يقع العديد من الأبناء في صراعات قد تستقر بهم على أبواب المحاكم ، أو خلف قضبان من الحديد ، فتلك الصراعات لم تكن الزوجات فقط هن من تسببن فيها كما هو الحال ، فما صنعه الوالدان في الماضي يجنيه حتماً الأبناء في حاضرهم .
فالعديد ، بل الكثير من الآباء يميل إلى أحد أبناءه دون إكتراث بحكم العاطفة ، فالشوق يفضح دائماً و إن أخفاه الوالدان ، و هذا التمييز الحاصل قد يكون ظاهراً أو من خلف الكثير من الأبناء ، ليتكون ذلك الطفل المدلل ، و بدوره تتكون من ذلك الطفل المدلل شخصية ضعيفة تعتمد على الوالدين ، و يصبح عدواً لباقي أخوته .
و بعد زمن من الميل ، و الكيل ، ينتج التمييز و الظلم بين الأبناء ، و الفرقة تغلب ، و تكثر نزاعاتهم و يستقر جميع الأبناء في قبضة بيت الزوجية بعد سنوات من الفرقة و التي تفرضها الأيام ، و تمسي بذلك الزوجات يشعرن بذلك ، فلا مجال لكبت المشاعر ، فهي غالبة على السلوك البشري .
و بمجرد موت الوالد أو الوالدة ، أو كلاهما تبدأ الصراعات على الميراث و البيت ، و هنا يهدم ذاك البناء الذي قام على عدم العدل ، فالإبن المدلل يورث الكثير من السلطة في القرار و التي قد تتعدى بيته ، في حين يفتقرها في بيته و مع زوجته ، و قد يُفسر صمت الأخوة أو عدم ردهم على سفاهاته المتسلطة بالضعف منهم ، برغم حرصهم الشديد على بقاء تلك اللحمة و ان بقيت ، و كل ذلك نتاجاً طبيعياً لما قام به من بالسابق والديه .
هنا نعلم جيداً أن الدلال لا يصنع رجالاً ، و لا ينفع الطفل المدلل والديه ، بقدر ما ينفعهم ذاك الطفل المضطهد و الذي قست عليه جدران البيت بقسوة والديه ، و لنا الكثير من الأمثلة في ذلك .
وحتى الدلال يورثه الوالدين لأبناء الولد المدلل بلا قصد ، فالحكم للقلب ، لينتقل التمييز و الحقد بين الأبناء و يستمر و ينقل إلى الأجيال ، فلا يعي الوالدان بذلك ، حتى بعد فوات الأوان ، فلا يعترفوا بذلك الصنيع من السلوك ، فالكل و الآخرين يتحملوا أعباء و إزر ما صنعه الآباء و الأمهات .
و في سياق هذا الحديث أيضاً نجد ذاك الطفل الجميل يحظى بكثير من الإهتمام من الجميع ممن حوله تبعاً لدلال والديه ، و تحت عبارات المدح يحصل الطفل الجميل على الكثير من الدلال الذي حرم منه الآخرين ، و لنا في يوسف بن يعقوب عبرة ً في هذا ، فقد حصل يوسف على نصف جمال الكون ، و على بالغ الدلال و الإهتمام ، مما حذى بأخوته بأن ألقوه في غيابات الجب ، و إستمر والده بالحزن و البكاء عليه حتى فقد بصره ، و هنا حكمة من عظيم الكون .
بر الوالدين مطلوب ، بل مفروض على الأبناء ، و مطلوب أيضاً من الوالدين العدل بين الأبناء لكي يبروهم ، حتى القبلة و إن صغرت ، يجب أن توزع بالتساوي بين الأبناء ، فأي بيت اليوم لا يخلو من يوسف ؟
بقلم نهاد الحناوي .