الصّالحُ بقلم: صلاح بوزيّان
تاريخ النشر : 2019-10-14
الصّالحُ بقلم: صلاح بوزيّان


الصّالحُ 

قصّة قصيرة بقلك الكاتب الأستاذ: صلاح بوزيّان / تونس 


أشرقت الشّمسُ ، وطلعت من أحضان البحر ، فتمزّقت السُحب الدّاكنة و تتطايرت أشلاء ، وعادت رائحة الجدود ، وبرزت سنابك خيلهم وسيوفهم وقلاعهم وحصونهم ، أطلّ الهدوء بعد غياب طويل ، يال الروعة اختف الكلبُ منذ أمس ، غادر الحقل و السّباسب ، ونفذ من ثقب إبرة ، أسقطه مكرهُ ، وقدرتْ عليه يد الله ، آخر الكلاب التي عشّشت في القرية و أفسدتها وعكّرت صفو الحياة فيها ، لا يأتي دكاكين الجزّارين ولكنّه يذهبُ إلى المسلخ وإلى مصانع النّبيذ و سواقي البيترول وشرائط الغسيل الخشبية ، و أهل القرية لم يتبيّنوا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، فيسرق ويخطفُ ويأكلُ أنواع اللّحوم المختلفة ، ويفعل أشياء كثيرة خلسة ، وجراؤه تنسجُ على منواله ، و النّاس في حيرة من أمرهم ، الآن خَلت القرية من مهالك الكلب ، وارتاح النّاس من نُباحه ، ومن  جرائه السّمينة اللّعينة ، كأنّ شيئا لم يكن ، تبخّر الغيظ الدّفين ، انتهى النُّباح و الضّجيج  مع هبوب الرّيح . تبدو القرية ناعمة ، خرج من بيته كعادته ، ولكنّه منشرح الصّدر ، فَهمَ الوقتَ ، وتطهّر من حيرة الأمس ، كان على علم باختفاء الكلب الكبير والجراء ، وأصغى بالأمس إلى  همس و حديث أهل القرية عن غياب الكلب و جرائه ، سمع مسعود يقول: { نحن لسنا متأكّدين من اختفاء الجراء ولكننّا متأكّدون من موت الكلب ، ربّما دهسته سيّارة فهو كثير ما كان يلاحق السيّارات والشاحنات ، ويقتفي أثر الرعاة و يشاكس قطعان الماشية  ويعبث }  انزعج العربي بما قاله مسعود ، و خامره شكّ وأوجس خيفة ، وأخطر هذا الكلام في باله معاني وذكريات فقال في نفسه :{ وإذا بقيت الجراء مجهولة المصير فماذا فعلنا ؟ ربّما تظهرُ من جديد . ولكن العجمي أخبرني أنّه رأى الجروَ الكبير يركب سفينة إلى فرنسا . وإذا اختفى الجرو الكبير هناك فبقية الجراء ستتيه ، في فرنسا ناس يحبّذون هذا النوع من الجراء ، يطعمونهم و يدرّبونهم ويؤوونهم ، ولكن اختفاء الكلب والجراء خليق بأن يغييّر كلّ شيء في القرية ، ستهدأ القرية  } . وفجأة سمع صوتا هاتفًا من أقصى المدينة :{ الكلاب أعمارها قصيرة } . فضحك ودخل إلى دكّانه وسط سوق القرية والزّغاريدُ تملأ المكان والطّبول تدقٌّ والمزامير و الفتية يرقصون ظهر الصّالح بعد اختفاء الكلب و طول انتظار .