هل يخرج أردوغان من المستنقع كما أوقع نفسه فيه؟ بقلم:عماد علي
تاريخ النشر : 2019-10-15
هل يخرج أردوغان من المستنقع كما أوقع نفسه فيه؟ بقلم:عماد علي


هل يخرج أردوغان من المستنقع كما اوقع نفسه فيه

عماد علي

كما نعلم، ان دخول الحمام ليس كخروجه و لكن يكون العكس في اماكن اخرى كما يحصل لاردوغان اليوم في دخوله لاراضي كوردستان الغربية. نعم لم يعد بامكانه ان يخرج نظيفا كما دخل باياده القذرة طامعا، بل ادخل نفسه في منطقة وعرة سياسيا و عسكريا هذه المرة  دون ان يحسب جيدا المعادلات و لم ينتظر او يتوقع التكتيكات الكوردية هذه ابدا، فوقع في الفخ المتعدد الجوانب الروسي الامريكي السوري الكوردي.

عندما تحرك الجيش التركي اعتقد اردوغان بان ردود الفعل لن يكون اكثر مما فعله في عملية ما سماها غصن الزيتون و احتل عفرين بسهولة مقارنة بما يحصل له اليوم في شرق الفرات سواء كان عسكريا او سياسيا داخليا على اراضي المعركة كان او اقليميا او عالميا، لقد ضربت تركيا عن طريق جيشها الجرار رفسة للمدنيين الكورد فقط و تعلق ارجلها ولا يمكن ان تخرج منه بسهولة و بما توقعه رئيس هذا البلد المغامر المخطيء كثيرا في تقديراته نتيجة ما تفعله نرجسيته و تدفعه دائما الى التزحلق و الوقوع في المستنقع و الوحل القذر بافكاره الخبيثة.

عند التمعن العميق، ربما يعتقد البعض بانها خطة امريكية روسية مشتركة بحيث،  تنتقم منه روسيا عن افعاله و اسقاطه طائرتها و تحسابه امريكا على تغيير وجهته نحو روسيا بلحظة زمن رغم كل الدلال الذي عاشته هذه الدولة طوال العقود الماضية، مهما كانت توجهاتها المتغيرة مترنحة نحو روسيا و امريكا كثيرا. اما المتضرر ما بعد اردوغان و تركيا من حيث سمعتها و امكانياتها و قدرتها و اقتصادها هم المدنيين الكورد المغدورين المعدمين لما حصل من العمليات العسكرية و التغييرات السياسية و المعادلات و ما تعرضوا له قصفا و تهجيرا و ان المتوقع هو مؤقت و مرحلي فقط.

لو سارت العلمية كما هي المنتظر منها سوف تخسر تركيا كثيرا و منها ما اعتقدته بانها سوف تحتل شمال سوريا كشمال قبرص دون ردع  و من دون ان تفكر قليلا بانه ما امتدت ايديها فيه كان في وقت و هي في العز و الدلال لدى الناتو و في مرحلة الحرب الباردة و لم تجد صعوبة في تحركاتها العسكرية كثيرا، و ان تعلقت قضيتها هناك لحد اليوم يضا، لم يقرا اردوغان الواقع و المرحلة جيدا، فلم يكن ذكيا كما اعتقد في ناحية المقارنة بين  قبرض و سوريا و كما لم يقارن ايضا بين عفرين و كوباني و منبج و كما لم يفرق بين الامس و اليوم تاريخا و ظروفا.

المقصد هنا من يستفيد من هذه التحركات التركية غير المحسوبة للعواقب و اللاانسانية في مسيرها نتيجة طمع و طموحات شخصية و مصالح دولة تفكر بدوافع سلطنة على حساب الجميع. ان الدول الكبرى تلعب بالمنطقة كما تريد و عندما تلقى من هو السهل ليكون بيدقا الشطرنج بيدها لم ترحم به، و اليوم سواء علم اردوغان ام لا فانه بارادته كانت ام خدع بغشامته اصبح لعبة بيد الجميع و اُستغلت سذاجته السياسية في تحقيق الاهداف الستراتيجية العالمية و التنقلات او الانعطافات الكبيرة في المنطقة لدى القوى الكبرى.

هذه في المنطقة و ما تلعبه القوى العالمية وما تريده من اجل مصالحها في المنطقة بالذات، اما دول المنطقة و ما بعد ما سمي بالربيع العربي، فان لكل منها دورها و مصلحتها و ما تربطها من المتغيرات الجديدة و ما تقع عليه كل دولة بعدما تاثرت و دخلت في الربيع العربي و ما حصلت من التغييرات في ميزان القوى المؤثرة على مواقف و دور كل دولة في هذه المنطقة و علاقتها مع القوى الكبرى.

