مناقشة كتاب دنان للكاتبة لينة صفدي في دار الفاروق للثقافة والنشر
تاريخ النشر : 2019-10-15
مناقشة كتاب دنان للكاتبة لينة صفدي في دار الفاروق للثقافة والنشر


مناقشة كتاب دنان للكاتبة لينة صفدي
ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها اللجنة الثقافية في دار الفاروق للثقافة والنشر، تم مناقشة كتاب "دنان" للكاتبة الفلسطينية لينة صفدي، وقد افتتح الجلسة الروائي محمد عبد الله البيتاوي الذي قال: نرحب بالكاتبة، التي أثبتت من خلال باكورة أعمالها أن تضع لنفسها مكانة في الساحة الأدبية، دون أدنى شك الكتاب فيه ما هو جديد، وهو يشير إلى وجود مشروع كاتبة تستطيع إن تعبت على نفسها ـ أن تكون مِن بين مَن يشار لهن بالبنان، الكتاب يتراوح بين النثر والشعر النثري، والنص النثري هو مقدمة للنص الشعري الذي كانت فيه الكتابة في ذروة تألقها، لكن افتقاد الكتاب للصور الشعرية يُحسب عليه وليس له، لأن الصور تعد أحدى المحفزات للقارئ ليتقدم مستمتعاً بما يقرأ.
ثم فُتح باب النقاش فتحدثت الروائية فاطمة عبد الله قائلة: في المراوحة بين القرب والبعد، بين الأمل واليأس وبين الأمن والخوف، تتوحد نصوص الكاتبة من قصة ونثر لتروي قصة حب، تبحث فيها عن الآخر وحقيقة مشاعرها تجاهه. بعد مقدمة تعرف بالكاتبة، وتقديم للعمل الأدبي بقلم د. جريس خوري، تبدأ الكاتبة من ص15 الكتابة نافية أنها تكتب ليقرأ الملأ "أنا لا أكتبك للملأ، لأن لي بك قراءة خاصة"، فالكتابة ضيقة على الشعور الذي تحمله الكاتبة في الصفحة التالية حديث عن الكتابة "الكتابة تفرض ذاتها وحضورها متى شاءت.. إلى أن تقول علّني ألملم هذه الأوراق علَّ شيئاً ينتج منها" ص16. بإمكاننا اعتبار هذه الكلمات مقدمة الكاتبة لما بين أيدينا من عمل أدبي فهي تفصح بصراحة عن خطة مشروعها الأدبي. وفي ص17 تفصيل آخر لهذا المشروع حيث يقرأ المتلقي "إن كنت أنت سبب الكتابة فلا داعي أن أصنع منك أجزاء، لأنك جزء لا يتجزأ مني". وغالب النصوص غير معنونة، ربما اكتفت الكاتبة بعنوان عملها الأدبي (دِنان) فالمتلقي سيجد الترابط بين النص السابق والنص اللاحق، فهي تروي قصة حب واحدة في أشكال عدة من النصوص، ففي الحقيقة لا نجد سوى عشر نصوص معنونة في هذا العمل الأدبي.
في فضاء الحنين والحب والحروق واللوعة تكون الأنا، وفي فضاء الانهزام والخسارة والتشظي تتحول الكاتبة إلى صيغة الغائب هي وهو ص23،"خاسرة هي لعبتها...قد علمت هذا الأمر من البداية..." استعمال الضمائر في اللغة العربية كما هو معروف يدل على الإبهام والغموض وهذا ما تظهره الكاتبة في علاقة الحب هذه، تتوالى اللقاءات والشد والجذب في مشاعر وأحاسيس المحبين. تتصادق الكاتبة مع نفسها ومع كتاباتها وتعترف أن كتاباتها فيض مشاعر، فلولا العاطفة لما انثال قلمها بهذه الصفحات، فالكلمة هي الأوفى حين الشعور بالخذلان ص29" لا إغراءات قلم ولا شيء من هذا القبيل... كل ما في الأمر أن النفس قد ضاقت بهذا الزخم الهائل من هذه المشاعر..".
وهكذا يستمر المتلقي في التخبط بين النصوص والعواطف المتناقضة بين الإقبال والإدبار بين التعب والراحة بين الحزن والفرح بين القصة والنثر وحتى قصيدتها الأخيرة ص83 (خد الياسمين) التي احتضنت كما هو هذا العمل الأدبي الاضطراب والقلق والحب والروعة فأسفل العنوان الجميل خد الياسمين كلمات قاسية من غبار وحكام ورمال واحتضار الأنفاس وصور سوداء لا يدري المتلقي أهي نهاية سعيدة لما قرأ أم نهاية حزينة.
