هل هناك انعكاس لصورة صدام حسين بدخوله الكويت على أردوغان بدخوله منبج؟
تاريخ النشر : 2019-10-19
هل هناك انعكاس لصورة صدام حسين بدخوله الكويت على أردوغان بدخوله منبج؟


هل هناك انعكاس لصورة صدام حسين بدخوله الكويت على اردوغان بدخوله منبج؟
                                                                            بقلم: د. سرمد فوزي التايه 

18/10/2019  

يُطالعنا هذه الأيام وبالخطوط المُشّعة أخبار وعلى كافة وسائط الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ورقياً والكترونياً مفادها ان وحدات من الجيش التركي قد توغلت داخل الأراضي السورية للوصول الى الشمال السوري وتحديداً نحو مدينة منبج في ريف حلب الشرقي من بوابة مدينة جرابلس شمال سوريا بعملية أُطلق عليها اسم " نبع السلام" وذلك على مناطق سيطرة القوات الكردية المعروفة باسم "وحدات حماية الشعب" والتي تنشط ضمن تحالف "قوات سوريا الديمقراطية" المدعوم أمريكيا في الحرب على "داعش".

لقد ذكرت مصادر إخبارية مطلعة عديدة تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده عازمة على شن عملية عسكرية شمال شرق سوريا لتطهير المنطقة من "وحدات حماية الشعب" الكردية التي تعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً وذراعاً لـ "حزب العمال الكردستاني". ومن الملاحظ هنا وعلى العلن تزامن سحب الولايات المتحدة الامريكية قواتها من تلك المنطقة السورية المُتاخمة للحدود مع تركيا. هذا وقد أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده لا تواجه مشكلات في عملية "نبع السلام" بالنسبة لمدينتي عين العرب ومنبج، وإنها أجرت اتصالات مع الولايات المتحدة وروسيا بخصوص هاتين المدينتين، مُشيراً إلى أن بلاده اتفقت قبل عام مع واشنطن على انسحاب "التنظيمات الإرهابية" من منبج خلال 90 يوماً، وهو ما لم يتحقق بعد، ما جعل الرئيس التركي يتخذ قراره ببدء تلك العملية الواسعة. 

وما كادت تسير تلك العملية العسكرية وتتوسع في تلك المناطق على حساب نفوذ "وحدات حماية الشعب" وبعد ان قامت القوات الامريكية بالانسحاب من تلك المنطقة بالشمال السوري واعطاء الضوء الأخضر لأردوغان ليقوم بشن حملته العسكرية، حتى تراجعت القيادة الامريكية عن فكرتها وقرارها وبعد بضعة أيام من هذه العملية فقط؛ مُكشِّرةً عن أنيابها فارضةً مجموعة من العقوبات على بعض قادة الدولة التركية ومتوعدةً بالمزيد من إجراءات الحزم؛ فها هو وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" يقول إن الرئيس ترامب وقّع مرسوماً يقضي بفرض عقوبات على تركيا، وأضاف أن مرسوم ترامب يمنح السلطات الأمريكية إمكانية فرض عقوبات إضافية على المسؤولين الأتراك على خلفية العملية العسكرية بسوريا، وان هذه العقوبات الأمريكية تهدف لإجبار تركيا على وقف هجومها العسكري شمال شرقي سوريا.

ان هذا الحدث التاريخي الهام يعود بنا الى الذاكرة الى قبل حوالي عشرين عاماً من اليوم، وتحديداً في 2 أغسطس من العام 1990 عندما شنَّ الجيش العراقي هجومه على الكويت واستغرقت العملية العسكرية حينئذ يومين انتهت باستيلاء القوات العراقية على كامل الأراضي الكويتية بعملية أُطلق عليها في حينه اسم "ام المعارك" او "حرب تحرير الكويت" بضوء امريكي اخضر وتحت مسمع ومرأى العالم أجمعين. وما هي الا أيام قلائل حتى بدأ العالم أجمع وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية بحربٍ مضادة على الجيش والحكومة والقيادة العراقية بقيادة "صدام حسين" تمثلت بدايةً بفرض عقوبات اقتصادية على عدد من اركان القيادة وقتئذ لتتلوها خطوات أخرى تمثلت بعقد حصار شامل على الجمهورية العراقية وبمباركة أممية وبقرار رقم " 661 " والذي نص على إقرار عقوبات اقتصادية خانقة على العراق لتجبر قيادته آنذاك على الانسحاب الفوري من الكويت، وقد تلا هذا القرار العديد من القرارات أدت الى حصار خانق قاد الدولة الى الهاوية، هذا وقد أستمر هذا الحصار قرابة 13 عاماً انتهى عملياً بسقوط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي والدولة العراقية ككل عام 2003 .

وما اشبه اليوم بالأمس؛ وما اقرب الصورة عندما تنطبق على خيالها بكافة تفصيلاتها وزواياها وحذافيرها؛ فالقارئ المُتبصِر، والمُتابع المُتبحِر، وصاحب بُعد الرؤيا، وحامل الارث التاريخي يستطيع تركيب تلكما الصورتان على بعضهما بانطباق تام يكون الفاصل الوحيد بينهما الزمن والزمن فقط؛ ففي الصورة الأولى كانت أركان تلكما الاحداث مُتمثلة بدولة تستولي على الأخرى بدواعٍ ومسبباتٍ ومصوغاتٍ عدة وبمباركة وايماءات إيجابية من المُهيمنة على هذا العالم وسيدته صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في ذلك الزمن" الولايات الامريكية المتحدة "، وفي الصورة الثانية أيضاً، تمثّلت أركانها وعناصرها بدخول دولةً لدولةٍ أخرى واستباحة سيادتها بمبرراتٍ ونزعاتٍ ومصوغاتٍ لها ما لها وعليها ما عليها، وأيضاً بمباركة وايماءات إيجابية من ذات صاحبة الكلمة وسيدة هذا العالم اليوم" الولايات الامريكية المتحدة ". 

ان الذي نخشاه من هذه العملية " نبع السلام" وبغض النظر عن اتفاقنا مع الدولة التركية او معارضتنا لفكرتها وقضيتها وعمليتها العسكرية ان تكون تلك الدولة بقيادتها قد وقعت في الشِرك الذي حاكته لها الولايات المتحدة واعدته لها لتكون فريسةً وصيداً ثميناً لتلك القوة الغاشمة فيكون لها مبررها وكلمتها الحق التي أُريد بها الباطل؛ فتُنفِذ عليها ما نفذته على القيادة العراقية السابقة بقيادة "صدام حسين" وتبدأ بجرجرتها من عقوباتٍ الى عقوبات، ومن حصارٍ الى حصار، ومن ثم الى أمور مُستترة وأخرى مفضوحة قد تتطور وتتدحرج ككرة ثلج فيما بعد لتتحول الى حرب ضروس يكون بموجبها كسر ظهر تلك الدولة الفتية الواعدة والطموحة والتي بدأت تترعرع وتكاد تُؤتي أُكلها ويخضرُ عودها الذي نما من جذور الام العجوز ذات الرداء الإسلامي، وبالتالي تؤول الى ما آلت له الامة العراقية ذات الرداء القومي وذلك بإغراقها بالحروب والفساد والتقتيل والفتنة والشرذمة والعودة بها مئات السنين الى الوراء وخلف ركب الأمم لتُضحي كما أختها التي باتت منكوبة مكسورة الظهر والعزيمة والإرادة تتسول العزة ورفعة النفس على قارعة الطريق.