العدوان التركي على شمال سوريا بقلم: د.عادل عامر
تاريخ النشر : 2019-10-10
العدوان التركي على شمال سوريا  بقلم: د.عادل عامر


العدوان التركي على شمال سوريا

الدكتور عادل عامر

أن الاجتياح التركي الراهن ينذر بكارثة إنسانية ستؤدي بحياة المئات بل ربما آلاف من الأكراد المتحصنين بقوات سوريا الديمقراطية، والتي تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن دعمها مؤخرا،

والتي لا يعول على حمايتها للأكراد بل التعويل يجب أن يكون على عودة الأكراد إلى حضن دولتهم الوطنية، ودمج قوتهم المسلحة داخل الجيش الوطني السوري من أجل التصدي للغزو التركي الذي يحشد قواته الآن لإحداث توغل داخل الأراضي السورية.

لان الهدف الحقيقي من العدوان التركي يحمل أغراض استعمارية لأردوغان تحت ذريعة إنشاء منطقة آمنة والتي تعد ترسيم حدود جديد لتركيا تمكنها من الاستحواذ على مزيد من الأراضي السورية كتوسع استعماري بعد عفرين هذا بخلاف الرغبة التركية في القضاء على الأكراد، وحلم دولتهم الذي يعرقل التوسع التركي في سوريا، وأيضا نحو الحدود العراقية.

إن الهجوم "خطير على أمن الأكراد أن العدوان التركي على شمالي سوريا ستكون له تداعيات خطيرة على السياسة التركية الداخلية والأزمة الاقتصادية، بجانب القضاء على فرص استئناف مفاوضات السلام مع الأكراد.

أنه من الضروري أن تتحرك المجموعة العربية داخل الأمم المتحدة لتكوين رأي عام دولي رافض للتوغل التركي في سوريا، وتحريك مجلس الأمن نحو التصدي للتوغل التركي الغاشم، لان الحل الداخلي أيضا هام جدا لإيجاد سبل للخروج من هذا النفق المظلم، وأن أهم نقاط هذا الحل يعتمد علي الأكراد أنفسهم، الذين يجب أن يعودوا إلى حضن دولتهم الوطنية للإفلات من سكينة أردوغان، وإيجاد حلول سياسية بديلا عن النزاع العسكري الداخلي.

وتأتي هذه العملية بعد إعلان واشنطن سحب جنودها من شمال سوريا، فيما حذَّر الاتحاد الأوروبي من قيام تركيا بأي عملية عسكرية ضد الأكراد في شمال سوريا.

واشنطن التي سلّحت ودعمت "وحدات حماية الشعب الكردية"، أبدت خلال الأشهر الماضية معارضة لمطالب أنقرة بالسيطرة على مساحات من الأراضي السورية بعمق 32 كيلومتراً، وبدلاً من ذلك اقترحت واشنطن منطقة آمنة عبارة عن شريط منزوع السلاح لمسافة خمسة كيلومترات تعززها منطقة إضافية خالية من الأسلحة الثقيلة لمسافة تسعة كيلومترات، ما يجعل الامتداد الكامل للمنطقة داخل سوريا أقل من نصف المساحة التي تسعى إليها القيادة التركية المُطالبة أيضاً بأن تكون لها السلطة المطلقة على المنطقة، وهو ما يعدّ نقطة خلاف أخرى مع الولايات المتحدة. تركيا كانت دفعت بقوات إلى شمال سوريا مرتين في الأعوام الثلاثة الماضية متذرعة بمخاوف أمنية من الحرب الأهلية المتواصلة منذ ثماني سنوات على الأراضي السورية، ولكن، لماذا هذا الحرص التركي على القيام بعملية عسكرية ثالثة شرق نهر الفرات في أراضي الجارة الجنوبية؟

أن أنقرة تنظر إلى "وحدات حماية الشعب الكردية"، (العامود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية)، كـ"ميليشيات إرهابية ويشكلون تهديداً أمنياً لتركيا". إن تركيا تسعى أيضاً إلى تأمين دورٍ لها في صياغة مستقبل سوريا بين اللاعبين الرئيسيين؛ ابتداءً من واشنطن وموسكو، مروراً بإيران والجماعات الإسلامية المسلحة، وصولاً إلى الميليشيات الكردية، ووفق هذا المنطق تتأسس مصلحة أنقرة في السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي السورية.

أن يكون للتدخل التركي في شمال سوريا عواقب وخيمة على العلاقات المتوترة أصلاً بين العضوين في حلف شمال الأطلسي، فقد أغضبت تركيا حليفتها الولايات المتحدة الشهر الماضي عقب شراء معدات الدفاع الصاروخي الروسية، كما وأن مواقف البلدين تختلف بشأن عقوبات واشنطن على طهران، إضافة إلى رفض الولايات المتحدة تسليم المعارض فتح الله غولن للسلطات التركية.