ثم تحدث الكاتب والصحفي همام الطوباسي فقال: الكاتب غيمتين، غيمة مع الحب وغيمة تحارب الحب، وقدم بريقة سهلة وجميلة، وهو كاتب مثير بتشكيلته التي جمعت النثر والشعر معاً، مما أعطاه (شكل جمالي) خاص، أتمنى للكتابة لينة صفدي مزيداً من العطاء والتقدم الأدبي.
وتحدث الشاعر عمار خليل قائلاً: التنوع الأدبي في ديوان (دنان) لينة صفدي. الكتابة تفرض ذاتها وحضورها متى شاءت.. هذه جزء من مقطوعة نثرية للكاتبة، وضعتها في أوائل الصفحات، إذن هي تستعين بهذه الجمالية المطلقة من الحالة والرغبة من تحويل ما يلوج في الوجدان إلى حروف وكلمات تستلقي على بياض الورق وسواد الحبر. لقد عنونت الكاتبة إصدارها بـ(دنان)، ولقد بحثت عن معنى هذه الكلمة فوجدتها (الوعاء الكبير) فهل لهذا العنوان دلالة على الحالة الاحتوائية للكاتبة، أم كان له معناً آخر لم أصل إليه. الكاتبة كانت تتنوع في استخدام ضمير المتكلم، فتارة ضمير الغائب وتارة ضمير الأنا (المتكلم)، وليس من الصعب أن تجد حالة التشظي والصراع في معظم تلك النصوص وخاصة عندما كان الضمير الغائب هو المسيطر على حالة السرد. لغة النصوص كانت جميلة بسيطة شفافة لكنها كانت شحيحة بالصور الفنية، والتراكيب الجديدة. ما يلفت الانتباه في هذه النصوص هو شيءٌ مغاير عن ما يمكن فهمه، إذ كانت النصوص الطويلة نسبياً يملؤها السرد وأحياناً الحشو، ولكن عندما نقرأ تلك الومضات الجميلة، والتي تحتاج إلى تكثيف ومهارة خاصة، كانت الكاتبة تصيبنا بالصدمة الجمالية (وحين تأخذ عيناك بعضاً من ملامحي، ردها إلي لأعرفك) في رأيي لقد كانت الكاتبة بثلاثة مستويات في هذا الإصدار: أعلاه حين كتبت في الومضة، وأوسطه حين كتب في الخاطرة، وآخره حين كتبت في النثر الشعري. هذا الإصدار هو باكورة أعمال الكاتبة، وهو دليل على وجود موهبة وخميرة كامنة لدى الكاتبة، وهي تحتاج - كما يحتاج أي أحد منا - إلى المزيد من التطوير والبناء.
وتحدث الأستاذ سامي مروح قائلاً: لينة الصفدي شاعرة رقيقة، وإنسانة متمكنة في نصوصها، الكتاب يطرح هموم ومشاعر إنسانية، قريبة من القلب، فقد اعتمدت الشاعرة على فلسفة (فطرية/ تقليدية التي خلق الله الإنسان عليها) ففطرية/ انسيابية النصوص هي ميزة الكتاب، فنجد حالة الاضطراب والمراوحة بين الاقتراب من الحبيب وبين الابتعاد، وعدم حسم الأمر جعل القارئ يبقى مشدوداً للكتاب، وهذه الازدواجية في المشاعر تأخذنا إلى ما يطرح دينياً أن المرأة خلقت من ضلع الرجل، والشاعرة استطاعت أن تؤكد على هذا الارتباط وهذه العلاقة بينهما في "دنان"، فقد خلقت حالة من الحب العذري، بكلمات ناعمة وأحياناً قاسية، لكنها جميلة وصادقة، وأخيراً أقول أن هذا الكتاب يمكن أن نقول عنه أنه كم من النصوص البريئة، التي يستمتع بها القارئ، ولكن شح الصور الأدبية والشعرية فيه أثّرت عليه سلباً.
وتحدث رائد الحواري قائلاً: المتعة حاضرة في الديوان، وهذا هو الأهم في أي عمل أدبي، كما أن طريقة تقديم الكاتب جاء بحداثية تتناسب وطبيعة عصر السرعة، فهناك نصوص مكثفة ومختزلة يمكن للقارئ أن يتوقف عندها كثيراً متأملاً فيها، كما فكرة الكتاب الاضطراب والصراع، وعدم حسم الحب، انعكست ايجاباً على القارئ الذي استمتع بهذا الصراع باحثاً بين النصوص عن حل يريحه من قسوة الألفاظ والمعنى التي تحملها الفقرات.
وتحدث الفنان سمير عودة فقال: الغلاف بألوانه الغامقة والحامية يعطي مدلولاً لمضمون النصوص، فهناك حاضرة صراع، أحياناً نجد الهدوء والسكينة وأحياناً نجد العذاب والألم، لكن صوت الأنثى في الديوان يخفف من حدة الصراع والألم، وهذا الأمر لا يمكن أن يأتي إلا من خلال الكتابة من القلب، من الداخل، وليس من العقل فقط، وبما أن القارئ يستمتع بالحديث والكتابة عن الحب، فهذا الكتاب يعد من الكتب الممتعة والتي تُبقي الإنسان متعلقًا ومتشبثًا بما هو إنساني، حتى لو كان هناك ألم.
