ثلاث اضعاف مساحة لواء الاسكندرون..هل مجرد منطقة عازلة في شمال سوريا..أم هناك مآرب أخرى؟
تاريخ النشر : 2019-10-18
ثلاث اضعاف مساحة لواء الاسكندرون..هل مجرد منطقة عازلة في شمال سوريا..أم هناك مآرب أخرى؟


بقلم:د. سمير مسلم الددا
يبدو ان الرئيس الامريكي دونالد ترامب قد فقد رباطة جأشه أثر شروع الكونجرس (مجلس النواب تحديدا) في وقت سابق من الشهر الماضي بالتحقيق بهدف عزله في التهم المنسوبة اليه بما فيها استخدام اموال دافعي الضرائب في تحقيق مصالح شخصية والاستعانة بدولة اجنبية للتأثير في الانتخابات الرئاسية.
حاول الرئيس واركان ادارته صرف الانظار عن هذا الحدث التاريخي النادر الحدوث في التاريخ الامريكي، وبحسب مراقبين فأن قراره المثير للجدل بسحب القوات الامريكية من شمال سوريا يأتي في هذا السياق, بل ذهب البعض الى انه مخطط له بعناية لخلط الاوراق في هذه المنطقة المتوترة بهدف تفجيرها مما سيسترعي بالضرورة الاهتمام العالمي وتركيز وسائل الاعلام, وبالتالي سرقة الاضواء مما يجري تحت قبة الكابيتول ومن ثم تحييد او على الاقل التخفيف من وطأة تأثير الرأي العام المحلي والدولي على مجريات اجراءات التحقيق في الاتهامات الموجهة للرئيس ترامب الذي نجح الى حد كبير في هذا الامر وحرف انظار العالم (ولو الى حين) نحو ما تقوم به تركيا في شمال سوريا.
وما يعزز هذا الطرح, التسريب الذي نشرته مجلة «نيوزويك» الأمريكية في عددها الاخير، على لسان مصدر مطلع في مجلس الأمن القومي الأمريكي عن فحوى الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس ترامب مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قبيل ساعات من اعلان قرار الانسحاب المشار اليه، وذكرت المجلة أن المصدر الذي حضر المحادثة، قال إن «ترامب ابدى موافقة على العملية العسكرية التركية نبع السلام في شمال سوريا بدون ان يحصل على أي مقابل تقريبا وانه ظهر ضعيفا امام اردوغان خلال الاتصال".
هذا القرار في نظر المشرعين الامريكيين (ديمقراطيين وجمهوريين) له تأثير مدمر على مصداقية الولايات المتحدة وموثوقيتها كحليف او صديق والى اي مدى يمكن الاعتماد عليها, مما حدا بالسواد الاعظم من الساسة الامريكان بمعارضة هذا القرار بما فيهم ابرز اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين من بينهم السيناتور البارز ليندسي غراهام المقرب من الرئيس ترامب والذي صرح (غراهام) بأنه سيعمل مع اعضاء كونجرس اخرين على ايجاد آليه لأبطال او الغاء قرار ترامب المشار اليه.
ونتيجة للضغط الهائل الذي قام به اعضاء الكونجرس على الرئيس ترامب وخصوصا الجمهوريون وتخوفه من تأثير ذلك مستقبلا على موقفهم من اجراءات عزله التي تشهدها حاليا كواليس مجلس النواب وفي محاولة منه للتخفيف من الخسارة السياسية الكبيرة التي تكبدتها الولايات المتحدة نتيجة قراره بالانسحاب من شمال سوريا لتحقيق "اهداف شخصية", بادر ترامب الى ارسال نائبه مايك بنس ووزير خارجيته مايك بومبيو الى تركيا اللذان اجتمعا مساء الخميس 17 تشرين اول اكتوبر مع الرئيس اردوغان, ليخرج بنس عقب اللقاء مباشرة ليعلن في مؤتمر صحفي نقلته شبكة السي ان ان "قبول تركيا لوقف اطلاق النار ليخرج مقاتلون وحدات حماية الشعب الكردية من المنطقة التي تشهد العمليات العسكرية وبعمق 20 ميلا" كما قال بنس.
أنقرة وفقا لخبراء استراتيجيين تهدف الى تنفيذ مشروع يرمي الى إعادة حوالي مليون لاجئ سوري وتسكينهم في المنطقة، في مسعى تركي يهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي، بإبعاد المكون الكردي الذي يبلغ تعداده حوالي 850 الف نسمة عن الشريط الحدودي مع سوريا وابداله بلاجئين من العرب مقربين وجدانيا من انقرة للتخلص من الاضطرابات والقلاقل التي كان تقوم بها وحدات كردية انطلاقا من تلك المنطقة, هذا بالاضافة الى ان تركيا يمكنها ان تستخدم هؤلاء اللاجئين اذا اقتضت الحاجة كورقة للضغط على أوروبا، لتحصيل المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية.

أخر الكلام:
المنطقة العازلة التي قامت تركيا بانشائها في شمال سوريا عرضها حوالي 30 كيلومترفي عمق الاراضي السورية المحاذية للحدود التركية من منبج غربا ولغاية الطبقة ومحافظة الرقة غربا وباتجاه الحدود العراقية وصولا الى الحسكة والقامشلي شمالا وبطول 480 كيلومتر تقريبا وهذه المنطقة العازلة التي اصبحت تقريبا تخضع للسيطرة التركية تبلغ مساحتها حوالي 14,400 كيلومتر مربع اي حوالي ثلاثة اضعاف مساحة لواء الاسكندرون البالغة 4800 كيلومتر مربع تقريبا...!!!!
هذا هو الهدف الاستراتيجي الذي كان يحلم به الرئيس اردوغان منذ بداية الاحداث الدامية التي شهدتها سوريا في السنوات الاخيرة وها هو استطاع تحقيقه اليوم بتواطؤ الرئيس ترامب.
د. سمير الددا
[email protected]