بعد أن حطّت المعركة الإنتخابية أوزارها بقلم:محمد المحسن
تاريخ النشر : 2019-10-19
بعد أن حطّت المعركة الإنتخابية أوزارها بقلم:محمد المحسن


بعد أن حطّت المعركة الإنتخابية أوزارها:
ملفات شائكة ومتخمة بالمفخخات..في إنتظار الحكومة القادمة

قد لا أجانب الصواب إذا قلت أنّ قضايا ومطالب التونسيين في هذا الظرف الدقيق والحاسم الذي تمرّ به البلاد،باتت أهم من الصراعات الشخصية والمناورات الحزبية والمحاصصات السياسية التي لا طائل من ورائها سوى تغليب الفتق على الرتق والزج بالبلاد والعباد في متاهات مبهمة ومعقّدة من الصعوبة بمكان التخلّص من عقالها والنأي بأنفسنا عن تداعياتها الدراماتيكية في المدى المنظور..
وبغض النظر عن المنطق الحسابي،ورهانات الربح والخسارة،لايزال المشهد السياسي في تونس يفتقر إلى الإستقرار بصورة نهائية،بالنظر إلى حالة التشتت الحزبي وغياب القواعد الثابتة للأحزاب،مما سيفضي مستقبلاً-في تقديري-إلى تجمع القوىالمتقاربة،إذا أزمعت تأكيد حضورها السياسي.
أقول هذا،وأن على يقين بأنّ العديد من الملفات الشائكة تستدعي-منا جميعا-وعي عميق بجسامتها ومقاربة شاملة تبحث في الأسباب وتسخلص النتائج عبر رؤية ثاقبة،وهو ما يقتضي نمطاً من التوافق الضروري بين القوى المختلفة،إذا أرادت-حكومة الوحدة الوطنية-أن تحقّق استقراراً ونجاحاً ممكناً في إدارة شؤون البلاد..
وإذن؟
تونس إذا،في حاجة إلى تكاتف كافة مكونات المجتمع المدني وكل القوى السياسية لتثبيت أركان الجمهورية الثانية،ومن ثم انجاز مشروع مجتمعي طموح ينآى بالبلاد والعباد عن مستنقعات الفتن،الإثارة المسمومة والإنفلات الذي يتناقض مع قيم العدالةوالحرية،وهذا يستدعي منا-كما أسلفت-هبّة وعي تكون سدا منيعا أمام كافة المخاطر التي تهدّدنا وتسعى إلى تحويلنا إلى نماذج مرعبة ومخيفة لما يجري في العراق وسوريا وليبيا..
أما على مستوى الحكومة فإنّ الأولويات هي التي تحدّد الشعارات المختزلة لبرنامجها،وترسم تبعا لذلك خارطة طريق إنجازها،وأعتقد جازما أنّ ديمقراطيتنا الناشئة بحاجة متأكدة إلى برامج تتضمّن الأولويات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية الملحة،تكون مختزلة لأفكار وشعارات عميقة وسهلة الإستيعاب من قبل عموم الناس،وملزمة للحكومة،التي على أساسها يتم تقييم إنجازاتها.
ما أريد أن أقول؟
أردت القول أنّ تونس ستواجه-في تقديري-تحديات اجتماعية واقتصادية متصاعدة بسبب تراجع نسبة النمو إلى أدنى مستوياتها ما يتطلب البحث عن حلول جذرية لمعالجة العقم الاقتصادي وإنعاش التنمية وذلك من خلال حزمة من الإجراءات الصارمة والتصدي لكل أشكال التهريب والقضاء على مسالك الإقتصاد الموازي إضافة إلى محاربة غول الفساد الذي تفشى في كل دواليب الدولة.
ومن هنا،فإنّ إنقاذ تونس من أزمتها واتخاذ مثل هذه الإجراءات يحتاج إلى رئيس حكومة جريء ومستقل بعيدا عن كل الألوان السياسية حتى لا يكون مكبلا ويطبق القانون ويتخذ القرارات التي تهم مصلحة البلاد والعباد بعيدا عن الدوائر الحزبية الضيقة..
فالإقتصاد قد تراجع خلال السنوات الأخيرة،ولم تتجاوز نسبة النمو 1% خلال الربع الأول من العام 2016،وشملت هذه المؤشرات تراجع قيمة الدينار التونسي مقابل الدولار (1 دينار = 0.45 دولار)، وارتفاع معدلات البطالة التي بلغت 15.4%..
وتأثرت أيضا السياحة التي تعد أحد أعمدة الإقتصاد في البلاد سلبا جراء العمليات الإرهابية التي ضربت بلادنا..
في هذا السياق يقول الخبراء إن"مصاريف الدولة التونسية منذ عام 2011 تتجاوز مداخليها الذاتية"الأمر الذي عمّق حدة الأزمة وزاد من"صعوبة إنعاش الإقتصاد"في ظل تواضع نسبة إنجاز المشاريع التنموية الحكومية منذ الإشراقات الأولى للثورة.
كل المؤشرات تدل على أن البلاد تتجه نحو مزيد من التأزم والغرق في مستنقع الأزمة السياسية والإقتصادية والاجتماعية.وقد شعر الكثير من التونسيين بالخطر عندما كشفت المصادر الرسمية عن أن نسبة النمو قد انخفضت خلال السنوات القليلة الفارطة إلى حدود 1.7 في المائة.ويعود ذلك إلى موجة الإضرابات من جهة،وإلى انهيار قيمة العمل بشكل غير مسبوق،من جهة ثانية.وهذا ما دفع بالإخصائيين في المجالات الإقتصادية إلى إطلاق صيحة فزع تؤكّد أن الأوضاع بدأت تقترب من حافة الهاوية،حيث أشارت العديد من التقارير الصادرة عن هيئات مختصة إلى تراجع حاد في أداء مؤسسات الإنتاج والإدارات والمنشآت العمومية،مما حدا بكبريات المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي،إلى الرفع من سقف ضغوطها على تونس من أجل دفعها نحو إنجاز "الإصلاحات"المطلوبة،لأنه في حال عدم إنجاز ذلك،فإن المساعدات المالية قد تتوقف.
وقد قال صندوق النقد الدولي في 30 ماي 2018 ان تونس عبًرت عن التزام قوي بإجراء إصلاحات اقتصادية عاجلة تحتاجها للتأهل لشريحة جديدة من قروض الصندوق.
وتوصل صندوق النقد الذي مقره واشنطن إلى اتفاق في 2016 لمساعدة تونس ببرنامج إقراض مدته أربع سنوات تبلغ قيمته حوالي 2.8 مليار دولا،مرتبط بإصلاحات اقتصادية تهدف للإبقاء على عجز في ميزانية البلاد تحت السيطرة.
ختاما أقول:إن المرحلة الدقيقة التي تمر بها بلادنا ومسارها الديموقراطي تقتضي من الجميع مهما كانت المواقع والمرجعيات والقراءات الحرص على تقديم الأهم على المهم،والحفاظ على مكتسبات بلادنا والسعي إلى التوجه الجدي والثابت نحو تحقيق المزيد من الإنجازات والذود عن الوطن من الأخطار المحدقة به والسير به نحو مستقبل واعد وطموح.
وأرجو من سيادة الرئيس المنتخَب قيس سعيد وكذا من الحكومة التونسية التي ستتشكّل قريبا فهم دلالات رسالتي جيدا..
شاعر،ناقد وكاتب صحفي
-عضو في إتحاد الكتاب التونسيين-