العلامة الشيخ مصطفى السعافين وجهوده الدعوية والوطنية بقلم:محمد أمير بارود
تاريخ النشر : 2019-10-09
العلامة الشيخ مصطفى السعافين وجهوده الدعوية والوطنية.
بقلم/ الأستاذ: محمد أمير بارود.
[ الإجازة العالية في التاريخ والعلوم السياسية ].
●ولد الشيخ مصطفى بن محمد بن أحمد السعافين في (١/مايو/١٩٤٧م) في قرية الفالوجة الفلسطينية المنسوبة للولي الصالح "شهاب الدين أحمد الفالوجي القادري" _الذي قدم إلى فلسطين من بلدة "الفلوجة العراقية" مجاهدا مع الناصر صلاح الدين الأيوبي إبان الحروب الصليبية_، وكان والده شيخا عارفا بالله، مربيا على الطريقة الصوفية العلاوية الشاذلية، المنسوبة للإمام الشيخ "أحمد بن مصطفى العلاوي الحسني المالكي" الذي قدم من بلاده الجزائر في ثلاثينيات القرن الماضي؛ لزيارة بلاد الشام ومنها فلسطين؛ لنشر الطريقة العلاوية والالتقاء بعلماء هذه البلاد، فزار القدس والتقى بالشيخ الحاج "أمين الحسيني" الذي أكرم وفادته وأحسن استضافته، كما زار الخليل ويافا والرملة وغزة والتقى فيها بثلة من العلماء منهم: (الشيخ: حسين أبو سردانة، والشيخ: محمد الدنماتي، والشيخ: خلوصي بسيسو، والشيخ: إسماعيل جنينه، والشيخ: عبدالخالق الربعي، والشيخ: محمد فاخرة، والشيخ: أحمد سكيك، والشيخ: سعود أبو لبن) وغيرهم.
وقد عاش الشيخ مصطفى في بلدته الفالوجا واستنشق عبيرها قرابة عامين، ثم هاجر بصحبة عائلته إلى مدينة خانيونس؛ إثر اندلاع حرب النكبة سنة (١٩٤٨م) ونشأ في بيت مشتغل بالعلم والتصوف، وقد أولاه والده بعنايته وتربيته على السلوك الحسن والأخلاق الحميدة، ولقنه مبادئ العلوم الشرعية والقرآن الكريم والسنة في كتاب الزاوية.
●تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة "الشيخ جميل النجار الأزهري"، والإعدادي في مدرسة "أحمد عبدالعزيز" بخانيونس، ثم انتقل بصحبة عائلته للعيش في مدينة غزة وفيها أكمل تعليمه الثانوي في مدرسة "فلسطين"، ثم ارتحل بإشارة من والده إلى الأزهر الشريف، والتحق فيه بالقسم العالي للدراسات الإسلامية والعربية بكلية الشريعة والقانون، وظل مثابرا مجتهدا في طلب العلم إلى أن تضلع وصار عالما جليلا يشار إليه بالبنان.
وكان من أشهر شيوخه الذين أخذ عنهم علوم الشريعة والحقيقة: (والده الشيخ: محمد السعافين _أبو أحمد الفالوجي_، والدكتور الشيخ: عبدالحليم محمود _شيخ الأزهر الشريف_، والشيخ: صالح الجعفري، والشيخ عبدالله المشد، والشيخ: محمد أبو زهرة، والشيخ: محمد الغزالي السقا) وغيرهم.
