خطورة وحرج حماس من حسابات القرضاوي بقلم:سري سمور
تاريخ النشر : 2019-10-10
خطورة وحرج حماس من حسابات القرضاوي بقلم:سري سمور


تبجيل وصل حد التقديس

قبل أكثر من عشرين عاما سخر حمساوي مني واتهمني ضمنا بالتلفيق عندما عرضت عليه إجابة القرضاوي عن سؤال لي في زاوية الفتاوى في موقع (إسلام أونلاين) الذي كان جديدا قائلا لي: هل تريد أن تقنعني بأن الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي هو من أجابك؟ أنت وضعت اسمك مع اسمه في الإنترنت!

وكانت شبكة الإنترنت جديدة ومستخدموها في بلادنا قلة، ولكن حمساويين آخرين نظروا إليّ بنوع من الإجلال والإعجاب لكون القرضاوي أجاب بنفسه عن سؤال للعبد الفقير، وبأن هذا شرف عظيم قد نلته، ولا أنكر أنني أنا ربما وقتئذ، إلى حد ما أصبت بهذا الزهو والشعور بالظفر! وكان سؤالي حول الضرورات لأخذ قرض بنكي (ولله الحمد حتى الآن لم أدخل في هذا الأمر) وكانت الإجابة باسم المفتي: يوسف عبد الله القرضاوي حول فهم الناس المختلف وأحيانا المغلوط لماهية الضرورة وطريقة تحديدها. استمر هذا التبجيل وتعاظم مع ازدياد وتوسع رقعة استخدام الإنترنت في فلسطين، وكذلك الفضائيات وبرنامج (الشريعة والحياة) على قناة الجزيرة الفضائية بحيث عمدت حماس إلى ترميز ممنهج أو شبه ممنهج للرجل وجعل رأيه هو الفيصل في أي قضية فقهية أو حتى سياسية.

استفتاء فيما هو فلسطيني خالص

كان برنامج (الشريعة والحياة) المذكور يعطي مجالا لطرح أسئلة من متصلين؛ وإذ بنا في حلقة من حلقاته نستمع إلى اتصال من أسير فلسطيني، هو قادر على الإفتاء بما استفتى فيه ضيف البرنامج (القرضاوي) لأن الأسير متخصص ودارس للعلم الشرعي والأهم هو في السجن الإسرائيلي الذي له ظروفه الموضوعية التي لا يمكن لأي فقيه أو عالم أن يفتي فيها فتوى صائبة دون أن يعيش التجربة، وسبق أن قلت بأن عالما فلسطينيا كان يفتي للأسرى بفتاوى غيّرها لما دخل السجن وعاش تجربة الأسر وظروفها وحيثياتها. المتصل برأيي كان يريد أن يقول لنفسه ولمن حوله ويظل يفتخر بأنه (نال شرف) الحديث مع القرضاوي، فهو قبل طرح سؤال الذي يستطيع أي دارس شريعة الإجابة عليه، بدأ بعبارات التبجيل والثناء المبالغ فيه على الشيخ. وهذا ما حذرت وأحذر منه دوما؛ فالحالة الفلسطينية لها خصوصية تستوجب أن يكون من يفتي في شؤونها من أهل البلد ويعايش ظروف الناس، ويعرفها عن كثب. 

وللأسف فإن حماس بترميزها وتبجيلها المبالغ فيه للقرضاوي جعلت منه ما يشبه حالة ابن تيمية عند السلفيين؛ أي رأيه هو الأساس وما يتعارض معه لا يؤخذ به، مع فارق جوهري هو أن ابن تيمية ميت ولا يمكنه التراجع عما أفتى به بعكس القرضاوي الذي غيّر وقد يغير آراءه. إن أحكام الأسير الفلسطيني المسلم في سجون الصهاينة قد تختلف من سجن إلى سجن ومن مرحلة اعتقال إلى أخرى وهي بالتأكيد تختلف عن أحكام الأسير المسلم في أي سجون أخرى حول العالم.. وهذا ينسحب على ظروف وآليات العمل المقاوم وحدود التعاطي مع الجانب الإسرائيلي اليومية وغير ذلك من تفصيلات يومية تحتاج فقيها عارفا بها، أكثر من الحاجة إلى عالم أو فقيه مشهور ومبرز.

مقاطعة البضائع الروسية

وعودة إلى ما أشرت إليه في المقال السابق حول دعوة القرضاوي أمريكا إلى (وقفة لله) فقد دعا المسلمين إلى مقاطعة البضائع الروسية والصينية ردا على استخدام الدولتين الفيتو في مجلس الأمن لصالح نظام بشار سنة 2012 علما بأنه لا بضائع روسية في أي بيت أو متجر حتى ربما في روسيا نفسها، فروسيا تبيع السلاح لا السلع الاستهلاكية وغيرها. وكان يجب أن تكون الدعوة متزامنة بخصوص أمريكا داعم إسرائيل والأخيرة هي سبب كل مشكلات المنطقة وما يجري فيها، والتي لطالما استخدمت الفيتو لصالح إسرائيل، وسلاح أمريكا هو الذي قتل أطفال فلسطين.. وروسيا تستقبل قادة حماس ولا تصنفهم كإرهابيين مثل أمريكا!

موقف أحرج حماس

وهذا وضع حماس في موقف حرج، مع أنها خاضت بعدها حربين وقصفت تل أبيب وأسرت جنديا أو جنودا صهاينة؛ ولكن هذا الفعل المقاوم لم يمنع المزايدة عليها لأنها لم تقم بإدانة مواقف القرضاوي علنا، صحيح أن القرضاوي ليس ناطقا باسم حماس ولا عضوا في أي هيئة من هيئاتها، ولكنها بسعيها إلى ترميزه وتبجيله طوال الوقت صارت مطالبة ضمنا بموقف واضح من مواقفه تلك؛ ولكنها شرعت بحملة دفاعية شرسة عنه، تدل على حرجها من مواقفه.

ويبدو أن حماس (ربما) حاولت بعيدا عن الإعلام ثني القرضاوي عن هذه المواقف المتشنجة ولكن دون جدوى.. فحسابات القرضاوي أخذت بالحسبان حسابات ومصالح دولة قطر، وهذه ليست بالضرورة تتطابق مع حسابات حركة حماس، مع أن علاقات حماس بقطر دافئة في الظاهر، ولكن بلا شك فإن حماس لا تضع كل بيضها في السلة القطرية، خاصة فيما يتعلق بالعمل المقاوم وآلياته وتكتيكاته، وهذا يعني أن حساباتها تختلف جذريا عن حسابات القرضاوي في واقع أولويات العمل السياسي والميداني، ولكن الورطة كانت في المكانة المميزة للقرضاوي عند حماس وكيف قدمته للناس عامة ولقواعدها وكوادرها خاصة.. فمن سمع بموقف الشيخ (يوسف فرحات) مثلا الذي رفض فتوى القرضاوي الرافضة للعمليات الاستشهادية؟ لا أحد سوى محيطه الجغرافي والتنظيمي.. لقد ارتكبت حماس خطأ بتسليم عنق الفتوى للقرضاوي وجعله -ضمنيا- مفتيها ومرجعها الشرعي والديني بلا منازع.

ضرورة الفكاك واجبة حاليا

وصار لزاما على حماس مثلما انفكت من السلفية أن تتحرر من القرضاوية -إذا جاز الوصف- التي ورطت نفسها فيها، وسببت لها مشكلة بين حسابات القادة المطلعين على أوضاع الإقليم والعالم وعواطف واندفاعات القواعد التي أُشبعت باعتبار كلام القرضاوي صواب لا يحتمل الخطأ بالمطلق؛ وأعلم أن هذا الكلام قد يجلب غضبا أو سخرية أو استهجانا ممهورا بديباجة مطولة حول علم القرضاوي وفضله ومكانته وأنه لا يجوز التشبيه.. ولكن هذه حقيقة ستظهر ولو بعد حين، فالواجب إنشاء مؤسسة فقهية فلسطينية لا تأتمر بأمر أي عالم مهما كان خارج حدود فلسطين، وإلا فليكن فلسطينيا لاجئا أو مقيما.. وهذا ليس من باب التعصب الوطني ولا غيره، بقدر ما هو وضع للأمور في سياقها الطبيعي.. أقله في هذه المرحلة الحرجة.

الخلط بين أمرين

حين أوجه أي نقد للقرضاوي في مواقع التواصل يخرج علي مناصرو أو محازبو حماس بوصلة ردح وذم وقدح تنال شخصي بسخرية موقعة بعبارة (مؤلفاته عددها ضعف سنوات عمرك، من أنت؟). صحيح أن للقرضاوي مؤلفات هي أكبر من ضعف عمري، فله أكثر من 120 كتابا، ولكن القوم يختلط عليهم مفهوم العالم الشرعي والفقيه، مع مفهوم الدعوة والحركة والصحوة؛ فنتاج القرضاوي الفقهي مقارنة مع سنوات اشتغاله وتفرغه (حوالي 70 عاما) تعتبر متواضعة نسبيا؛ فكثير من كتبه ومؤلفاته تصنف في إطار (الحركيات) لا المسائل الفقهية، وهي بالمناسبة كتب جيدة ومفيدة ولا يفوتني أن أنصح بقراءتها والانتفاع بها.

ولكن هذا شيء والنظر إلى القرضاوي كعلاّمة العصر وفقيه الزمان شيء آخر.. وحين قارنت بين فقه القرضاوي وفقه العثيمين، وجدت كلاما مؤذيا منه (فقه الصحراء) ومع أنني لست من مقلدي مدرسة العثيمين فأنا مقلد لمدرسة السادة الحنفية، ولكن لا شك بأن العثيمين عالم جليل متمكن وفقيه متبحر تفرّغ للعلوم الشرعية والمسائل الفقهية وأنتج نتاجا ثريا لا يمكن مقارنته بما أنتجه القرضاوي.. مع أن لا علاقة للعثيمين بالحركيات ولا الأمور السياسية عموما، كما أن منهج القرضاوي الفقهي عليه ملاحظات معتبرة. على كل هذه مسألة تستوجب تسليط الضوء عليها نظرا للخلط القائم وهي وغيرها مدار حديثي في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.