ماذا بعد الاندفاع التركي نحو شرق الفرات؟بقلم:عادل الجبوري
تاريخ النشر : 2019-10-17
ماذا بعد الاندفاع التركي نحو شرق الفرات؟
------------------------------

عادل الجبوري*

  تمثل عملية الاجتياح العسكري التركي الاخير للاراضي السورية تحولا خطيرا للغاية في اوضاع المنطقة، وانزلاقا كبيرا نحو المزيد من الفوضى والاضطراب، واندفاعا غير محسوب النتائج تجاه الخيارات العسكرية.

   المؤشرات الاولية، ومجمل ردود الفعل والمواقف الاقليمية والدولية الرافضة، تؤكد ذلك، واكثر من ذلك تذهب الى ان عدم ردع حكومة انقرة عن نزعاتها العدوانية ضد سوريا، يمكن ان تنعكس اثاره وتبعاته الكارثية على كل الاطراف.

   ولعله من الواضح جدا ان العملية العسكرية التركية، ما كانت لتتم لولا توفر الضوء الاخضر الاميركي، الذي يبدو متناقضا وبعيدا كل البعد عن موقف واشنطن المعلن، لكنه بلا ادنى شك، يأتي في سياق الاستراتيجيات والاجندات الموضوعة من قبل واشنطن وعواصم اخرى لمجمل دول ومكونات المنطقة.

   ومن بين تلك الاستراتيجيات والاجندات، هي تفكيك وتقسيم عدد من دول المنطقة، وفي مقدمتها العراق وسوريا، وافراغها من كل عناصر ونقاط قوتها. وايجاد تنظيم داعش الارهابي والتنظيمات والمجاميع الارهابية الاخرى، وتمكينها في هذين البلدين، ما هو الا جزء من مخططات التقسيم والتفكيك، وتركيا المتقاطعة في ظاهر الامر مع الولايات المتحدة الاميركية والكيان الصهيوني، هي في الواقع، تعد واحدة من ادوات التنفيذ، وان تقاطعت الرؤى والمواقف والتوجهات عند بعض المحطات والمنعطفات.  

   واشنطن وتل ابيب، لايرغبان بوجود عراقي قوي وموحد، وكذلك لايرغبان بوجود سوريا قوية وموحدة، وهذا هو هدف تركيا في الاطار العام ايضا. وعلى امتداد سبعة اعوام تقريبا تحركت العواصم الثلاث بخصوص دمشق بنفس الاتجاه، والافتراقات التي حصلت في بعض الاحيان كانت عرضية، ولم تؤثر على  المسار العام للمواقف والتوجهات.

   وفي واقع الامر، تتمثل مكاسب انقرة من العملية العسكرية شرق الفرات، بالقضاء على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي ينظر اليها من قبل صناع القرار التركي على انها جناح حزب العمال الكردستاني المعارض(P.K.K) في سوريا، وبالتالي، وضع حد للتهديدات التي تشكلها (قسد) على الامن القومي التركي، سواء في المرحلة الراهنة او في المراحل اللاحقة، وتأمين موطيء قدم في العمق السوري، ليكون ورقة  ضغط على دمشق في اي مسار تفاوضي مقبل، وكذلك امكانية اعادة اعداد من اللاجئين والنازحين السوريين في تركيا، والذين تقدر مصادر رسمية تركية بأن عددهم ناهز الاربعة ملايين شخص، الامر الذي شكل عبئا كبيرا على الاقتصاد التركي، واثر بصورة واضحة على سوق العمل هناك. 

   وربما يكون الملفت في الامر، هو ان تركيا استهدفت بصورة مباشرة، احد ادوات واذرع واشنطن في المشهد السوري، بيد انها لم تلق ردود فعل قوية وحازمة من واشنطن، ما فسره البعض بأن هناك صفقة، تشبه الى حد كبير الصفقة التي ابرمت في عام 1975 بين كل من واشنطن وطهران وبغداد، حيث كان ضحيتها اكراد العراق في ذلك الوقت، في مقابل تنازلات كبيرة ومذلة قدمها نظام حزب البعث في العراق لنظام الشاه في ايران.

   وعراقيا، اذ لم تختلف مواقف بغداد الرافضة للاجتياح العسكري التركي للاراضي السورية عن مجمل المواقف الاقليمية والدولية، فأن الرؤية العراقية تقوم على حقائق ومعطيات وقراءات تستند الى طبيعة تجربة الاعوام السبعة الماضية التي عاشها كل من العراق وسوريا، وتستند كذلك على مجمل الاوضاع  الاقليمية القلقة والمتأزمة في اكثر من ميدان.

   ومن تلك الحقائق والمعطيات والقراءات، ان التدخلات الخارجية، لابد  ان تفضي الى المزيد من  التعقيد والتأزيم، وتبدد اية فرص متاحة للحلول الواقعية العملية، ناهيك عن كونها تفتح الباب واسعا لخيارات التقسيم والتفكيك، وتوفر بيئة ملائمة جدا لظهور كيانات وجماعات خارجة عن القانون ومتمردة ومرتهنة الى ارادات ومشاريع خارجية.

   والنقطة الاخرى في هذا السياق، ترتبط بحقيقة ان امن واستقرار العراق مرتبط بشكل او باخر بأمن واستقرار سوريا، بحكم العوامل الجغرافية، وتشابه التحديات والمخاطر التي يواجهها كلا البلدين، وهذا ما تحدث به ساسة واصحاب رأي عراقيين في تعليقاتهم بشأن الاجتياح العسكري التركي لسوريا.

   وثمة حقيقة اخرى لاتقل اهمية وحساسية وخطورة عما اشرنا اليه انفا، الا وهي ان مثل تلك الخطوات المتهورة، من شأنها تعميق الاصطفافات والمحاور الاقليمية، وبالتالي توسيع مساحات الصراع والتصادم بين الفرقاء، في ذات الوقت الذي تخلق المزيد من الحجج والذرائع والمبررات للاطراف الدولية للحضور والتدخل، وطبيعي ان ذلك يتقاطع تماما مع الجهود العراقية المبذولة للتخلص من التواجد الاجنبي، ولتكريس الامن والاستقرار في المنطقة، وردم الهوة وتجسير الخلافات والاختلافات بين الخصوم. 

   ولا شك انه لم يعد خافيا، ان السياسات العدوانية الاميركية ـ الصهيونية، والمواقف التركية والسعودية والاماراتية السلبية، الموازية لها، تقف وراء كل ما جرى ويجري في المنطقة من ارهاب وعنف وحروب وصراعات عسكرية مسلحة، وتحريض ديني وفكري وثقافي مقيت، وصورة  شرق الفرات بعد الاجتياح التركي، تعد مثالا صارخا ودامغا، مثلها مثل صور سابقة في اكثر من مكان بالعراق وسوريا واليمن وفلسطين ووو... وكلها تعكس ضعفا وارتباكا اكثر مما تعبر عن قوة وتماسكا.

-------------------------------
*كاتب وصحافي عراقي