● أمضى الشيخ مصطفى السعافين بعد أن تولى مشيخة الطريقة العلاوية الشاذلية خلفا لوالده عام(١٩٦٧م) قرابة خمسين عاما في الدعوة إلى الله تعالى، وخدمة العلم الشريف، ومحاربة الأفكار الدخيلة التي شاعت في ذلك الوقت كالشيوعية، والليبرالية، والعلمانية، والمادية، والتشدد والتطرف الديني بكل أشكاله، داعيا إلى ضرورة الرجوع إلى مبادئ الإسلام السمحاء التي وازنت بين الروح والمادة، والأصالة والمعاصرة، وفق مبادئ أهل السنة والجماعة وتعاليم التصوف النقي، كما عمل جاهدا على إبراز القدوات الحسنة من السلف الصالح وعلماء الأمة وصلحائها، وذلك من خلال دروسه الوعظية التي كان يلقيها على تلامذته بشكل دوري في زاويته، أو من خلال خطب الجمعة التي كان يعالج من خلالها مختلف القضايا الدينية والاجتماعية والوطنية، ومن خلال الندوات والملتقيات والدروس العامة أيضا، والتي كانت تستهدف كافة شرائح المجتمع الفلسطيني.
وقد طاف البلاد شرقا وغربا، شمالا وجنوبا؛ داعيا إلى الخير محاربا للشر، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، لا تثنيه المثبطات ولا تقطعه العثرات، ولا تعيقه عرقلات الاحتلال الصهيوني وسجنه ومنعه من السفر لسنوات عدة من المضي في الدعوة ونشرها، فما أن مضت أعوام قليلة حتى عمت دعوته أرجاء القطاع والضفة الغربية والمناطق المحتلة عام (١٩٤٨م) فتأثر به الشباب والشياب وأم الناس إلى زواياه التي شيدها في اللد والطيبة وغزة ودير البلح وخانيونس والقرارة ورفح، واهتدى به خلق كثير، وأسلم على يديه يهوديا سماه "عثمان علي" وبعثه إلى بروكسيل للعمل في مجمع إسلامي ونشر الدعوة هناك.
كمت اتسعت جغرافية دعوته لتضم أمصارا عربية عدة، منها: مصر حيث انطلق إلى شبه جزيرة سيناء، فأعاد فيها تنظيم المريدين وترتيبهم، وأخذ يشيد الزوايا بدءا بالزاوية الكبرى في مدينة الشيخ زويد إلى بقية الزوايا التابعة لوالده والمنشرة هناك وكان آخرها تأسيسه لزواية بالغردقة عام (٢٠٠٣م)، كما زار الأردن مرات عديدة واجتمع بأبناء الطريقة في عمان ومعان والعقبة وإربد وجرش ومخيم حطين، والتقى بعدد من أصحاب السماحة المفتين والقضاة ولفيف من الأدباء والأكاديمين، وسجل عدة دروس تربوية علمية في "قناة الصوفية الفضائية" وألقى هناك خطبة جمعة ومواعظ عدة في دار الإمام الرواس.
كما زار سورية وافتتح فيها زاوية عرفت باسم "زاوية الشهداء" بعد الأحداث السورية الأخيرة، والتقى فيها بجملة من العلماء وألقى عدة دروس، منها: درس في مسجد الشيخ محيي الدين بن عربي، وآخر في أمسية أقيمت بريف دمشق، تكلم فيها عن قضية فلسطين والقدس ومحوريتها في الصراع العربي الإسرائيلي وواجب أبناء الأمة تجاهها.
كما زار سلطنة عمان ودولة الإمارات المتحدة، وأسس بعض مريديه بتوجيه منه زاوية في الأنبار بالعراق وأخرى في المملكة العربية السعودية، وقد زاره في زاويته مئات العلماء والدعاة من غزة وخارجها وتلقى عدة دعوات لحضور مؤتمرات وندوات دعوية من الجزائر وليبيا والمغرب والسودان وغيرها.
●كان الشيخ مصطفى السعافين صاحب حضور وطني كبير، متفاعلا مع هموم شعبه، يولي قضية فلسطين والقدس الشريف جوهر اهتماماته؛ فهي حاضرة معه ترحل حيثما ارتحل، وقد كانت تربطه علاقات طيبة بكافة شرائح الوطن السياسية والاجتماعية؛ وذلك بسبب شخصيته الجامعة التي تدعو إلى الوحدة وضرورة العمل المشترك ونبذ الفرقة والانقسام، وكذلك تبنيه سياسة توحيدية تقوم على رأب الصدع وجمع الكلمة عبر خطبه ودروسه ومقالاته الصحفية في جريدتي الصباح والقدس وغيرها.
