدود التركية بإبعاد القوات الكردية المتمردة أصلا على حكومة الأسد الذي يصف هذه الميليشيات بالإرهابية ولكن روسيا استطاعت أن تلزم النظام في دمشق بقبول الميليشيات الكردية مقابل انتشار قواته على الحدود السورية.
تتسارع تداعيات المواقف من شرقية وغربية وحتى عربية وتتبارى في إدانة العملية التركية بدعوى الحرص وحدة التراب السوري والحفاظ على حياة المدنيين من المواطنين ويتناسى هؤلاء وهؤلاء ماضيهم الاسستعماري والإجرامي الملطخ بدماء الشعوب التي ابتليت بهم وأوغلت باستعبادهم وإذلالهم وتتجاهل المجازر التي ارتكبتها وتتباكى على الأكراد الذين مارسوا الأساليب الوحشية مع السكان، من عرب وتركمان وحتى من الأكراد المواطنين المنتمين لوطنهم ودينهم.
ما يحدث من ضجة كبرى في الغرب خاصة، إنما هدفه الأساسي هو وقف العملية العسكرية التركية وإنقاذ ربائبهم من الميليشيات الكردية لأن النية التي لم تفصح عنها تركيا ولكنها تعلم أنها أساس تداعيات الدول الأوروبية وأمريكا وروسيا أيضا هو أن هذه الدول تخطط لقيام إسرائيل جديدة في الشمال العربي على الحدود بين سوريا وتركيا.
الخلافات المفتعلة بين الرئيس الأمريكي وأعضاء من الكونجرس وحتى من الجمهوريين هي خلافات مبرمجة لأن الجميع يريدون بقاء القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي بداعي الخوف من عودة تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان اتخاذه سبباً لتدمير العراق وسوريا بحجة محاربة الإرهاب، بينما يريد ترامب سحب القوات من سوريا لكي يثبت للشعب الأمريكي وفاءه بما وعد خلال حملته الانتخابية السابقة من التزامه بإعادة الجنود الأمريكيين إلى أرض الوطن وتخليص أمريكا من الحروب العبثية في الشرق الأوسط بينما يهدف إلى مصلحته الشخصية.
أما الدول الأوروبية التي تدور في الفلك الأمريكي فهي تهدف من مواقفها المعادية لتركيا على إنشاء دولة كردية تكون قلعة متقدمة لخدمة أهدافهم الاستعمارية كما أقاموا دولة إسرائيل ودعموها ولا يزالون يواصلون الدعم كسياسة ثابتة.
اشتد التسابق بين الدول العظمى على النفوذ في سوريا ولذلك فإن زعماء الكونجرس الأمريكي يعارضون سحب الرئيس ترامب للقوات الأمريكية من سوريا بحجة خذلانه لحلفائهم الأكراد منكرين أن تركيا عضو في حلف النيتو. أما روسيا فسارعت إلى القفز على مدينة منبج التي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديموقراطية تتقدم بعض قوات النظام لتسبق القوات التركية وقوات المعارضة السورية الوطنية وفرض الأمر الواقع.
كان الاتفاق بين نائب الرئيس الأمريكي؛ مايك بنس والرئيس التركي أردوغان مساء الخميس الماضي 17102019م المفاجأة التي أذهلت العالم وألجمت الخيول التي تتسابق في الميدان السوري واعتبره المراقبون اتفاقا حقق لتركيا ما تهدف إليه من غير حرب وإراقة الدماء.
نشر في جريدة القدس يوم الأحد بتاريخ 20102019م صفحة 13
[email protected]