يمكن أن تشمل الأهداف العسكرية المحتملة لتدخل تركي جديد في شمال سوريا مناطق؛ منبج وتل أبيض وكوباني، تلك المناطق التي تشهد وجوداً للقوات الأمريكية، ما يعني أن القوات الأمريكية قد تخاطر بالتعرض لأية أعمال عدائية.

الولايات المتحدة، يتملكها شعور بضبابية الرؤية فيما يتعلق بآليات التوازن بين تحالفها المتواصل مع تركيا منذ قرن من الزمن، وبين شراكتها الاستراتيجية مع الأكراد السوريين، ويقول بكوان: إن الأكراد بالنسبة لواشنطن هم المفتاح في الحرب ضد داعش، وهم أيضاً السبيل لتأمين دورٍ للولايات المتحدة في سوريا بعد انقضاء الحرب.

أن محاولة واشنطن إرضاء الطرفين أدت إلى إطلاقها تصريحات متناقضة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وأن القوة العظمى العالمية "لا تزال تفتقر إلى سياسة مستقرة وواضحة وثابتة" في هذا الشأن. خيار آخر يمكن أن يتم تداوله بشأن أكراد سوريا وهو إقناع موسكو وطهران، اللتين هما لاعبان رئيسيان في الحرب السورية، بمنح الحكم الذاتي للأكراد والدفاع عن قضيتهم أمام دمشق وأنقرة. أن تركيا من خلال هذه العملية "تسعى أيضاً لتبديد الشكوك الدولية والإقليمية في دعمها للإرهاب وتواطئها مع داعش وبعض التنظيمات الإرهابية الأخرى".

وتريد أنقرة من خلال العملية الجديدة وسابقاتها "فرض نفسها كرقم مهم على طاولة تسوية الأزمة السورية سياسياً بعد أن ترفع الحرب أوزارها؛ إذ أنها تدرك أن من يملك نفوذاً وحضوراً قويين على الأرض ستكون له كلمة في رسم مستقبل سوريا" أن هذا "التصعيد" الجديد بين واشنطن وأنقرة قد يلقي بـ"ظلاله" على العملية التركية في إدلب وعلى التفاهمات بين الروس والأتراك والإيرانيين بهذا الخصوص.

"قد لا تسير الأمور وفق التفاهم الثلاثي، لأنّ الطرف الآخر وهو الأميركي لديه حساباته". ومن هنا يجزم صالحة: "كل السيناريوهات متوقعة ومفتوحة على بعضها البعض ومن بينها المواجهة المسلحة مع وحدات حماية الشعب الكردية".

حاولت بعدها تركيا الهجوم على منبج من أجل طرد القوات الكردية منها، ولكن واشنطن لعبت بورقة الكرد للضغط على تركيا وسط علاقات متوتّرة بين الطرفين. بينها الدور التركي في سوريا الذي ساهم في تعقيد الوضع الأميركي، بحيث أن واشنطن توقّفت عن استخدام قاعدة "أنجرليك" التركية، واستأنفت طلعاتها من البحر المتوسّط. تعتبر تركيا المجموعات الكردية في قوات سوريا الديموقراطية جزءاً من حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا إرهابياً. وتهدف تركيا إلى منع إقامة دويلة كردية على حدودها ومنها الردع التفكير المماثل بالإشارة إلى كرد تركيا.

وتعتبر منبج اليوم بالنسبة الى وحدات حماية الشعب الكردية الشريان الاقتصادي لشمال سوريا إذ تنشط فيها الحركة التجارية ونقل البضائع إلى مناطق القامشلي والرقة والحسكة وشرق دير الزور. وعسكرياً، تعتبر منبج مدينة القواعد العسكرية حيث أنها تحوي على اكثر من قاعدة للتحالف الدولي وللأميركيين والفرنسيين، ومراكز دعم العمليات اللوجستية لقوات سوريا الديموقراطية.

و يشار إلى أن الجيش السوري أعلن في وقت سابق دخول وحداته إلى منبج بعد وقت قصير من توجيه الوحدات الكردية دعوة إلى دمشق للانتشار في المنطقة لحمايتها من التهديدات التركية.

ولاشك أن العملية العسكرية التركية المُرتقبة في منبج وترقّب الجيش السوري لدخولها ستكون نقطة فاصلة في تاريخ التواجد التركي في شمال سوريا إما نحو الانسحاب أو نحو التمدّد والقيام بعمليات أخرى.

مع بداية الأزمة السورية كانت أعلنت تركيا ذريعتها في التدخّل في سوريا محاربة تنظيم داعش وتحجيم أيّ دور للكرد، اتسعت رقعة النفوذ التركي شمالي سوريا على نحو غير مسبوق، منذ أن أطلقت أنقرة عملية (درع الفرات ) في أغسطس 2016 بحجّة مواجهة الجماعات الكردية المسلّحة، التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا. وقد ذهب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أبعد من سوريا، حين هدّد في مارس من هذا العام بدخول القوات التركية إلى سنجار( كردستان العراق ).