متظاهر يتظاهر بالبراءة بقلم:علي الكاتب
تاريخ النشر : 2019-10-10
متظاهر يتظاهر بالبراءة

علي الكاتب

امكانية وضع الحلول للازمات المستعصية في العراق ، تقع اشكاليتها لا في امكانية ايجادها ، ولكن في فقدان ادواتها المنطقية وشرعيتها الوطنية . اذ انه من غير الممكن ان تبحث عن حياة ملموسة محسوسة في مقابر الموتى . ما نحصد نتائج تداعياته اليوم ، هو اشتغال دولي عالمي طويل الأمد ، بمجالات شتى لم تقتصر على السياسية والاجتماع فقط ، وانما جاء الدين وصراع الأيدولوجيات في ركاب ذلك القطار ، بقصد استحمار الفرد العراقي واشغاله بصراعات وهوايات وهويات عن احتياجات اساسية وجوهرية ترتبط بالوعي وتتلازم مع الادراك اللازم لبناء دولة جادة منتجة قادرة على تشخيص اخطائها وعللها الحقيقية دون الانصراف والانشغال في امراض مصطنعة مفبركة .

الدولة التي اجهضت اركانها واجهدت مفرداتها في قصر " البعث – صدام " ، طيلة الاربعين عاماً الماضية ، جاءت النسخة الاميركية للإجهاز على ما بقي منها وتغير بوصلتها من دكتاتورية السلطة الى سلطات اللصوص . العراق مهيئ الان ، بعد فصل عسكري مسلح وطقوس في الجوع والتشريد ، ان يتقبل فكرة الخلاص الاميركي من صدام الطاغية "السني" . فكانت بداية نيسان ، جرعة منشطة لرفع الصوت الطائفي الخافت في البيوت الى ابواق تسمع علناً ليس في الشوارع فقط وانما تقرأ جهراً ودماً في افواه السياسيين الجدد الذين وجدوا فيها منصات لتدشين عهد جديد ؛ ادواته الدين السياسي والثأر من التاريخ الذي اجلس "صدام الاموي" ، على رقاب "المعارض الحسيني" ، فانطلت الكذبة ومرت قوافلهم "المقدسة" ، في الشارع العراقي .

مضى الوقت ، واصبح الوطن حكاية من مذهب وطقوس وعبادات ، وسيق الفرد الى الاستغباء والتجهيل . ولك ان تعرف ان الانتماء الى الوطن يتحدد بقوة الولاء الى الخارج . والوطنية بحكم الانتماء الى الاحزاب .

عطلت العقول قبل المصانع والمعامل العراقية الكبرى ، ودفع العراقي الى الخوض في صراعات وجدليات لتجميد الزمن والابقاء عليه في مشرحة الغفلة . وظف الدين المشوه في خدمة ملائكة السياسة ، وأعرج باسماء وشخصيات الى السماء السابعة . حاولوا قدر الامكان كتابة الاسلام بمداد الارقام والارباح . عزلوا علي وأجلسوا عمر في الترف والبذخ . كمموا افواه الاسلام المحمدي الحقيقي ، الذي تستطيع قراءته ومعرفة مضامينه عند ابا ذر الغفاري عندما كان يوبخ معاوية في الشام متسائلاً " من أين لك هذا القصر ، ان كان من مالك فانت من المسرفين وأن كان من مال المسلمين فأنت من الخائنين ".

الله متهم فيما جرى في العراق والله سبحانه وتعالى بريء مما يدعون . وكما اوضحنا سلفاً انه اشتغال دولي بدء منذ سنوات طويلة ، هدفه ضرب العقل العراقي وتسطيح فهمه وسحبه الى مساحات الاختلاف والالهاء لتمرير ما يشتهون .

الوطن الذي اعتقل في زنزانة صدام ، اطلق سراحه في زنزانة أكبر ، وبرحاب سجان ابطش ، تتقاذفه المصالح الدولية التي تختار له الحرب والسلام بحسب طبيعة اللعبة السياسية .

عراقي سعودي ، عراقي ايراني ، عراقي تركي ، عراقي اميركي ، من لحق بهؤلاء لحق ومن تخلف ضاع في الصمت وتاه في العزلة . عمموا الجهل علماً ونشروا ثقافة التخوين منهجاً ، فكانت لهم البلاد وكان لله العباد .

هؤلاء من الطغمة وذيول الاجانب ، أوصوا وأصلوا المواطن العراقي الى قناعة تامة بان مايجري لهم هو قدر تاريخي مشرف ، اختارته لهم السماء وعليهم الصبر وانتظار الفرج . الزهد والورع والتفكير في الموت افضل من اضاعة الوقت في البحث عن الحياة والعادلة والمساواة التي لاتجدها سوى في الجنة .

ولكن الجوع كافر ، حتى قيل "ان الله لايعبد لولا الخبز" . الفتاوى لاتطعم البطون الخاوية ، والشعارات لاتأتي بثوب عفاف ، حتى بدأت تتكشف اللعبة ويعرفوا انى الله ليس في هذا المكان وان هؤلاء لبسوا القداسة على اجساد عفنة . حاولوا ان يصرخوا من شدة خيبتهم بالوطن والوطنيين ، حتى اتاهم الجواب " ذلك كفر واثم كبيرين " .

الفقر يا سادة ، الايتام يا ساسة ، الارامل يا سيادة . تظاهروا ولكن ايأكم ان ترفعوا صوتكم عالياً ، طالبوا بفقر مشرف ولا بغناء فاحش يقودكم الى المعصية . لا تتكلموا كثيراً ولا تحتجون كثيراً ، بلادنا مستهدفة من قبل اعداء الحرية والفكر والاستقرار .

[email protected]