وتحدث الشاعر مهند ضميدي قائلاً: حقيقة عندما جاءتني نسخة عن هذا الكتاب، ووجدت أن المؤلف أنثى قلت لا بد أن تتم القراءة والنقد على أعلى مستوى لأنني أهتم للأدب النسوي وأشجعه وأحب أن أرى المرأة حاضرة في هذا المجال حيث أنها في المجتمع الذكوري يضيق عليها كثيراً في كل المجالات العلمية والأدبية والفنية وغيرها. الكتابة تفرض ذاتها وحضورها متى شاءت. هذه حقيقة أدبية نعيشها فعلياً، أثناء قراءتي الكتاب لمست الإحساس الصادق والبريء حقيقة ووجدت إبداعاً نثرياً خواطرياً فريداً رغم أني قل ما يعجبني النثر والخواطر لأني أكتب الشعر العمودي؛ حقيقة النصوص التي قرأتها نقية وحساسة وتلمس القلب مباشرة ولمست قلبي حقيقة لأنها تذكرني بنفس التجربة التي مررت بها. امتازت النصوص بالحديث عن وحدة تجمع اثنين فقط لا أحد سواهما وهذا ما ميز النصوص.. حيث العبارات الواضحة والعميقة في الفكرة؛ البسيطة في الصياغة.. حيث أنها تصل لكل قلب نقي.. وهي بعيدة عن التعقيد، فكان اسم الكتاب دنان وهي أكواب الخمر وأنا حقيقة ثملت.. وأرجو أن تعذرني الكاتبة لينة على قراءتي السريعة حيث أني لم أكن منتبهاً للموعد وقلت أن هذا الكتاب يحتاج وقفة للسبب الذي أسلفت ذكره، أنا مسرور جداً بقراءة هذه النصوص وأنا أعجب حقيقة بمسيرة الكاتبة الأدبية الغزيرة وأدعمها في هذا المجال.. وفي الختام ولأني متعصب للكتابة العمودية في الشعر أتمنى أن أرى لكِ نصوصاً عمودية على أوزان الخليل ابن أحمد، وحقيقة أنا أدقق على المسميات حيث أن لفظ شاعر يجب أن يتبعه كتابة على نمط الشعر العمودي الموزون، لذلك نحن ننتظر نصوصاً شعرية موزونة.
أما الشاعر فراس حج محمد فقال: هناك تخاطر بين نابلس والناصرة، بين الكتاب في طرفي الوطن، نص مكثف يشير إلى موهبة الكاتبة وقدرتها على الصياغة الأدبية، فالنصوص مكثفة ولا يمكن أن تكون إلا خارجة من حالة إبداعية، فلا يمكن ان تتماثل مع الشعر، الذي يستطيع بعض الناظمين أن يكتبوا فيه، فالنصوص متماسّة تخرج دفعة واحدة كعالم/ كشيء متكامل، كل الفلاسفة يفرقون بين الحب والصداقة، والكاتبة في صفحة 56 تقول:"قبل القبلة كنت صديقاً.. وبعد الذكرى صرت العالم"، فهناك ثلاثة أزمنة، الماضي، الحاضر، والمستقبل، فوجود هذه الأزمنة في فقرة قصيرة يشير إلى أنها خارجة من العقل الباطن وليس من حالة الوعي، لهذا نقول أن النصوص قريبة من القلب، فانعكست (الحميمية) التي كتبت بها على القارئ، الذي يدخل إليها بقلب وعقل مفتوح.
وفي نهاية الجلسة تحدثت لينة صفدي قائلة: أنا سعيدة بوجودي بينكم، وما يسعدني أكثر هو هذه القراءات المتنوعة للكتاب، وبالتأكيد سأخذ بالملاحظات التي أبداها الحضور، أعتقد أن الكتابة حالة من الوجدان تخرج بكلمات وعبارات، لهذا يمكن أن يلتقي هذا الكاتب مع ذاك ليس في الفكرة فحسب، بل في شكل وطريقة التقديم، وهذا يعود إلى خوضهما نفس الطريقة، وهنا أضيف أننا كلنا نتأثر بما نقرأ ونؤثر بما نكتب، فالعلاقة الجدلية/ التبادلية بين القارئ والكاتب تجعلهما قريبين من بعضهما.
وفي نهاية الجلسة تم الاتفاق على أن تكون الجلسة القادمة يوم السبت 26/10/2019 لمناقشة رواية (تايه) للروائي لفلسطيني (صافي صافي).