التقديم السهل في قصيدة "غربة" هاني عبد الله حواشين بقلم: رائد الحواري
تاريخ النشر : 2019-10-14
التقديم السهل في قصيدة  "غربة" هاني عبد الله حواشين بقلم: رائد الحواري


التقديم السهل في قصيدة
"غربة"
هاني عبد الله حواشين
السهولة النص الأدبي وبساطته تسهم في إحداث المتعة عند القارئ، فسمة البساطة دلالة على أن الكاتب/الشاعر كتب أدبه بعيد عن التكلفة أو التصنع، فجاء بهذا الشكل السهل الممتع، وإذا أخنا سمة ومتطلبات عصر النت والسرعة، نجد أهمية وجود ألفاظ بسيطة وسهلة وعبارات بعيدة عن التصنع والكلف.
العنوان "غربة" مثير لنا نحن في المنطقة العربية، فهناك الفلسطيني الذي يعيش الغربة من أكثر من سبعين سنة، وها هو العراقي والسوري والليبي واليمني يذوقون مرارتها، بعد أن خربت أوطانهم وفعل بها القتلة ما فعلوا،
إذن موضوع القصيدة حيوي وواقعي، لكن الفكرة/المضمون لوحده لا يكفي، ليتقدم القارئ من النص، بل يجب أن يكون هناك شكل، طريقة تقديم تسهم في جذبه إلى النص، وهنا يأتي الأبداع ودوره في تقديم مادة مؤلمة لكن يتم تقديمها بشكل وطريقة جميلة تخفف من حدة الألم، فالفكرة القاسية بحاجة إلى طريقة سلسة وسهلة حتى يستطيع أن يهضمها القارئ بسهولة، فكثرة المآسي جعلت مشاعره متأججة ومتوترة، لذلك هو بحاجة إلى مادة مريحة، وإذا كانت قاسية وشديدة فلا بد من وجود طريقة ما تخفف من وطأة القسوة عليه، فالشاعر المتقن لفنه يستطيع إيصال فكرة القسوة والألم بطريقة لا تتعب المتلقي، بحيث تصله الفكرة بأقل الأضرار.
الشاعر "هاني عبد الله حواشين" يستخدم المقاطع القصيرة في قصيدته، وهذا يسهم في تخفيف ثقل الكلمات على القارئ:
" الغربة بعد عن وطــــــــــــــن
عن أهل ..عن جار..وصحاب
والغربة نار يصلاها من هاجر
في يوم ..أو غــــــــــــــــــاب"
وإذا توقفنا عند البيتين السابقين نجد أن الشاعر يكثر من استخدام الحروف: "عن، من، في، أو" وهذا الحروف بشكلها المجرد تشير إلى أن الشاعر يختزل ويكثف الفكرة بأقل عدد من كلمات والحروف، فيبدو للمتلقي لا يريد الحديث/التكلم بهذه الفكرة، فهو يتألم من هذا الموضوع، فاختزله بهذه الكلمات والحروف القليلة، ونجد أن الألفاظ المجردة: "الغربة، الوطن، أهل، جار، صحاب، نار، هاجر، غاب" تخدم فكرة الغربة، حتى دون أن ندخل إلى مضمون القصيدة، وهذا يحسب للشاعر، الذي يقنع المتلقي بأنه لا يكتب من حالة والوعي فحسب، بل من حالة اللاوعي أيضا، لهذا جاءت الألفاظ والحروف والقصر البيت تخدم الفكرة التي لا يريد تقديمها.
" لا تهنأ في عيش أبــــــــــــــدا
لا طعم لزاد أو لشــــــــــراب"
ومن وسائل التخفيف عدم استخدام ألفاظ قاسية أو مؤلمة للمتلقي، لهذا استخدم الشاعر ألفاظ ناعمة: "تهنأ، عيش، طعم، لزاد، لشراب" وكلها ألفاظ ناعمة وهادئة، ولكي يوُصل فكرة القسوة سبقها بحرف النهي "لا" وهذا يحسب للشاعر الذي يراعي مشاعر واحساس القارئ، بحيث يستخدم اسلوب وطريقة ناعمة لتمرير وتقدم فكرة مؤلمة.
" وعيون الناس تلاحقنــــــــــي
وتراقبني عين المرتـــــــــاب"
ما سبق كان الحديث عن الغربة بصفة مجهولة أو عامة، فالشاعر كان يتحدث عن قسوة الغربة عند الآخرين، لكنه هنا يدخل هو نفسه في النص، ويحدثنا عما يشعر به من ألم، لهذا استخدم ألفاظ قاسية: "تلاحقني، تراقبني، المرتاب" فقد دخل إلى روح القصيدة وأصبح جزء منها، لهذا اندمج مع القصيدة ومع فكرتها، فخرجت هذه الألفاظ دون وعي فتلاقى فيها سواد اللفظ مع سواد المضمون.
" الجسم هنا والقلــــــــب هنالك
في خفق عند الأحبـــــــــــاب
ما جئت اليها من شــــــــــوق
لكن الأمر له أســــــــــــــباب"
الشاعر يعمل على تعليل القسوة والألم الذي حل عليه، فهو يعيش حالة انفصام بين عواطفه ومشاعره من جهة وبين المكان والظرف الذي فرض عليه، لهذا استخدم "هنا، هناك، في، عند" وكلها تخدم فكرة الاضطراب والحيرة التي يعانيها الشاعر، لكنه في هاذين البيتين يتقدم من جديد إلى سابق عهده بالتخفيف من حدة الفكرة، فيكثر من استخدام الحروف واسماء الاشارة "هنا، هناك، في، ما، من، له" وكأنه ـ في لعقل الباطن ـ علم انه تأذى القارئ ـ فأراد أن يخفف عليه من وطأة الألم الذي جاء في البيت السابق بهاذين البيتين، وفي ذات الوقت يهيأ المتلقي لجرعة جديدة من القسوة.
"" الحاجة " هم يلزمنــــــــــــا
وجيوب الفقر لها أنيـــــــــاب
والكل يفتش عن عمـــــــــــل
والكل بداء الفقر مصـــــــاب"
هذه الطريقة في التقديم تسهم في إحداث حالة توازن عند القارئ، بحيث كلما توتر وانفعل من الألفاظ القاسية: "الحاجة، هم، يلزمنا، الفقر، أنياب، يفتش، بداء، مصاب" يعمل الشاعر على إعادته إلى حالة الاستقرار والتوازن، وهذا يتماثل مع حالة الإنسان التي تسعى إلى إيجاد مستقر/سكينة كلما كان هناك توتر/اضطراب.
" وأحن اليك أيا وطنــــــــــــي
وأحن لهاتيك الاعتــــــــــاب"
العربي مسكون بالمكان ومرتبط به، فهو والمكان كالجسد والروح، لهذا نجد شعراء الغربة دائما يذكرون المكان في قصائدهم، ولا أدل على ذلك من شعراء فلسطين وسوريا والعراق الذي توحدوا وتماهوا مع المكان/الوطن.
" يا ربي : سلم مغتربــــــــــــا
وأعد - مشتاقا - بعـد غيــاب "
الخاتمة مرتبطة بالفاتحة، وجاءت ناعمة ومسالمة وتتماثل مع الطرح الشعبي الذي يدعو بعودة وسلامة المغتربين، فبدى البيت وكأنه خارج من قلب أم/أب.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس