أبى هل تسمعني بقلم:أمل عبد الله
تاريخ النشر : 2019-10-18
أبى هل تسمعني بقلم:أمل عبد الله


مرت سنوات كثيره على وفاتك ، فى كل هذه السنوات لم أستطع أن أمسك القلم وأكتب عنك مع إننى أحترف الكتابه !!! وكنت أندهش دائما من نفسى وأتساءل لماذا لا أستطيع الكتابه عنك ؟
أخيرا أدركت لماذا لم أكتب عنك أو أحكى ، أدركت الآن أنه تمرد عليك يملأني ،، نعم إكتشفت أننى أتمرد عليك وعلى ذكراك لألم فى نفسى لانك أنجبتني فى سن متقدمه ثم إنتقلت إلى الرفيق الأعلى ولم أمكث معك طويلا ،، صحيح الأعمار بيد الله ولا إعتراض على مشيئته والحمد لله دائما وأبدا ،،، ولكنى إكتشفت أننى أعند كالطفلة الصغيرة التى مازالت تُريد قُرب أبيها
الآن فقط إستطعت الكلام عنك والكتابة ، لماذا لا أعرف أيضا ؟ ربما زال بعض الألم بمرور السنين ، ربما تلاشى التمرد بمرور الأيام ، لاأدرى ، ولكننى كنت دائما أكتب عن أشباهك فى مخيلتى
شخصيه السادات كانت تذكرنى بك فى صفات كثيره …حبه لقريته وإعتزازه بها ، ومحاولته الدائمة قضاء الأوقات فيها وتحوله إلى الريفى القُح عندما يزورها بإرتدائه العبايه وإمساكه العصا معتزا بنفسه وبأصله فى كبرياء …ثم ثقافته ، لغته العربيه ، إستئناسه بأهله ، ذكائه الفطرى الذى دوخ العالم بأسره
كتبت أيضا عن الخال عبد الرحمن الأبنودي نفس الصفات التى جذبتني لشخصيته هى صفاتك ، الشعر القاسم المشترك بينكم ، حبك للشعر، وحبك لوالدتك ولكل ماله صله بها ، أهلها ، عائلتها، بلدها ، كل مايخصها تُحبه وتحترمه وتعتز به
عبد الرحمن الأبنودي تزوج من مذيعه اسكندرانية وأنت تزوجت من أمى وعائلتها من الإسكندرية وهى سيده لها نفس ثقافه وهدوء ولغه نهال كمال الإنجليزية والفرنسية السليمة
رُزق عبد الرحمن الأبنودي بإبنتين وأنت رُزقت بإبنه واحده ، ولذلك كُنت أتعاطف معه وأُحس بإحساسه وإحساس بناته
كتبت عن السادات وكتبت عن الخال عبد الرحمن الأبنودي ولم أكتب عنك… إستغربت نفسى !!! أحببت فى كل واحد منهم صفاتك ولذلك تعلقت بهم وكأنهم صوره منك أو نُسخه إستنسختها لكى تُعوضنى عنك
والآن …… أتذكرك ياأبى بقامتك الطويلة وكتفيك العريضتين التى كنت أحتمى بهم وأنا صغيره ووجهك الأبيض وعينيك العسليتين وشعرك الأسود المجعد
أتذكر أشياء كثيره عنك خطك الجميل ، أسلوبك الرائع ، شعرك الجميل ، إعتزازك وإنتمائك لكل ماهو جميل ، قريتك الصغيرة ، أهلك ، عائلتك ، والدك الذى كان على رأس هذه القريه ، وطنك وحبك الكبير لحزب الوفد ولمصريتك
أتذكر وأتعجب عندما كنت تُجلسنى على رجليك لتحكى لى القصص وأنا صغيره فتحكى لى غزوه بدر وغزوه اُحد ومازلت أذكرك وأنت تُردد بحماس و عينيك تلمعان بالدموع نداء النبى صلى الله عليه وسلم عندما أشاع الكفار انه قُتل وهو يمتطى جواده ويمشى بين المجاهدين فى المعركه قائلا ( أنا النبي لا كذب أنا إبن عبد المطلب ) فتجعل الصورة أمامى وكأنى أراها ويسرح خيالى معك وأنت ترويها بصوتك العزب فتنطبق فى ذهنى إلى الأبد،، أتعجب كيف تهدهد طفله صغيره فتحكى لها عن غزوات المسلمين على هيئه قصص،، أى ثقافه عاليه تسقيها لها بطريقه بسيطه محببه إلى النفس لتعلم عن دينها وتعلم عن انتصار الإسلام والمسلمين على أئمه الكفر بطريقه بسيطه وسلسه وجميله
أتذكر وأتعجب كيف كُنت تُحفظنى حروف الجر وترددها برِتم مُغنى وأنا أجلس على رجلك تّهدهدنى بذكرها وأنا أرددها وراءك فأحفظها بسلاسه ويّسر هى وأغلب قواعد النحو
أتذكر عندما كنت أُقلد الأغاني وأنت تستمع وتُصفق وتُشجع ، وعندما كنت أحفظ سوره من القرآن فى المدرسة أو أبيات من الشعر أُسرع لأُرددها أمامك فتُشجعنى وتجعلها سهره فى ليالي الشتاء الباردة التى لم أُحس أبدا أنها بارده بل كانت دافئه بتشجيعك وتصفيقك وشُكرك
أتذكر عندما كنت أرتدى معطفك وأقف فوق مكتبك أترافع وأقول حضرات المستشارين حضرات القضاه إن الماثل أمامكم مظلوم وبرئ براءه الذئب من دم إبن يعقوب ، وأنت تضحك بملئ فيك وتقول لأمى سوف تُصبح محاميه لها شأن … جعلتنى أحب دراسه القانون وأحب كليه الحقوق دون مجهود منك سوي الإستماع والتشجيع
أتذكر كيف كانت حكاياتك عن كل شئ العائلة وتاريخها ، السياسه ، التاريخ ، ومايحدث فى البلد والحياه من احداث ، كل الحكايات كانت تُعلمنى و تُفيدنى بطريق غير مباشر
لم تكن تقيدنى بالعكس كنت تفتح الشبابيك والنوافذ وأنت على ثقه تامه أن الحرية الممنوحة لى بالضوابط التى علمتنى إياها تجعل أى شخص يملكها جدير بالثقة وتحمل المسئوليه
أبى صحيح أننى لم أنعم بقربك طويلا ولكن كل ماعلمته لى مازال بداخلى محفور فى وجدانى جزء منى يسكننى وأسكنه
حتى الغُصه التى كانت فى حلقك لأنك لم تّنجب ولد ، أحاول دائما أن أكون لك هذا الولد الذى لم تّنجبه بأن أكون عند حسن ظنك دائما ، ملتزمه ، متحمله للمسئوليه ، منتميه لكل شىء جميل تُحبه وتعتز به ،الوطن، اللغة العربيه ، الشعر والأدب ، دراسه القانون ،الوسطيه فى الدين دون التعصب
أبى هل أنت فخور بى ؟ هل إستطعت أن أكون لك ذلك الولد الذى لم تُنجبه ؟ أحاول … فيارب لاتخذلنى أن أحمل إسم هذا الرجل وأن أكون جديره بهذا الاسم
بقلم / أمل عبد الله
أمل محمد إسماعيل عبد الله