اما في الدائرة المتوزعة على الدول الاربعة تركيا ايران سوريا العراق فان الامر يخصهم اكثر من غيرهم لما يتوزعون و هم الكورد و ما يجري على ارضهم كوردستان، فان اصبحت قضيتهم القديمة الجديدة في موقع لا يمكن التراجع فيها الا ان الخسارة تلحق بهم اكثر من غيرهم مرحليا. فان الكورد   و رغم المتغيرات التي تقدم بهم خطوة و ترجعهم خطوتين الا ان قضيتهم لم تبق في مكانها و حالتها و لم تبق كما كانت لم تحرك ساكنة. هذا بشكل عام، اما تغيير المساحات السكانية و التغيير الديموغرافي التي تحاول كل دولة متسلطة ان تفعله في هذه الدائرة الغريبة العجيبة، و ما تحصل فيها ليس من ولادة اليوم بل من صنع الدول الكبرى المتعدية و بقيت اثار ما فعلته و ارتكبته ايديهم على المنطقة طوال القرن الماضي و اكثر و اليوم هو امتداد للتاريخ.

ان صدقت روسيا في امر سوريا كما تقول لحد اليوم و لم تغير ما تهدفه في مساندتها، و هذا ما يعتقد الجميع، بانها سوف لن تتنازل عن دعمها مهما حصلت، فان كانت هناك شكوك في تغيير المواقف نتيجة تقارب اردوغان اليها الا ان السترايتجية الروسية تبق على تبني النظام السوري اكثر من اللعب على هذه الاساسيات التي هي في مقدمة مهماتها. و عليه فان تركيا سوف تخسر اكثر من غيرها و من الكورد ايضا لان الكورد ليس لديهم الكثير مما يمكن ان يخسروه، اما تركيا فانها دولة و لها مصالحها و تخسر الكثير و من الجوانب كافة سياسية كانت ام اقتصادية ام انسانية.

فلنعد الى المعادلات الجديدة، سوريا تقدمت في مواقفها و لم يعد سقوط النظام موضوعا لدى الجميع، و انه يتقدم يوميا و يتوسع في اعادة هيبتها و ما تتمكن من السيطرة على اراضي السورية التي فقدتها خلال السنين الماضية، و ان كان ببطء، و عليه اصبح النظام السوري رقما قويا في البلد ذاته بعدما اقتربت من الصفر، هذا من جانب، اما في  الجانب الاخر فان الدول الجوار و ما يتعلق بموضع سوريا فلهم ما يخص المتغيرات ايضا، فان لبنان و العراق ربما ليس لهم ما يمكن ان نحس بوجود شك في اعادة المسار الى ما كان عليه مع سوريا من قبل بشكل مطلق، و لم يبق عليهما اي ضغط من اي جانب في تحركاتهما نحو سوريا. اما الاردن فانها لا يفيدها الا الاعتدال و التقدم باي امر بتاني و الحساب لما يهمها اقتصاديا اكثر من اي شيء اخر و هي تربط الموقف مع سوريا بما يهم الخليج و السعودية قبل اي شيء اخر، و اليوم تغيرت مواقف السعودية و عليه فان الاردن من جانبها احست بانه  توسعت المجال امامها للتقدم نحو سوريا و نظامها. فان الوحيد الذي يمكن ان يفرض عليه الواقع الجديد امرا لا يلائمه  مع المتغيرات الجيديدة هو تركيا و مواقفها و ما افرزتها افعالها الجديدة رغم محاولاتها لتغيير مواقفها مع النظام السوري اخيرا. و من جانبه الكورد سوف لا يضرهم بقاء النظام السوري اكثر من تركيا و الدول الاخرى التي كانت حتى الامس مواقفها متشددة.

العمليات العسكرية التركية التي واجهت قوة كبيرة عند تدخلها في شمال سوريا، اصبحت امرا يمكن ان تحتسب عليها التوجهات السياسية المستقبلية، فانها لم تحدث في هذه المنطقة الضيقة مساحةبالذات و تحتسب عن ضيق مجالها و بدائرتها فقط و لكنها  تحتسب بشكل اوسع. الكورد رغم تراجعهم في موقعهم الهش اصلا الا انهم يمكن ان ينجزوا ما يهدفون بسلم و عقلانية و لكن بحسابات دقيقة و بمراجعة دقيقة لمواقف و بتعامل دقيق مع المستجدات في سوريا يوميا. اما في الاجزاء الاخرى و بالاخص في كوردستان الجنوبية، فانه عليهم الحسابات اكثر من اية منطقة اخرى، لما هي عليه اكثر هشاشة من كوردسنتان الغربية و رغم الدستور العراقي الذي يضمن الى حدما مواقعهم السياسة، الا ان المصلحة سوف تضع القانون على الرف و كما حصل و يحصل عند اردوغان و تعدياته على الكورد  امام ناظر الجميع في بلده  كان ام  في سوريا و العراق ايضا.

اننا نستنتج اخيرا بانه يمكن ان يسير الوضع ببطء شديد الى استقرار نسبي، و لكن الحلول الترقيعية لن تفيد اي طرف، و عليه ان تمكنت الجهات ان تمد يدها الى الحلول الجذرية سوف لن تجد اية دولة ايدي جهات مصلحية عالمية كبرى تلعب براحتها في هذه المنطقة و اول المستفيدين في هذا الامر هم الكورد قبل غيرهم. و ننتظر المتغيرات و ما تفرزه المرحلة و ما يظهر لدينا في الافق.