وقد زاره في زاويته شخصيات سياسية ووطنية منها: ( الرئيس الراحل ياسر عرفات _أبو عمار_ والذي ألقى كلمة عقب خطبة الجمعة على منبر الزاوية بغزة، عام (١٩٩٤م)، والشيخ الشهيد أحمد ياسين وكان بينهما مشاورات عدة ونشاط دعوي مشترك، عدد من سفراء الدول العربية لدى فلسطين.
كما كان الشيخ مصطفى متعاطيا مع قضايا أمته الإسلامية والعربية كلها، حيث وجه الأنظار إلى قضايا المستضعفين من المسلمين في بورما والفلبين، والبوسنة والهرسك، وإلى قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السودان والصومال وموريتانيا وجزر القمر وغيرها.
وقد وجهت إليه عشرات الدعوات لحضور مؤتمرات في أكثر من دولة، منها: دعوة من الرئيس ياسر عرفات لحضور اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر بعد أن عينه عضوا فيه (دورة إعلان الاستقلال) عام (١٩٨٨م) وأخرى من الرئيس صدام حسين، والرئيس الشيشاني رمضان قاديروف وغيرها، ومع كل ما حظي به من احترام وتقدير من قبل الشخصيات السياسية في البلاد وخارجها إلا أنه كان زاهدا في المناصب متورعا عنها، فقد رفض منصب أول وكيل لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في السلطة الوطنية الفلسطينية حين عرضه عليه الرئيس ياسر عرفات، كما رفض رئاسة أول مجلس للطرق الصوفية في فلسطين عام (١٩٩٤م)، وبهذا النهج السليم والمنطق الحسن استطاع أن يحافظ على استقلالية زواياه وسلامة منهجها، وعلى تماسك مريديه وسط التجاذبات والاختلافات السياسية التي عاصروها.
●توفي _رحمه الله تعالى_ وسط أتباعه ومريديه في زاويته بغزة ثالث أيام عيد الأضحى المبارك بتاريخ (٣/سبتمبر/٢٠١٧م) وكان آخر كلامه من الدنيا(ما قدر الله كائن)، ودفن بقرية وادي غزة، تاركا خلفا مئات المريدين وطلبة العلم وعشرات الزوايا ومجالس الذكر والعديد من الكتب والرسائل منها:(ديوان أشعاره، وديوان روضة المحبين من كلام العارفين، والمبادئ العامة للطريقة العلاوية، والإمتاع في اختصار متن أبي شجاع، والنور الساري من مناجاة العلاوي، ووقفات مع بيت المقدس، وهداية الإخوان في شرح منظومة أهل حزب الديان، والانتقاء من سير أعلام النبلاء) وغيرها.
وقد أم بيت عزائه جموع غفيرة من المحبين ورجال الدولة والدين وقادة العمل الوطني والإسلامي ورؤساء الأحزاب والمجالس والمؤسسات، ورثاه جمع من العلماء والأدباء وأهل الفضل في البلاد وخارجها، كما نعته كثير من الصحف والمجلات المحلية والعربية.
________________
مصادر المقال:
١_ كتاب: تحفة الناظرين في ترجمة الإمام مصطفى بن محمد السعافين، للأستاذ الشيخ: محمد الهادي مصطفى السعافين.
٢_ كتاب: الروضة السنية في المآثر العلاوية، للشيخ: عدة بن تونس.
٣_ كتاب: مطالع اليقين في مديح الإمام المبين، للأستاذ عبدالله البيضاوي.
٤_ كتاب: زوايا الشيخ مصطفى السعافين (مسجد الزاوية بغزة) سيرة ومسيرة، إعداد: المكتب الإعلامي لزوايا الشيخ مصطفى السعافين.